الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

قمة العودة.. قراءة في مخرجات قمة جدة

  • مشاركة :
post-title
القمة العربية (32) في جدة

القاهرة الإخبارية - محمود جمال

انتهت أعمال اجتماع القادة العرب في القمة العربية العادية رقم (32)، في مدينة جدة السعودية أمس الجمعة 19 مايو 2023 والتي يُطلق عليها المحللون "قمة العودة" اتصالًا بعودة سوريا إلى الجامعة العربية بعد قطيعة دامت اثني عشر عامًا. وقد سبق انعقاد القمة الاجتماع التحضيري لوزراء الخارجية العرب، الذي كان بمثابة فرصة لتنسيق الجهود المشتركة، وتبادل وجهات النظر بين الدول العربية في مختلف القضايا التي سيناقشها القادة في اجتماع القمة.

نبرز في هذا التحليل حالة الزخم التي أحاطت بانعقاد القمة، وأبرز القضايا التي طُرحت فيها.

حالة من الزخم:

اكتسبت القمة حالة من الزخم السياسي سواءً على المستوى الإقليمي أو الدولي، ويعود ذلك بالأساس إلى حضور سوريا لاجتماعات مجلس الجامعة على مستوى القمة لأول مرة منذ 12 عامًا، وكذلك لحضور الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي وإلقائه كلمة في القمة، ورسالة الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جين بينج الموجهة للقادة العرب. وتشير حالة الزخم الحالية التي يبرزها تطلع دول العالم نحو بناء علاقات قوية مع الدول العربية إلى حالة الاستقرار، والدور المؤثر الذي يُمكن أن يلعبه العرب في رسم الخريطة العالمية مستقبلًا، خاصة في ظل تزايد الحديث عن الحاجة لنظام دولي متعدد الأقطاب.

(*) حضور الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي: يحرص الرئيس الأوكراني بشكلٍ مستمر على الحضور في الفعاليَّات الدولية المختلفة للتسويق لرؤيته في حل الأزمة الروسية الأوكرانية إثر النزاع الذي اندلع في 24 فبراير 2022. واستفاد زيلينسكي من خلال حضوره هذه القمة عبر تمكنّه من مخاطبة قادة الدول العربية بشكلٍ مباشر. وربط الرئيس الأوكراني في كلمته بين الأزمة الروسية الأوكرانية، وأزمة الغذاء العالمية التي تضرب العالم لا سيَّما الدول العربية التي تعتمد على أوكرانيا في هذا الملف.

(*) رسالة من بوتين: جاءت رسالة الرئيس الروسي الموجهة إلى قمة جدة، ردًا على مشاركة الرئيس الأوكراني في فعالياتها، وعمل بوتين من خلال رسالته التي نشر نصها الموقع الإلكتروني للكرملين، على إبراز القضايا المشتركة بين موسكو والعرب، وفي مقدمتها العمل على الانتقال إلى نظام دولي متعدد الأقطاب كما أشار الرئيس السوري، بشار الأسد، في كلمته بالقمة. وأبدى بوتين استعداد بلاده دعم الجهود السلمية لحل أزمات المنطقة خاصة الأزمة في السودان وسوريا واليمن وليبيا في ضوء الاحترام الثابت لسيادة الدول، إضافة إلى تأكيده على دعم موسكو تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، في إطار مبادرة السلام العربية وقرارات الأمم المتحدة في هذا الشأن.

مقعد سوريا في الجامعة العربية- أرشيفية

(*) عودة سوريا لشغل مقعدها: ارتبطت قمة جدة بقرار اجتماع وزراء الخارجية العرب بالقاهرة في 7 مايو الجاري برئاسة وزير الخارجية المصري، سامح شكري، والذي انتهى إلى عودة سوريا من جديد إلى الجسد العربي. وتُعتبر عودة سوريا إلى الجامعة العربية من القضايا المهمة التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالعلاقات البينية بين سوريا ومحيطها العربي. وجاءت هذه الخطوة تكليلًا للمحاولات العربية المستمرة لاستعادة دمشق لعضويتها في الجامعة، والتي كان آخرها ما جرى في قمة الجزائر.

