الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

القرم.. صراع تاريخي على الباب الصغير للعالم من عصر القياصرة حتى بوتين

  • مشاركة :
post-title
شبه جزيرة القرم تمثل أهمية كبرى لروسيا تاريخيا

القاهرة الإخبارية - محمد صبحي

بعد أكثر من عام على الحرب الروسية الأوكرانية، ارتفعت آمال كييف، للحد الذي تطالب فيه بانسحاب روسيا من كامل أراضيها، بما فيها التي كانت تحت سيطرتها قبل بدء العملية العسكرية الأخيرة، وبينها شبه جزيرة القرم، التي تسيطر عليها موسكو منذ عام 2014، والتي تحارب عليها منذ القرن الـ18.

ولشبه جزيرة القرم أهمية كبيرة لروسيا في وقتنا الحالي، لم تنشأ منذ أن سيطرت عليها في 2014، بل منذ أن كانت الإمبراطورية الروسية، فمآرب موسكو فيها ليست وليدة هذا اليوم، لما لها من أهمية بالغة، فهل يمكن أن تتخلى روسيا عن شبه جزيرة القرم، وما هي أهميتها لها؟.

في أبريل الماضي، أعلنت أوكرانيا رفضها لمقترح الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، بإنهاء الحرب، عبر تنازل أوكرانيا عن شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا في 2014، وقال الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، إنه لا بديل عن إعادتها إلى السيادة الأوكرانية.

لا تفاوض عليها

وفي هذا الإطار، يقول ديميتري بريجع، المحلل السياسي الروسي، إن شبه جزيرة القرم، لن يتم التفاوض عليها في الوقت الحاضر أو في المستقبل، كما أن باقي المناطق أصبحت أراضي روسية، وفق القوانين الروسية، مشيرًا إلى أن ملايين من سكان هذه المناطق حصلوا على الجنسية الروسية، بدءًا من عام 2014.

وأضاف أن روسيا، تدافع عن مواطنيها، وفق القوانين الروسية، مضيفًا: "لكن مع تغير الوضع السياسي في روسيا يمكن أن تتغير الأمور".

وأوضح "بريجع"، أن العام المقبل، هو عام انتخابات في روسيا وأوكرانيا والولايات المتحدة، وبالتالي يمكن أن يحدث تغييرًا أو يبقى الوضع كما هو عليه الآن، مشيرًا إلى أن الانتخابات الأمريكية، يمكن أن تغير الوضع، وفشل الهجوم المضاد، خاصة فيما يتعلق بالدعم الغربي والأمريكي.

وأضاف، أنه يجب إجراء الانتخابات المقبلة لرئيس أوكرانيا، وفقًا لدستور أوكرانيا، في يوم الأحد الأخير من شهر مارس، في العام الخامس من فترة الرئاسة الحالية، أي في 31 مارس 2024، وفي روسيا يجب إجراء الانتخابات الثامنة لرئيس الاتحاد الروسي، وفقًا للتشريع الانتخابي الحالي للاتحاد الروسي، في 17 مارس 2024، ويتخذ مجلس الاتحاد الروسي القرار النهائي بشأن موعد الانتخابات في موعد لا يتجاوز 100 يوم ولا يتجاوز 90 يومًا قبل يوم التصويت.

أهمية شبه جزيرة القرم

تأتي أهمية شبه جزيرة القرم، والتي تبلغ مساحتها 27 ألف كيلو متر مربع، من موقعها الاستراتيجي، بالبحر الأسود قرب مضيقي البسفور والدردنيل، اللذين يربطانها بالبحر الأبيض المتوسط من جهة، والقوقاز – بما في ذلك شمال القوقاز الروسي – من جهة أخرى.

شبه جزيرة القرم

ويتجاوز عدد سكان شبه جزيرة القرم، مليوني نسمة، أغلبهم من الروس، ويسكنها كذلك أقليات من الأوكرانيين والتتار.

تاريخ شبه جزيرة القرم

يعود تاريخ أزمة شبه جزيرة القرم، إلى الإمبراطورية الروسية، والدولة العثمانية، وتحديدًا إلى القرن الـ18، عندما كان أمراء القرم المسلمين يسيطرون على شبه الجزيرة، وفي عام 1713 وقعت روسيا معاهدة أدرنة، وبموجبها تنازلت عن أراضيها على البحر الأسود، مقابل إلغاء ما تدفعه من جزية، بحسب كتاب تاريخ الدولة العثمانية، (1280-1924) للدكتور تيسير جبارة، الأستاذ بجامعة القدس والمنشور عام 2015.

واستمرت محاولات روسيا، للسيطرة على المضائق العثمانية، واشتعلت بينهما الحرب عام 1735، واستمرت 4 سنوات، فشلت خلالها روسيا، وعقدت معاهدة بلجراد، بين الدولتين، وتقرر فيها هدم قلعة آزوف، وأن تعتبر هذه القلعة حاجزًا بين الدولتين، وكان من أبرز بنود الاتفاقية عدم السماح لروسيا ببناء أو بقاء أساطيل لها في البحر الأسود، على أن يمارس الرعايا الروس نشاطهم التجاري عبر سفن تركية.

