تحل اليوم الذكرى العشرين للغزو الأنجلو- أمريكي للعراق، تلك الحرب الكارثية التي اندلعت، بحجة امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل، وظهر بعدها أنها لم تكن موجودة من الأساس.
وهو ما كشفه الحاكم المدني الأمريكي سابقًا للعراق، بول بريمر، اليوم الإثنين، بعد 20 عاما من الغزو، إذ قال إن "مجمع الاستخبارات الأمريكية أخطأ بوجود أسلحة دمار شامل في العراق بعد غزوه في 2003، وتم الاعتراف بالخطيئة".
دشن هذا الغزو مرحلة من العنف في تاريخ البلاد، من اقتتال طائفي وصولًا إلى هيمنة تنظيم داعش الإرهابي، أُنهكت البنية التحتية للبلاد ووضعت العديد من العراقيين في معاناة قاسية.
بداية الغزو
في مثل هذا اليوم من عام 2003، بدأ الغزو الأمريكي للعراق لإزاحة نظام صدام حسين عن الحكم. في فجر ذلك اليوم أمطرت الطائرات والسفن الحربية الأمريكية العاصمة بغداد بالقنابل والصواريخ، إيذانًا منها ببداية حملة عسكرية سماها الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش يومها "عملية حرية العراق".
بدأ الغزو جوًا بحملة قصف "الصدمة والرعب" في 19 مارس 2003، وانتقلت القوات البرية إلى العراق في اليوم التالي، 20 مارس. وفي أوائل أبريل، تم احتلال بغداد رسميًا.
وفي الأول من مايو 2003، أقام الرئيس الأمريكي جورج بوش عرضًا مسرحيًا على حاملة طائرات، معلنا عن "إنجاز المهمة"، حيث أنهى فترة الغزو، وبدأ فترة الاحتلال العسكري.
وبعد ذلك تم تأسيس سلطة التحالف المؤقتة، كأول حكومة انتقالية من بين عدة حكومات متتالية، أدت إلى أول انتخابات برلمانية عراقية في يناير 2005. وبقيت القوات العسكرية الأمريكية بعد ذلك في العراق حتى الانسحاب في عام 2011.
ومنذ عام 2003 وحتى عام 2011، تاريخ انسحاب القوات الأمريكية من العراق، لقى أكثر من 100 ألف مدني عراقي حتفهم، وفق منظمة "ضحايا حرب العراق". ويوجد اليوم 1.2 مليون نازح في العراق، معظمهم في المخيمات. في المقابل، فقدت الولايات المتحدة قرابة 4500 من جنودها في العراق.
كلفت "عملية حرية العراق" خلال سنوات الغزو وما بعدها أكثر من تريليوني دولار أمريكي. وسجلت هذه الفترة فضائح كثيرة منها القتل بدم بارد لمواطنين عراقيين على يد جنود بريطانيين وعمليات تعذيب وإهانة لسجناء عراقيين في سجن أبو غريب على يد جنود أمريكيين.
ما بعد الغزو
وهيمنت النزاعات الدامية والفساد وعدم الاستقرار على العراق على مدى السنوات التي أعقبت الغزو الأمريكي. في 22 فبراير 2006، وقع هجوم على مرقد شيعي في سامراء (شمالي بغداد) اندلعت بعده حرب طائفية، تخللتها أعمال عنف غير مسبوقة استمرت حتى عام 2008.
وكانت سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على نحو ثلث مساحة العراق في صيف عام 2014 وحتى أواخر عام 2017 صدمة كبيرة للنسيج الاجتماعي في البلاد، أسفرت عن تغيير عميق في المجتمع العراقي، الذي يميزه تنوع عرقي ومذهبي فريد.
وبنهاية عام 2019، كانت مظاهر الفساد قد استشرت في مفاصل الدولة وانتشر الفقر بين فئات واسعة من السكان، وارتفع معدله من 20٪ عام 2018 إلى أكثر من 30٪ عام 2020. وأضحى 12 مليون عراقي من أصل 42 مليونًا يعيشون تحت خط الفقر، فيما بلغ معدل البطالة في فئة الشباب 25٪ في بلد تقل أعمار 60٪ من سكانه عن 25 عامًا.
وشهدت العاصمة بغداد ومدن أخرى في أكتوبر عام 2019 احتجاجات غير مسبوقة نددت بالفساد وسوء الإدارة والتدخل الايراني في شؤون البلاد.
نظرة تشاؤمية
وبعد 20 عامًا، أصبح العراقيون يملكون هامشًا من الحرية والحق في إجراء انتخابات ديمقراطية، فيما بدأت البلاد تفتح أبوابها تدريجيًا أمام العالم.
لكن وسط هذا الاستقرار النسبي، يخيم شبح نقص الخدمات والفساد الذي يدفع العراقيين إلى النظر إلى المستقبل بتشاؤم، فيما يلوح في الوقت نفسه في الأفق خطر التغير المناخي ونقص المياه والتصحر.
وتوقف رئيس الوزراء العراقى محمد شياع السوداني، خلال مؤتمر للحوار في بغداد تحت عنوان: "العراق عشرون عامًا... وماذا بعد؟" أمس الأحد، عند "الذكرى العشرين لسقوط النظام الدكتاتوري"، قائلًا "نستذكر آلامَ شعبِنا ومعاناتهِ في تلك السنين التي سادتها الحروبُ العبثيةُ والتخريبُ الممنهج".
وأقر "السوداني"، خلال كلمته بوجود استياء من سوء الإدارة وهدر الأموال بالتنامي، وقال: "شهدنا الكثير من علامات السخط إزاء عدم قدرة مؤسسات الدولة على الإصلاح والقيام بواجباتها". وتعهد السوداني بمواصلة مكافحة جائحة الفساد.