وشدد البيان الختامي لقمة جدة على تجديد الالتزام بالحفاظ على سيادة سوريا، وبذل الجهود لتكون مشاركة سوريا في مجلس الجامعة خطوة أولى نحو إجراء الإصلاحات السياسية والاقتصادية اللازمة. واعتبر متابعون أن عودة دمشق من جديد للجامعة سيعزز من الاستقرار في المنطقة برمتها، لا سيَّما بعد تراجع مفهوم الأمن القومي العربي بعد 2011. 

وتجدر الإشارة إلى أن عودة سوريا إلى الجامعة جاءت بتوصيات تتعلق بضرورة اتخاذ دمشق خطوات فاعلة للتدرج نحو حل الأزمة السياسية في البلاد وفق مبدأ "خطوة مقابل خطوة"، وبما يتلاءم مع قرار مجلس الأمن رقم 2254 لحل الأزمة السورية، وقد كان لافتًا ترحيب الزعماء العرب في كلماتهم بعودة سوريا لشغل مقعدها من جديد في الجامعة.

قضايا مطروحة:

شهدت قمة جدة مناقشة العديد من القضايا المُلحة التي تهم الشارع العربي، وقد عبَّر البيان الختامي لها عن بعض هذه القضايا، وتناولت كلمات القادة البعض الآخر، ونوضح فيما يلي أبرزها:

(*) التوجه نحو عالم متعدد القطبية: طالب الرئيس السوري بضرورة تموضع العرب في هذا العالم مستفيدين من المصالحات العربية العربية التي سبقت انعقاد القمة. ودعا الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، الدول العربية إلى التمسك بالمصالح العربية، واعتبارها المعيار الأساسي لمواقفهم الدولية، وذلك لمواجهة ضغوط الاستقطاب التي تفرض نفسها على الساحة الدولية. وفي هذا السياق، يُمكن أن يكون للتوجه نحو عالم متعدد القطبية بعض الفوائد مثل تعزيز المنافسة الإيجابية بين الدول، وتشجيع التنوع والتعدد، وزيادة فرص التعاون الثقافي والتبادل التجاري بما يضمن تحقيق التنمية المستدامة.

(*) التوجه نحو تصفير مشكلات المنطقة: يتزامن انعقاد قمة جدة مع بروز اتجاه عام في المنطقة نحو تصفير المشكلات، وتجاوز الخلافات التي عصفت باستقرار المنطقة طوال العقد الماضي. ويأتي في مقدمة ذلك الاتفاق السعودي- الإيراني الذي رعته الصين، وكذلك نجاح الجهود المصرية التركية في تصفية خلافاتهما، واستعادة سوريا لعلاقاتها مع الدول العربية والتي انتهت باستعادتها لمقعدها في جامعة الدول العربية، وحضورها أعمال القمة لأول مرة منذ 12 عامًا. وينعكس هذا المؤشر على أعمال اجتماع اللجان الوزارية العربية التي تم تشكيلها للتعاطي مع التدخلات الإقليمية في المنطقة العربية لا سيَّما بعد تغيير أنقرة وطهران سلوكهما تجاه بعض القضايا العربية مؤخرًا.

(*) دعم مبدأ منع التدخل الخارجي: أعلت قمة جدة من مبدأ ضرورة منع التدخل في الشئون الداخلية للدول العربية، واعتبار ذلك من الأدوار التي يجب أن تقوم به الشعوب كما رأي الرئيس السوري. وتأكد هذا المبدأ في مناقشة الأوضاع السياسية في السودان وليبيا واليمن وسوريا. وطالب الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في كلمته أمام القمة، بالاستمرار في الخطوات التي اتخذتها الدول العربية لضبط إيقاع العلاقات مع الاطراف الإقليمية غير العربية بما يحقق الأمن والاستقرار في المنطقة.

