الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

تداعيات الاشتباكات بين الجيش وميليشيا الدعم السريع على الاقتصاد السوداني

  • مشاركة :
post-title
آثار الاشتباكات في سماء الخرطوم

القاهرة الإخبارية - رضوى محمد

بعد 12 يومًا من الاشتباكات الدامية بين الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان وميليشيا الدعم السريع، تعرض الاقتصاد السوداني لصدمة كبيرة أدت إلى تراجع مستوى أدائه عن الفترة التي سبقت اندلاع المواجهات، بدرجة أصبحت مُهددة لاستمرار قيام المرافق الحيوية بدورها، المُتمثلة في خدمة السكان المقيمين، بالإضافة إلى ارتفاع سريع في الأسعار والخدمات، نتيجة خروج بعض مصادر الإنتاج والدخل عن الخدمة.

يُذكر أن حجم الإيرادات العامة في السودان، بلغ عام 2022 ما يقرب من 2.9 مليار دولار، وهو ما يمثل 9.7% من الناتج المحلي الإجمالي للدولة، الذي بلغ 30.5 مليار دولار بنمو 0.6% بنهاية 2021، ووفقًا لوزارة التجارة والصناعة السودانية، فقد بلغ إجمالي الصادرات 4.3 مليار دولار في 2022، بينما كانت جملة الواردات 11 مليار دولار بعجز كبير في الميزان التجاري بلغ 6.7 مليار دولار، وأرجع الخبراء سبب الخلل في إيرادات الدولة السودانية خلال العامين الأخيرين، في تصفير معدل المنح الأجنبية في الإيرادات المحلية، إذ بلغت "صفر" خلال عام 2022 بدلًا من 4.3 مليار دولار، تُمثل دخلًا محتملًا كان يمكن الاستفادة منه في حال استمرار التدفقات والمنح والمساعدات الدولية، التي توقفت، بالإضافة إلى إيقاف أنشطة البنك الدولي ومشروعاته وتجميد اتفاقية إعفاء الديون من مجموعة نادي باريس.

في هذا السياق، يحاول هذا التحليل قياس حدود تأثير الأزمة في السودان على المؤشرات الاقتصادية المختلفة للدولة، بالإضافة إلى توضيح مستوى الخدمات التي تُقدم للشعب السوداني ووضعها بعد الأزمة.

تأثير الأزمة على المؤشرات الاقتصادية:

ثمة مؤشرات يمكن قراءة أرقامها ودلالاتها لمعرفة حدود تأثير الأزمة السودانية على أداء الاقتصاد الداخلي، يمكن عرضها على النحو التالي:

(*) ارتفاع غير مسبوق في معدلات التضخم: نلاحظ من الشكل رقم (1) أن معدلات التضخم الشهرية في السودان بدأت في الانخفاض بنهاية عام 2022، إذ وصل إلى 0.43% بالمقارنة بـ4.17 % في أبريل 2022، لكنه بدأ في الارتفاع مرة أخرى خلال الأشهر الأولى من عام 2023، فقد ارتفع إلى 1.75 % في فبراير 2023.

ونتيجة للاشتباكات تلاشت التوقعات المتفائلة بتراجع معدلات التضخم في الشهور القادمة من عام 2023، فقد كان معدل التضخم السنوي في فبراير 63.3 %، بينما أشارت التوقعات إلي أن مستوي التضخم السنوي سينخفض إلي 25 % بنهاية عام 2023، إلا أن الحرب حطمت تلك التوقعات التي كانت تشير إلى تحسن مؤشر التضخم في البلاد وزيادة التوقعات بحدوث تضخم جامح نتيجة الحرب، ونتيجة لذلك دخلت الأسواق السودانية في حالة انكماش تجبت في ركود السلع وانخفاض المشتريات، نظرًا لموجة الغلاء التي اجتاحت البلاد.

