أسئلة كثيرة تدور في الأذهان لفهم أي ظاهرة استثنائية خصوصًا إذا كانت نادرة الحدوث، وتهم قطاعًا كبيرًا وممتدًا من الجمهور، الأمر الذي ينطبق على النجم المصري عادل إمام، الظاهرة التي لا تحدث كثيرًا، ليس في مصر فقط أو العالم العربي بل على مستوى العالم، حيث لا توجد نماذج لممثلين نجحوا في التربع على عرش النجومية 60 عامًا كبطل بارز، وأن يخلق لنفسه مزيجًا خاصًا لدمجه بين الكوميديا والرومانسية، والأدوار الجادة، وأعمال وطنية، وأخرى تعبر عن واقع المجتمع وأحلامه.
يحتفظ الزعيم عادل إمام بمكانة كبيرة لدى قلوب محبيه في الوطن العربي، تقديرًا لمسيرته الفنية الكبيرة، خصوصًا أنه رسم خلالها الضحكة على وجوه الملايين، حتى أعماله الجادة التي ناقش فيها قضايا حياتية مهمة لم تخل من بعض المناوشات بأداء استثنائي، تجعل استيعاب مضمون العمل الفني يسيرًا على المشاهد.
مسيرة عادل إمام في السينما تتزين بأعمال كثيرة، منها "البحث عن فضيحة"، "الحريف"، "النمر والأنثى"، "حنفي الأبهة"، "المولد"، "جزيرة الشيطان"، "طيور الظلام"، "الإرهابي"، "الإرهاب والكباب"، "المنسي"، "اللعب مع الكبار"، أما في الدراما التليفزيونية فقد تميز في أعمال منها "أحلام الفتى الطائر"، "دموع في عيون وقحة"، "فرقة ناجي عطا الله"، "أستاذ ورئيس قسم"، فيما نال من مسرحيته "الزعيم" لقبه الشهير، وشهدت خشبة المسرح تألقه في عروض منها "مدرسة المشاغبين"، "الواد سيد الشغال"، و"بودي جارد".
فن إدارة الموهبة
حول ظاهرة عادل إمام وتفوقه على مدار عقود عدة، قال الناقد عصام زكريا، إن "الزعيم" استطاع أن يتربع على عرش النجومية 60 عامًا، لتمتعه بحضور وجاذبية خاصة، وأيضًا الذكاء والقدرة على إدارة الموهبة، واصفًا ذلك الأمر بأنه ضروري، ولا يقل في أهميته عن وجود الطاقة الفنية نفسها، بل من الممكن أن تعوض ضعفها أحيانًا.
وأشار "زكريا" إلى أن هذا الذكاء يميز فنانًا عن الآخر، فهناك نماذج كثيرة موجودة على الساحة الفنية لديها موهبة، لكنها تفتقر إلى الذكاء وفن إدارة الذات، مؤكدًا أن الزعيم يتمتع بإمكانيات فنية كبيرة جعلت لديه قبولًا في السينما والمسرح والتليفزيون، ومن النادر أن نجد فنانًا يجتمع على هذه المنافذ وينجح فيها، على سبيل المثال، هناك فنانون لديهم حضور في السينما، لكن لا يتوفر لهم الأمر نفسه على خشبة المسرح أو الدراما التليفزيونية.
في مشوار عادل إمام العديد من المحطات الفنية البارزة، ونقاط تحول ميّزت مسيرته، ويرى "زكريا" أن الزعيم امتلك القدرة على تطوير موهبته ومواكبة المستجدات، وعندما يجد نفسه في أدوار متكررة، يسارع إلى البحث عن حلول وأفكار جديدة لشخوصه التي يجسدها، ولا يحب أن يتمركز حول أدوار معينة، بل يبحث دائمًا عن تقديم نفسه بشكل مختلف مع مخرجين جدد.