جانب من اجتماع وزراء الخارجية العرب في جدة

(*) الأوضاع في السودان: مثَّلت قمة جدة فرصة لتحقيق توافق بين القادة العرب حول وضع حد للنزاع المسلح في السودان، والذي أدى إلى نزوح وتشريد الآلاف، وهدد استقرار الدولة السودانية ومؤسساتها الوطنية. ويأتي انعقاد قمة جدة تزامنًا مع الجهود التي تقودها القاهرة مع جنوب السودان لتبني وساطة (مصرية-جنوب سودانية) لحل الأزمة، وكذلك بالتزامن مع اجتماع الأطراف السودانية في مدينة جدة بوساطة سعودية-أمريكية لبناء الثقة بين الطرفين لحل الأزمة واستعادة الأمن والاستقرار. واعتبر وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، في كلمته باجتماع وزراء الخارجية التحضيري أن وقف الاقتتال وحقن الدماء وإطلاق عملية سياسية شاملة في السودان يُعد الشغل الشاغل لتجاوز التداعيات الأمنية والسياسية والإنسانية هناك، وذلك عبر العمل على بلورة مبادرة مشتركة لحل الأزمة. وأكد البيان الختامي للقمة على مبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية للسودان، واحترام سيادته وحفظ مؤسساته في معالجة الأزمة بما يفضي إلى تحقيق تطلعات الشعب السوداني نحو الاستقرار والتنمية. وفي هذا السياق، أشار الرئيس المصري، في كلمته بالقمة، إلى النتائج الكارثية التي يُمكن أن تطول المنطقة في حال استمرار الأزمة في السودان.

ملفات على أجندة قمة جدة

(*) مركزية القضية الفلسطينية: تأتي القضية الفلسطينية على رأس اهتمامات القمم العربية؛ حيث أكدت قمة جدة على مركزية القضية الفلسطينية. وتتركز مناقشة القضية الفلسطينية في هذه القمة على ضرورة استمرار دعم حقوق الشعب الفلسطيني بما في ذلك حق العودة وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على أساس حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وأهمية تفعيل مبادرة السلام العربية. 

وأبرزت قمة جدة حرص القادة العرب على التمسك بالسلام كخيار استراتيجي لإنهاء الصراع دون تجاهل جرائم الاحتلال؛ إذ حثّ البيان الختامي المحكمة الجنائية الدولية على ضرورة إنجاز التحقيق الجنائي في جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني. وحذر الرئيس المصري، في كلمته بالقمة، من خطورة استمرار الحلول الأمنية والعسكرية، وانعكاساتها السلبية على مستقبل الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي. ومن المُرجح أن ينعكس استعادة الدول العربية عافيتها واستقرارها بعد أحداث 2011 إيجابًا على القضية الفلسطينية.

وجاء اجتماع اللجنة الوزارية العربية مفتوحة العضوية لدعم دولة فلسطين، والتي تشكلت تنفيذًا لقرار قمة "لم الشمل" بالجزائر رقم 780 بتاريخ 2 نوفمبر 2022، وذلك للتحرك لمساندة جهود دولة فلسطين في نيل مزيد من الاعترافات والحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة. وتوصل اجتماع اللجنة إلى دعوة الدول العربية لتكثيف اتصالاتها وعلاقاتها الخارجية للحثّ على الاعتراف بدولة فلسطين، ودعمها في الحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، ودعم جهود الأمين العام للجامعة العربية للتواصل مع المنظمات الإقليمية (الاتحاد الأوروبي، والاتحاد الإفريقي، وحركة عدم الانحياز، ومجموعة البريكس، ورابطة الآسيان) لحث أعضائها التي لم تعترف بعد بفلسطين للاعتراف بها، ودعم الجهود العربية في حصولها على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.

