على مدار يومين، توالت الأنباء من قبل القيادات الأوكرانية والروسية عن حصار مدينة باخموت بصورة كبيرة، حيث صرحت قيادات محلية بإقليم دونيتسك، بأن المدينة "واقعة تحت الحصار الناري".
وأكد قائد القوات البرية الأوكرانية، أمس الاثنين، أن الوضع في المدينة "شديد التوتر"، وقوات فاجنر تحاول إحكام الطوق حول المدينة، فيما اعترف الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، بصعوبة الوضع حول باخموت وعلى طول خط المواجهة، وقال إن "الوضع يزداد صعوبة حول مدينة باخموت"، وهي نقطة تركيز التقدم الروسي في شرق أوكرانيا.
في المقابل، قال دينيس بوشيلين، القائد المحلي الموالي لموسكو في منطقة دونيتسك، التي تقع فيها مدينة باخموت، في تصريحه لقناة الروسية الأولى، إن القوات الروسية تطبق على جميع مداخل باخموت تقريبًا حصارًا ناريًا.
وأوضح "بوشيلين": "عمليًا، جميع الطرق تقريبًا في مرمى النيران"، بحسب ما ذكرت "نوفوستي".
وفي الوقت ذاته، أكد "بوشيلين" أن كييف تواصل إرسال قواتها إلى هذا الاتجاه.
ومنذ الصيف الماضي، تحاول قوات "فاجنر" والجيش الروسي السيطرة على مدينة باخموت في مقاطعة دونيتسك في إقليم دونباس (شرقي أوكرانيا)، ورغم التقدم الذي أحرزه الروس في الآونة الأخيرة، فإن القوات الأوكرانية تستميت في الدفاع عن هذه المدينة التي وصفها الرئيس، فولوديمير زيلينسكي، بأنها الـ"حصن".
البوابة الوحيدة
وتكتسي باخموت -التي كان عدد سكانها قبل الحرب 70 ألفًا، لم يتبق منهم سوى 3 آلاف تقريبًا- أهمية استراتيجية محدودة، بيد أنها اكتسبت أهمية رمزية كبيرة؛ بسبب طول مدة وضراوة المعارك حولها، حيث إن أجزاءً كبيرة منها دمرت بفعل القصف.
وخلال الأسابيع الأخيرة نجحت القوات الروسية في تطويق باخموت، وقطع العديد من الطرق المؤدية إلى المدينة الحيوية؛ لتزويد القوات الأوكرانية بالإمدادات.
وبالنسبة للأوكرانيين فإن باخموت تُعد عقدة مواصلات استراتيجية تبعد 65 كيلومترًا شمال مدينة دونيتسك؛ المركز الإداري للمقاطعة ونحو 600 كيلومتر عن العاصمة كييف، وتعتبر حصنًا للدفاع عن باقي مدن منطقة المقاطعة.
كما تكتسي باخموت بأهمية لدى الروس، إذ أصبحت البوابة شبه الوحيدة لتقدم القوات الروسية في دونيتسك.
كما أن الاستيلاء عليها سيفتح الطريق أمام القوات الروسية نحو مدينتي كراماتورسك وسلوفيانسك، وهما من المدن الرئيسية في مقاطعة دونيتسك التي تشكل مع مقاطعة لوهانسك المجاورة إقليم دونباس، الحوض الصناعي الكبير في أوكرانيا.
وتسعى روسيا للمضي قدمًا شرقي أوكرانيا، لاسيما في باخموت الاستراتيجية، لمحاصرة القوات الأوكرانية في دونباس، لكنها تواجه هناك مقاومة أوكرانية شرسة.
على عكس العمليات الهجومية المضادة في القتال جنوب وشرق أوكرانيا في كل من خاركيف ولوهانسك وزاباروجيا وخيرسون، تتخذ القوات الأوكرانية مواقع دفاعية حصرًا في مقاطعة دونيتسك بإقليم دونباس، وتتحدث مرارًا عن محاولات لتقدم نظيرتها الروسية.
ويستهدف هذا التقدم المدن الرئيسية في المنطقة التي تسيطر أوكرانيا على نصفها تقريبًا، لاسيما مدينة باخموت؛ ما جعلها تحول المدينة إلى مركز حيوي من مراكز القتال.
ورغم ثبات الأوكرانيين في باخموت وحولها، يخشى بعض المحللين من اتباع القوات الروسية سياسة "الأرض المحروقة" في المدينة، كما فعلت في مدن ماريوبول وسيفيرودونيتسك وليسيتشانسك قبل ذلك.
الأهمية الاستراتيجية
منذ بدء الحرب الروسية في أوكرانيا، 24 فبراير 2022، اكتسبت مدينة باخموت أهمية استراتيجية كبرى؛ إذ تسعى موسكو للسيطرة عليها وضمها منذ أغسطس الماضي، في ظل الحرب طويلة الأمد.
وتقع باخموت في شمال شرق إقليم دونيتسك بأوكرانيا، ولم يكن للمدينة أهمية زراعية أو صناعية تذكر، لكن موقعها الجغرافي أكسبها أهمية استراتيجية، إذ يستبسل كلا الجانبين الروسي والأوكراني للسيطرة على المدينة.
وبالنسبة لروسيا، تعد مدينة باخموت بوابة جنوبية شرقية- شبه وحيدة- وممرًا حيويًا لتقدم القوات في عمق منطقة دونيتسك بإقليم دونباس، خاصة نحو المدن الرئيسية الخاضعة للسيطرة الأوكرانية؛ إذ باخموت تقع على أطراف الطريق الدولي "إتش- 32"، الذي يصلها بمدن كونستانتينيفكا ودروجكيفكا وكراماتورسك وسلافيانسك، إضافة لاقترابها من الطريق الدولي "إم-03" الذي يصلها مباشرة بسلافيانسك ويتابع نحو منطقة خاركيف بعدها.
أما على الصعيد الأوكراني، فتعتبر باخموت حصن الدفاع عن بقية مدن منطقة دونيتسك؛ إذ توجه منها قوات كييف ضربات قوية صوب المواقع الخاضعة منها للسيطرة الروسية.
وتعي القوات الروسية والأوكرانية، على حد سواء، أن سقوط باخموت في يد الروس سيمنحهم فرصة للتقدم؛ إذ يبعث الجانبان بتعزيزات عسكرية إليها.