خلال يومي الـخامس والسادس من أبريل الجاري، اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي الجامع القبلي "جزء من المسجد الأقصى ويقع جنوبه" لفض المعتكفين داخله، واعتقلت نحو 350 من المصلين بدعوى قيامهم بأعمال شغب، في استمرار لسياسة تهويد الحرم القدسي تحت ستار حرية العبادة في الأراضي المقدسة لأصحاب الديانات الثلاث، واستخدمت شرطة الاحتلال الإسرائيلي للعنف المفرط بحق المصلين بالمسجد القبلي، وهو ما قوبل بإدانات عربية ودولية واسعة وسط مخاوف من تطور المواجهات، في ظل الأزمة السياسية بإسرائيل وعودة المجتمع العربي في الداخل للتفاعل مع تطورات المشهد في الحرم القدسي.
وفي ظل اقتحام مجموعة من المستوطنين لساحات المسجد الأقصى، تزامنًا مع حلول عيد الفصح اليهودي، الذي بدأ يوم الأربعاء ويستمر لمدة أسبوع، كذلك اقتحام قوات الاحتلال الجامع القبلي، يبقى السؤال؛ ما احتمالات التصعيد بعد اقتحام الأقصى؟
أبعاد التصعيد:
على الرغم من تكرار مشهد الاقتحامات في ذات التوقيت منذ 2014، إلا أن دخول قوات الاحتلال إلى المسجد الأقصى، خلال العام الجاري، يتزامن مع صعود رموز متطرفة كانت تقود تحركات المستوطنين إلى قمة هرم السلطة في إسرائيلي، وهو ما انعكس في التطورات التالية:
(*) تهويد الأقصى: تواصلت عمليات سلطات الاحتلال في إفراغ المصلى القبلي بمجمع المسجد الأقصى من المصلين والمعتكفين، منذ فجر الأربعاء 5 أبريل 2023، باستخدام الرصاص المطاطي وقنابل الصوت والغاز وفرضت قيودًا على دخول الشبان الفلسطينيين، فيما سمحت لعشرات المستوطنين ضمن ما يعرف بمنظمات "الهيكل" المزعوم باقتحام باحات المسجد لأداء طقوس تلمودية في القسم الشرقي من المجمع عند أبواب "حطة" و"السلسلة" و"الملك فيصل"، حسب وكالة صفا الفلسطينية.
ولليوم الثاني جاءت اقتحامات مجموعات من المستوطنين، صباح الخميس، من باب المغاربة تحت حراسة مشددة لقوات الاحتلال، في إطار احتفالات اليهود بعيد الفصح الذي يستمر حتى الأربعاء المقبل. في تكرار لمشهد الاقتحامات والتي تسببت في تصاعد التوتر بالقدس المحتلة وعموم الأراضي الفلسطينية، خلال العامين الماضيين، التي أشعلت المواجهات بين الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة وجيش الاحتلال ضمن ما عرف بمعركة "سيف القدس" فلسطينيًا و"حارس الأسوار" إسرائيليًا في مايو 2021.
وتكمن خطورة الاقتحامات في تكريس خطط منظمات "جبل الهيكل"، التي تتألف من 64 منظمة وحركة وتيار ومن بينها تيار الصهيونية الدينية الممثل في حكومة بنيامين نتنياهو، لتقسيم الحرم القدسي بين المسلمين واليهود، خاصة مع تخطيط تلك المجموعات المتطرفة لممارسة طقوس ذبح القرابين في باحات الحرم القدسي ضمن جهودها لإحياء الهيكل المزعوم.
(*) مظاهرات في الضفة الغربية والداخل: تصاعد الغضب، مساء الأربعاء، في الضفة الغربية المحتلة، إذ اندلعت مواجهات في بيت لحم والخليل، كما قمعت السلطات الإسرائيلية مظاهرات محدودة لعرب الداخل في حيفا وأم الفحم ويافة الناصرة وسخنين.
(*) تصعيد في غزة: فيما توعدت الفصائل الفلسطينية بالرد على محاولات فرض واقع جديد في الحرم القدسي الشريف، انطلقت من القطاع هجمات صاروخية محدودة باتجاه مستوطنات غلاف غزة وأخرى من صواريخ أرض-جو استهدفت طائرات حربية حسب تايمز أوف إسرائيل، أعقبته أعمال قصف جوي وبحري للاحتلال على مواقع في وسط القطاع.
