قبل 89 عامًا سرى صوت ما زال صداه يتردد حتى الآن، "هنا القاهرة" كلمة بمجرد سماعها تشعر بالأمان والدفء، أطلقها الإعلامي أحمد سالم؛ لتصبح بمثابة أيقونة مميزة للإذاعة المصرية التي تحتفل اليوم الأربعاء (31 مايو) بإشعال شمعتها الـ 89.
تاريخ ممتد من العطاء، كان شاهدًا على مواقف وأحداث تاريخية وثّقت جزءًا كبيرًا من تاريخ مصر، فكانت الإذاعة المصرية شاهدة على العصر برموزها وشخصياتها، لتسجّل في ذاكرتها عظمة مصر وتؤرخ لأحداث فاصلة في تاريخنا العربي، ما بين انتصارات ومؤازرة للشعوب العربية وتوحيد للصف، حتى أنها أبت الخضوع بعد تعرضها للقصف على يد العدوان الثلاثي، يوم 2 نوفمبر عام 1956، لينتقل بثها إلى دمشق، فمن منا ينسى العبارة الشهيرة "من دمشق.. هنا القاهرة"، لتقدم الإذاعة المصرية قصص وبطولات النصر، وتعزز القيم وترفع المثل العليا بقوالبها البرامجية والدرامية، لتحفظ للتاريخ تراث مصر.
صوت مصر الرسمي
شهدت مصر إنشاء عدد من الإذاعات الأهلية، قبل تدشين الإذاعة المصرية رسميًا في مثل هذا اليوم 31 مايو عام 1934، ألغت مثل هذه الإذاعات الأهلية لتكون الإذاعة المصرية صوتًا رسميًا للدولة يمتد أثيرها عبد الحدود، وحملت اسم "الإذاعة اللاسلكية للحكومة المصرية"، لتكون وسيلة الإعلام الأولى المسموعة للمواطنين لتسبق إنشاء التلفزيون بنحو 27 عامًا تقريبًا.
تحتفظ الإذاعة المصرية بمكانة عالية وتعتبر الوسيلة الإعلامية التي يجتمع حولها جميع العرب، ورغم مرور عشرات السنين لكنها لم تفقد رونقها مع تقدم التكنولوجيا ودخول وسائل جديدة، فما زال المواطنون يحتفظون بجهاز الراديو في منازلهم وسياراتهم ويستمعون لها ويغوصون في أعماقها بخيالهم لما تمتلكه من قدرة على إعمال الخيال.
اجتمع على حب الإذاعة المصرية الكثيرون ما بين مشايخ ومطربين، الكبار والصغار والرجال والنساء، إذ صدح عبر أثير ها أصوات كبار المقرئين مثل قيثارة السماء الشيخ محمد رفعت، والشيخ مصطفى إسماعيل والشيخ على محمود من رواد التلاوة، والشيخ على الشعشاعي لما يمتلكه من صوت فريد، والشيخ طه الفشني كروان الإنشاد الديني.
الهوية المصرية
بدأت الإذاعة بسماع صوت الشيخ محمد رفعت وهو يرتّل القرآن، تبعه صوت غناء المطرب محمد عبد الوهاب وأم كلثوم، فهذا النسيج والامتزاج المعتدل جاء انعكاسًا للهوية المصرية، واستطاعت أن تضع يديها على المعادلة الصحيحة إذ أشبعت المشاعر دينيًا ووطنيًا وعاطفيًا.
كانت الإذاعة المصرية هي قبلة كبار المطربين، باعتبارها الوسيلة المضمونة لتحقيق الشهرة، لما تتمتع به من شعبية وجماهيرية، فوقف أمام ميكروفونها كبار الفنانين العرب مثل فايزة أحمد وفيروز وغيرهم، كما سجّلت الإذاعة حفلات وأغاني كبار المطربين المصريين مثل عبد الحليم حافظ وكوكب الشرق ومحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش وغيرهم، فكانت بمثابة البيت الذي يحتضن كل المواهب المصرية والعربية.
دعم المواهب
لعبت الإذاعة دورًا كبيرًا في دعم المواهب، مثل تشكيلها فرق التمثيل لاكتشاف المواهب الشبابية، كما قدّمت للدراما المصرية أشهر المسلسلات التي ما زالت تتردد حتى الآن، فكان صوت الفنان حسن فايق وضحكته الشهيرة من أوائل الأصوات التي التقطها المستمع من خلال مسلسله الإذاعي "حسن القرنفلي" مع الفنانة المصرية الراحلة عقيلة راتب.
قدمت الإذاعة المصرية ولا تزال آلاف المسلسلات والبرامج لكبار الفنانين، والتي تنوعت في قوالبها فمن منا ينسى صوت أبلة فضيلة وبابا شارو في برامج الأطفال وصوت فؤاد المهندس وبلاغة عباراته في برنامج "كلمتين وبس"، وعمر بطيشة في برنامجه الملهم "شاهد على العصر"، وآمال فهمي وحكاياتها في برنامج "على الناصية"، وغيرها الكثير والكثير تربت عليها الأجيال، لتبقى الإذاعة المصرية خالدة في الوجدان وشاهدة على الزمان.