تخلي العثمانيون عن القرم

واستمرت حالة السلم بين الدولة العثمانية والإمبراطورية الروسية حتى عام 1768 عندما نشبت حرب جديدة، استمرت حتى عام 1774، وفي نهاية الحرب فرض الروس على السلطان التخلي عن القرم، لتصبح أول مقاطعة إسلامية تنسلخ من الدولة العثمانية، بعد التوقيع على معاهدة كوجوك كاينارجا عام 1774، ليتحول البحر الأسود من بحيرة عثمانية بحتة إلى بحيرة عثمانية روسية، وتقرر لروسيا الحق في إنشاء قواعد عسكرية برية وبحرية على سواحل البحر الأسود.

قيصر روسيا نيكولاي الأول

ووفقًا للمعاهدة، أصبحت بلاد القرم مستقلة، ولا يلتحق رعاياها بالدولة العثمانية، إلا دينيًا فقط، ثم تجدد القتال بين العثمانيين والروس في الفترة من 1789 و1893، وانتهت بالصلح أو ما يعرف بمعاهدة ياسي عام 1792، ومدت روسيا حدودها حتى نهر الدنستير.

حرب القرم

في عام 1853، حاول قيصر روسيا نيكولاي الأول، أن يقتسم أملاك الدولة العثمانية، فاقترح أن تسيطر روسيا على الآستانة مقابل استيلاء بريطانيا على مصر وكريت، وعندما فشلت خطة روسيا، حاولت السيطرة على الكنائس المسيحية في فلسطين، حتى أعلنت فرنسا وبريطانيا الحرب على روسيا في شبه جزيرة القرم، واستمرت حتى 1856، والتي انتهت بهزيمة روسيا، أمام تحالف ضم الإمبراطورية العثمانية وفرنسا وبريطانيا ومملكة سردينيا.

احتلال النازيين

وفي أعقاب ثورة أكتوبر البلشفية، عام 1917، مُنحت شبه جزيرة القرم حكمًا ذاتيًا، باعتبارها جمهورية من جمهوريات الاتحاد السوفيتي، وفي عام 1940 احتل النازيون "القرم"، قبل أن يُطردوا منها.

ورحّل الزعيم الروسي جوزيف ستالين، تتار القرم وكان عددهم نحو 200 ألف شخص، عام 1944، قسرًا إلى سيبيريا وآسيا الوسطى، بزعم تعاونهم مع النازيين خلال الحرب العالمية الثانية.

هدية لأوكرانيا

وظلت القرم جزءًا من جمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفيتية حتى 19 فبراير 1954، حتى قرر الزعيم السوفيتي نيكيتا خروشوف نقل المنطقة إلى جمهورية أوكرانيا الاشتراكية السوفيتية.

وفي عام 1991 تم تغيير الوضع القانوني لشبه جزيرة القرم، وأصبحت تتميز بالحكم الذاتي داخل الاتحاد السوفيتي، ولكن تبعيتها انتقلت إلى أوكرانيا، مع حل الاتحاد السوفيتي رسميًا في ديسمبر من ذلك العام.

توترات ما بعد الاستقلال

بعد انضمام القرم، إلى أوكرانيا المستقلة حديثًا، سعى سياسيون روس هناك إلى توثيق العلاقات مع روسيا وتثبيت سيادتها في شبه الجزيرة، واتخذوا بعض الخطوات التي وصفتها الحكومة الأوكرانية، بأنها منافية للدستور الأوكراني.

ونص الدستور الأوكراني "1996"، على أن جمهورية القرم ذات حكم ذاتي ولديها دستورها الخاص الذي اعتمده برلمان جمهورية القرم، والذي وافق عليه برلمان أوكرانيا بأغلبية لا تقل عن نصف التكوين الدستوري للبرلمان الأوكراني.

ونص الدستور الأوكراني، على أنه لا يجوز أن تتعارض القوانين الصادرة عن برلمان وحكومة جمهورية القرم، مع الدستور الأوكراني وقوانين أوكرانيا.

الزعيم السوفيتي الراحل نيكيتا خروشوف

وظلت العلاقة بين كييف وشبه الجزيرة مُعقدة، إذ إن أغلب سكانها من الروس، وألزمت مذكرة بودابست، الموقعة من قبل روسيا وأوكرانيا والولايات المتحدة وبريطانيا في ديسمبر عام 1994، باحترام حدود أوكرانيا ما بعد الاتحاد السوفيتي، وفي المقابل تعهدت أوكرانيا بنقل مخزونها من الأسلحة النووية من الحقبة السوفيتية إلى روسيا.

سيطرة روسيا

وظلت التوترات جارية حتى عام 2014، حين فرّ الرئيس الأوكراني المنتخب فيكتور يانوكوفيتش، والذي كان مُواليا لروسيا، وعندها سيطرت قوات مُوالية لروسيا بالسيطرة على شبه جزيرة القرم.

وفي مارس 2014، تلقى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، موافقة البرلمان الروسي على إرسال قوات إلى شبه جزيرة القرم بدعوى حماية السكان من أصل روسي، ووقع في 18 مارس معاهدة دمج شبه جزيرة القرم في الاتحاد الروسي.

وبدأت الحرب الروسية الأوكرانية عامها الثاني، في ظل تزايد مستوى التصعيد بين أطراف الصراع، ففي الوقت الذي تشترط فيه روسيا ضرورة الاعتراف الغربي بشبه جزيرة القرم، إلى جانب المكاسب الأخرى التي حققتها خلال عامها الأول في الحرب، ترفض أوكرانيا بشكلٍ قاطع وتستبعد أي تفاوض معها، حتى تسحب موسكو كامل قواتها من كل أراضيها، وهو ما سيعطل أي تسوية سياسية على الأقل في الأمد المنظور.