الشكل رقم (1) يوضح معدلات التضخم الشهرية خلال عام 2022 - المصدر: tradingeconomics.com

(*) تراجع معدلات النمو: عانى الاقتصاد السوداني من ضعف كبير في مؤشر معدل النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي، خلال السنوات من 2018 إلى 2020، إذ تلاحظ حدوث نمو بالسالب خلال هذه الفترة، ما يدل على أن الاقتصاد السوداني كان يعاني من ضعف في العملية الإنتاجية بشكل كبير، وقد بدأ معدل النمو يتعافى خلال عام 2021، إذ سجل 0.5 %، لكن اتجهت التوقعات إلى أنه سينخفض بشدة مرة أخرى جراء المعارك الدائرة في البلاد، فقد توقع صندوق النقد الدولي أن يسجل السودان نموًا بنحو 1.2% في عام 2023، بعد انكماش 2.5% خلال عام 2022، إلا إن هذه التوقعات أضحت غير واقعية مع اندلاع الاشتباكات، وهو ما قد ينعكس على تدهور الوضع الاقتصادي خلال الفترة المقبلة.

الشكل رقم (2) يوضح معدل النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات 2013 إلى 2021-المصدر: tradingeconomics.com

(*) ارتفاع كبير في عجز الموازنة: سيترتب على الحرب الدائرة في السودان، ارتفاع في عجز الموازنة وعجز الميزان التجاري، فوفقًا للمراقبين، تتوقف المشروعات الإنتاجية ويتوقف التمويل بعد الأزمة، كما تتراجع الإيرادات وتنكمش القاعدة الضريبية وتزداد معدلات الاستدانة وطباعة النقود على المكشوف لمقابلة الإنفاق، ونتيجة للقتال ستستغل هذه النقود في إعادة الأعمار وسداد فواتير التأمين على المنشآت بدلًا من استغلالها في توسيع القاعدة الإنتاجية لتنعكس على تحسن المؤشرات الاقتصادية داخل الدولة، وبالتالي قد يترتب على استمرار الاشتباكات في السودان، تراجع الصادرات ورفع كلفة الإنتاج، مقابل زيادة الواردات لسد النقص في المستهلكات الدوائية والغذائية وتنامي الطلب على السلع الرأسمالية وسلع وخدمات الإنشاءات، ما يفاقم من عجز الميزان التجاري وعجز الموازنة، بالإضافة إلى أن السودان عانى من عجز شديد في الميزان التجاري خلال عام 2022، فقد أعلن البنك المركزي، بلوغ العجز التجاري 6.7 مليار دولار، مُسجلًا بذلك أعلى عجز خلال الـ10 سنوات الأخيرة، وهذا ما يوضحه الشكل رقم (3)، فقد بلغ مجموع واردات البلاد 11 مليار و94 مليون و849 ألف دولار، بينما بلغ مجموع الصادرات 4 مليارات و357 مليون و418 ألف دولار، ما يعني أن الأزمة ستفاقم من العجز في الميزان التجاري نتيجة وقف حركة الطيران وبذلك وقف الصادرات للعديد من الدول.

الشكل رقم (3) يوضح عجز الميزان التجاري خلال 2014، 2021، 2022-المصدر: البنك المركزي السوداني

(*) نقص واضح في موارد النقد الأجنبي بسبب تهديد مصادره: في حال استمرار الحرب الدائرة، سيتأثر الذهب بشكل كبير سلبيًا، لعدم توافر الأجواء الأمنية المطلوبة لاستخراجه ونقله وتصديره، وعليه قد يصبح السودان في أزمة نقص لموارد النقد الأجنبي، إذ يشكّل الذهب السلعة الأكثر أهمية في هيكل الصادرات السلعية السودانية، بقيمة 2.06 مليار دولار، وبنسبة تصل 49% من إجمالي قيمة الصادرات السلعية للبلاد، فإن تداعيات الحرب السلبية على هذا المورد المهم ستعرض السودان لخسارة كبيرة في إيراداته وتفاقم في معدلات العجز في الميزان التجاري وعجز الموازنة.