(*) تجاوز الفراغ الدستوري في لبنان: حثّ مجلس الجامعة على مستوى القمة الأطراف اللبنانية على مواصلة جهودها لانتخاب رئيس جديد للبلاد، وتشكيل حكومة في أقرب وقت ممكن، حرصًا على انتظام عمل المؤسسات الدستورية اللبنانية بما ينعكس على الاقتصاد الذي يشهد أزمة هيكلية وتمويلية حادة، أدت إلى ارتفاع التضخم وانهيار سعر صرف الليرة اللبنانية في مقابل العملات الأجنبية.

(*) السد الإثيوبي: أكد البيان الختامي للقمة على أن الأمن المائي لمصر والسودان يُمثل قوام الأمن القومي العربي، ورفض البيان الختامي أي إجراءات تمسّ حقوق الدولتين في مياه النيل. وأبدى البيان قلقه الشديد حيال الإجراءات أحادية الجانب لملء وتشغيل السد الإثيوبي. ودعا البيان مجلس الأمن للاضطلاع بدوره في هذا الشأن لاتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان التوصل لتسوية سلمية لهذا الملف. وقد عبَّر ملك البحرين، في كلمته بالقمة، على ضرورة حماية الحقوق العربية، وفي مقدمتها حق مصر في مياه النيل.

(*) المساهمة العربية الفاعلة في قضايا المناخ: هنأ البيان الختامي للقمة، جمهورية مصر العربية، على نجاحها في تنظيم مؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ"COP 27" الذي استضافته مدينة شرم الشيخ في نوفمبر 2022. ورحب البيان باستضافة دولة الإمارات العربية المتحدة لـ"كوب 28"، وحث الدول العربية على التفاعل بإيجابية مع الحدث. ويأتي الاهتمام العربي بقضايا المناخ متسقًا مع الجهود الدولية في مكافحة آثاره السلبية لا سيَّما أن المنطقة العربية تعاني من انعدام الأمن الغذائي نتيجة لعوامل التصحر والجفاف.

(*) دعم العمل العربي المشترك: يُعد دعم العمل العربي المشترك من أبرز الأهداف التي تسعى اجتماعات القمم العربية على تأكيدها، وذلك اعتمادًا على ما يجمع هذه الدول من مشتركات سياسية وثقافية واجتماعية واقتصادية. ويهدف العمل العربي المشترك إلى تعزيز التعاون بين الدول العربية، وتحقيق الاستقرار والتنمية الشاملة. وقد ارتكزت توصيات الاجتماع الوزاري لقمة جدة على ضرورة تفعيل العمل العربي المشترك لتحقيق رفعة الشعوب العربية وتقدمها. ودعا وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان إلى التكاتف العربي وتعزيز العمل العربي المشترك، لمواجهة التحديات الكبيرة التي تُحيط بالمنطقة.

(*) مكافحة الإرهاب: اعتبر الرئيس المصري، أن الحفاظ على قوام الدولة الوطنية بات ضرورة وفرض عين للحفاظ على مُقدرَّات الدولة العربية. وأكد مجلس الجامعة على مستوى القمة على إدانة جميع أشكال الإرهاب، واعتبر أن التصدي له حق أصيل من حقوق الإنسان، لما له من انعكاسات مُدمِرة على قدرة المواطنين على التمتع بحقوقهم السياسية والاقتصادية.

في النهاية: على الرغم من انعقاد القمة العربية الـ32 في جدة في ظل ظروف سياسية واقتصادية وأمنية مُعقدة إلا إن عودة سوريا من جديد للمشاركة في أنشطة الجامعة يُمثل بارقة أمل نحو استعادة العرب لزمام المبادرة والمبادأة لحل قضاياهم بأنفسهم بعيدًا عن سياسة التوازنات التي ينتهجها العالم.