بحث عادل إمام الدائم عن الجديد لا يتوقف فقط عند الفكرة التي يقدمها أو مخرجين ومؤلفين مغايرين، لكن أيضًا في الاستعانة بنجوم شباب أو كبار ليشاركوه البطولة، بحسب "زكريا"، وعن ذلك قال: رغم إنه النجم الأوحد، لكنه يلجأ إلى فنانين يشاركونه في أعماله سواء بارعين في الكوميديا أو لديهم مهارات تمثيل خاصة، لذلك هو لديه القدرة على الاستفادة من الممثلين الموجودين معه، فهناك فنانون كوميديا كبار يحبون أن يكونوا محور العمل ويستأثرون به، ولا يفضلون وجود أي ممثل آخر معهم، على النقيض من عادل إمام.
تأثير عادل إمام في الفن العربي يظهر واضحًا من خلال أن الكوميديا قبله تختلف عما بعده، بحسب عصام زكريا، موضحًا أنه استطاع أن يجمع بين شخصية الكوميديان وشخصية الفتى الأول والحركة "الأكشن" أيضًا، وهو ما لم يكن موجودًا من قبل، ويتمتع بكل الإمكانيات التي تؤهله للنجاح في الأدوار وأيضًا الاستمرار كل تلك السنوات.
تجارب مهمة مع وحيد حامد
الاختيارات شديدة الذكاء سبب أكده الناقد رامي عبد الرازق، في تحليله لظاهرة عادل إمام، قائلًا إنه اكتسب خبرات من خلال ظهوره في أعمال بطولة مشتركة مع فنانين كبار، بالإضافة إلى اختياراته شديدة الذكاء، وهو ما يدل على أنه فنان أحب التنوع في أدواره والشخصيات التي يقدمها، واستطاع أيضًا أن يجمع بين الأدوار الجادة والشريرة والكوميدية، مركزًا على تحقيق التوازن والتنوع والذكاء في الاختيارات، يرافقها رغبة الدخول في مساحات وأداء شخصيات مختلفة عن النمط السائد، مما صعد بأسهم نجوميته إلى مكانة لا يصل إليها الكثير.
وركز "عبد الرازق" على مرحلة في مشوار عادل إمام وصفها بالأهم والأبرز والأكثر بريقًا، وهي التي تعاون فيها مع الكاتب وحيد حامد، قائلًا: يعد وحيد حامد الكاتب الأبرز في مشوار الزعيم، وصاحب التأثير الكبير في مسيرته الفنية، وستظل تجارب التعاون الكثيرة بينهما محل دراسة، لكن للأسف معظم الجمهور يختصر هذا المشوار في بعض الأعمال التي تجمعه مع شريف عرفة ووحيد حامد، ولكن أرى أنه توجد عدة أفلام مثل "الهلفوت"، و"الإنسان يعيش مرة واحدة"، تستحق التوقف أمامها بشكل كبير، إذ تعرضت للظلم وسط تلك التجارب الأشهر المذكورة سابقًا.
تناول القضايا العربية
الاختيارات الفنية الذكية في مسيرة عادل إمام، تتضح من خلال حرصه على التنقل بين شخصيات وأعمال فنية مختلفة، حتى أنه اختار توقيت عودته للظهور على شاشة الدراما الرمضانية بعناية شديدة، ورفقة نجوم شباب أيضًا عام 2012 بمسلسل "فرقة ناجي عطالله"، الذي شاركه بطولته نجله محمد إمام وأحمد صلاح السعدني ونضال الشافعي وغيرهم من شباب الفنانين.
وأكد الناقد أندرو محسن، أن الزعيم تميز بذكاء فني جعله يتربع على عرش النجومية كل تلك السنوات، قائلًا: "العديد من المواهب ليس لديها الذكاء الكافي لإدارة نفسها، وسريعًا ما تختفي عن الساحة الفنية، لكن الزعيم جمع بين الذكاء والموهبة، ومنذ وقت صعوده على عرش النجومية استخدم ذكائه ولم يحصر نفسه في تيمة الشاب الكوميديان فقط، مفضلًا التنوع بشخوص في أعمال فنية مختلفة، أيضًا كان يقرأ عقل جمهوره ويتأقلم مع التغيرات التي كانت تحدث في السينما".