مستوى الخدمات:

(&) أزمة في الخدمات الطبية: تأثرت الخدمة الصحية سلبيًا نتيجة الحرب، وأصبح الحصول على الرعاية الصحية صعبًا للغاية، فهناك مرفق واحد من كل أربعة مرافق يعمل بكامل طاقته، ووصلت نسبة إغلاق المرافق الصحية إلى 32%، بينما 43% من المرافق يعمل بشكل جزئي، بالإضافة إلى نقص الإمدادات الطبية والدم، فقد لا يزال الوضع الصحي في السودان مزريًا، فمن المحتمل أن لا يتمكن السودان من الاحتفاظ بالأدوية والمستلزمات الطبية بسبب الأزمة الاقتصادية، ونسبة إلى دراسة استقصائية لتقييم توافر الأدوية في عام 2022، فقد كان 31 % فقط من الأدوية المهمة متوفرة في المرافق العامة و30% في القطاع الخاص، وازداد الوضع سوءًا بعد اندلاع القتال، كما أن نقص الكهرباء والمياه يعرض المرضى للعديد من المخاطر، وهناك أكثر من 50000 طفل يعانون من نقص التغذية الحاد بسبب نقص الدعم الغذائي بسبب القتال، وارتفعت تكلفة النقل بشكل كبير خاصة للسفر من الخرطوم باتجاه الحدود المصرية، والذي ساعد على تفاقم الأزمة الإنسانية.

(&) تراجع كبير في أداء البرامج الاجتماعية: زادت الاحتياجات الإنسانية بشكل كبير في جميع أنحاء السودان بعد حكومة "حمدوك"، خاصة فيما يتعلق بالخدمات المقدمة للأشخاص الضعفاء والمجتمعات المتضررة، التي تهدف إلى تعزيز قدرتهم على الصمود، لذلك فإن استمرار تأثير الصراع والكوارث الطبيعية وتفشي الأمراض والتدهور الاقتصادي على السودان، بل من المحتمل زيادة الاحتياجات الإنسانية بشكل كبير، إذ سيحتاج نحو 15.8 مليون شخص - ما يقرب من ثلث السكان - إلى مساعدات إنسانية في عام 2023. وهذه الزيادة البالغة 1.5 مليون شخص مقارنة بعام 2022 هي الأعلى منذ عام 2011، وهذه المساعدات ستحمل الاقتصاد السوداني فوق طاقته لحماية الوضع الإنساني من الانهيار.

(&) ضعف إمدادات المياه: يعاني الشعب السوداني من نقص شديد في الوصول للمياه، إذ تشير بعض التقديرات إلى أن 25.3 % من الأسر في السودان يعانون من نقص حاد في المياه المتوقفة منذ الأزمة، بينما تشير أخرى إلى أن 28.4 % من السكان تصلهم كميات غير كافية من المياه لتلبية احتياجاتهم الأساسية، بالإضافة إلى أن الأمر يستغرق 50 دقيقة للوصول إلى المياه، ما يعرضهم لمخاطر أمنية خاصة النساء والأطفال، كما أن 46% من المدارس لا تحصل على خدمات مياه الشرب الكافية، وهو ما يعني أن أزمة مياه الشرب وصلت إلى أقصى درجاتها منذ اندلاع الحرب.

ختامًا، يتضح مما سبق مدى تأثر الاقتصاد السوداني من جراء المعارك الدائرة داخل الدولة، فقد ساءت المؤشرات الاقتصادية بشكل كبير وتراجعت التوقعات المتفائلة بشأن المؤشرات الاقتصادية، كما تسبب القتال في ضعف مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين بشكل يفوق الوضع الذي كان عليه من قبل، فلذلك لا بد من تكاتف الدول العربية والمجتمع الدولي للوصول إلى حل لوقف القتال في السودان وتقديم التمويل اللازم لها لإعادة بنائها اقتصاديًا واجتماعيًا.