محددات التصعيد:
من المحتمل أن تمتد أزمة الاقتحامات خلال الأيام المقبلة على ضوء تزامن عيد الفصح اليهودي، مع أجواء اعتكاف المصلين في المسجد الأقصى المبارك، سعيًا لتقويض التقسيم الزماني والمكاني للحرم الشريف إلى مكان للعبادة بين المسلمين واليهود، خلال المناسبات الدينية المختلفة في ضوء مزاعم حماية حرية العبادة وحرية وصول أتباع الديانات الثلاث إلى الأماكن المقدسة في مخالفة لقرارات الشرعية الدولية والالتزام الإسرائيلي المزعوم بالحفاظ على الوضع الراهن في القدس. ويمكن النظر في احتمالات التصعيد وفق المحددات التالية:
(#) المحدد الأول، الموقف الإسرائيلي: يظهر تصعيد إسرائيلي متدرج في الأزمة الراهنة بقيادة متطرفة على رأس أجهزة الأمن تؤمن بطقوس إحياء الهيكل المزعوم وتسعى لتحقيق نصر معنوي لأنصارها على وقع الأزمة السياسية في إسرائيل، التي فرضت موائمات لتأجيل تمرير التعديل القضائي. وثمة تفاهم مرحلي بين أطراف الائتلاف الحاكم على عدم اتخاذ خطوات إضافية في الوقت الراهن قد تسهم في تفجر الأوضاع وتتمثل في الإقدام على ذبح القرابين داخل الحرم القدسي، إذ صرح وزير الأمن القومي إيتمار بن جفير، 2 أبريل 2023، بوجوب زيارة اليهود للحرم القدسي دون تقديم قرابين في الوقت الراهن، حسب وسائل إعلام إسرائيلية.
واستراتيجيًا، من غير المتصور أن تقدم السلطات الإسرائيلية على فتح جبهة القدس مجددًا أمام صراع مفتوح دون تصفية مسبقة للتهديدات المحتملة من قبل إيران أو قطاع غزة، خاصة في ظل بروز فصائل وكيانات فلسطينية شبابية غير مؤدلجة ولا تتبع الفصائل التقليدية، وهو ما يوفر الإجماع اللازم بين كل فئات العمل الوطني الفلسطيني.
(#) المحدد الثاني، الموقف الفلسطيني: رافقت اللحظات الأولى لتصعيد قوات الاحتلال بحق المصلين، جهود مكثفة من الأطراف الراعية لمسار العقبة وهم مصر والأردن والولايات المتحدة بغية الحفاظ على الهدوء، ظهرت في لجوء السلطة الوطنية الفلسطينية إلى تعزيز الضغوط الدبلوماسية على قادة الحكومة الإسرائيلية والرد المحدود من قطاع غزة والذي يكشف ترقب الفصائل لتطورات المشهد في القدس.
(#) المحدد الثالث، الموقف الدولي: فضلًا عن الأزمات المركبة المحيطة بالحرب الروسية الأوكرانية، يدرك المجتمع الدولي خطورة الإجراءات الإسرائيلية في القدس المحتلة وتأثيرها على مسار حل الدولتين، بالتوازي مع تصاعد القلق الغربي من الانقسامات الداخلية في إسرائيل بين اليهود والعرب وبين معسكر اليمين المتطرف المشارك في الحكم وباقي أطياف المعارضة، وارتدادات تلك الانقسامات على المؤسسات الأمنية.
وفي وقت تسعى فيه لتحذير حلفائها الدوليين من تطور البرنامج النووي الإيراني، تواجه السلطات الإسرائيلية شبح تراجع تأثيرها لدى مراكز صنع القرار في الولايات المتحدة وأوروبا، ومن ثم تراجع دعمها وتأييدها في المحافل الدولية على وقع صعود اليمين المتطرف وانسلاخها المحتمل من ثوب الديمقراطيات الغربية الراسخة.
وإجمالًا؛ يمثل تأهب الأطراف الراعية لمسار التهدئة حاجزًا أمام تطور الموقف في الأراضي الفلسطينية والحرم القدسي الشريف، يتوقف اللجوء إلى تلك الخطوة التصعيدية ليس فقط على مسار التأزم السياسي الداخلي وإنما بإحكام سيطرة تيار الصهيونية الدينية على المؤسسات الأمنية وتنفيذ خطط بن جفير في تولي قيادة الحرس الوطني والسماح للإسرئيليين في المدن المختلطة بحمل الأسلحة الشخصية وتوسيع الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة، ومن المحتمل أن يثير ذلك ردات فعل عنيفة في عموم الأراضي الفلسطينية.