وأضاف: "شعبية الزعيم انتشرت في الوطن العربي، بذهابه لعرض مسرحياته بالبلاد العربية مما قوى علاقته بالجمهور، وأيضًا مشاركته في أعمال فنية في فترة التسعينيات من القرن الماضي تناول من خلالها قضية مهمة وهي التطرف والإرهاب التي كانت تؤثر على الوطن العربي، مما جعل شعبيته تزداد اتساعًا".
طاقة تمثيلية
عادل إمام ظاهرة استثنائية في الفن المصري، تنقل بين السينما والتليفزيون والمسرح محتفظًا بمكانته كنجم بارز، ليتفق عليه الجمهور في جميع أدواره، لنرى نجاحًا كبيرًا في أعمال منها "زهايمر"، "بخيت وعديلة"، "كراكون في الشارع"، و"خلي بالك من عقلك" وغيرها.
موهبة تمثيلية وطاقة عظيمة في الكوميديا بشكل خاص، هكذا وصفته الناقدة ناهد صلاح، مشيرة إلى أن لديه طاقة تمثيل تعبر عن ممثل حقيقي يعي ويدرك مجال عمله، وينتمي أيضًا إلى قلة من الممثلين جمعوا بين النجومية والحرفة التمثيلية المدعومة بموهبة حقيقية، وكل مرحلة من مشواره الفني تأثرت بزمانها ومكانها، بمعنى أن أفلامه في السبعينيات كانت تختلف كثيرًا عن أفلامه في الثمانينيات والتسعينيات.
وأضافت: استمرارية نجومية بطل فيلم "المنسي" كل هذه الأعوام، تعود أيضًا إلى أنه أمسك بطرفي المعادلة الفنية ودائمًا ما يسعى لتحقيق التوازن بين موهبته وجرأته، وهو أقرب إلى شخصية الرجل المصري العادي مما جعل الجمهور يشعر أنه منهم ويعبر عن قضاياهم.
واستطردت: إذا تأملنا رحلة النجم عادل إمام، نجد أنه بمثابة بطل وممثل المهمشين والكادحين في المجتمع، وأن هذا الوجه السينمائي الذي شارك في مقتبل حياته بأعمال منها "عفريت مراتي" و"نص ساعة جواز"، خرج من هذه الأدوار الصغيرة أو "السنيد" حسب المصطلح الفني، إلى أن يصبح نجمًا كبيرًا، يمثّل نموذجًا للنجاح وحلمًا للكثيرين سواء في الأدوار الكوميدية أو غيرها.
وقالت ناهد صلاح، إن عادل إمام ظل موجودًا على القمة والساحة لأنه احترم مشواره الفني، فنجوميته لم تأت من فراغ، مقدمًا شخصيات متنوعة ساهمت في زيادة تألقه وحضوره، وهو بالنسبة لي مثل شخصيته (فارس) في فيلم السينمائي البارز "الحريف" مع المخرج محمد خان، شخص موهوب يواجه الحياة بجميع ظروفها الصعبة والقاسية، فعادل إمام أيضًا كانت رحلته الفنية شاقة وليست سهلة.
وعن تأثير الزعيم عادل إمام في الفن المصري، قالت إن له تجارب مسرحية كبيرة خاصة في الكوميديا، وحضور مميز في السينما، وأيضًا مر بمراحل مختلفة قدّم فيها ألوانًا متنوعة من الدراما والسينما المصرية، وتعاون مع كتاب كبار منهم وحيد حامد وبشير الديك، وأيضًا مع مخرجين مهمين جدًا منهم محمد خان، وسمير سيف وشريف عرفة.
وأضافت: النجمات اللاتي ظهرن مع عادل إمام في أفلامه اكتسبن بريقًا خاصًا، ونجومية لافتة، كما قدّم فرصًا لوجوه جديدة أصبحوا نجومًا بعد ذلك، فهو نموذج للفنان الذي يمتلك تجربة ثرية للغاية، موجودة في العالم العربي ولا يمكن نسيانها، ولكنها تكرسه كنجم وممثل كبير في وجداننا وخريطتنا الفنية العربية.