معتبرة استمرارها "مسرح عبث"، أعلنت روسيا تعليق مشاركتها في آخر معاهدة معنية بمراقبة الأسلحة متبقية لها مع الولايات المتحدة، وأكدت أن قرارها "لن يعجل بحرب نووية"، فماذا يعني تعليق معاهدة "نيو ستارت" بين دولتين تمتلكان 90% من الرؤوس النووية في العالم؟
الإعلان الروسي
أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في خطاب أمام الجمعية الفيدرالية، يوم الثلاثاء، تعليق العمل بمعاهدة "نيو ستارت".
واعتبر بوتين مطالبات حلف شمال الأطلسي لموسكو بإتاحة إطلاع الولايات المتحدة على قوات الردع النووية الروسية، بموجب معاهدة ستارت "مسرح عبث".
وقال بوتين: في بداية فبراير طالب "الناتو" بالعودة إلى معاهدة "ستارت" بما في ذلك إتاحة الفرصة للاطلاع على قوات الردع النووية الروسية، إنه مسرح العبث بعينه.
إذ أن الصراع الروسي في أوكرانيا دفع بأكبر قوتين نوويتين- الولايات المتحدة وروسيا- إلى شفا المواجهة المباشرة أكثر من أي وقت مضى خلال الستين عامًا الماضية.
المعاهدة وأبرز بنودها
وقع الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما ونظيره الروسي ديمتري ميدفيديف، في 2010، معاهدة "نيو ستارت" للحد من عدد الرؤوس الحربية النووية الاستراتيجية التي يمكن للبلدين نشرها.
دخلت المعاهدة المعروفة رسميًا باسم "تدابير زيادة تخفيض الأسلحة الهجومية الاستراتيجية والحد منها"، حيز التنفيذ في فبراير 2011، بعد المصادقة عليها في ميونيخ، وتم تمديدها في عام 2021 لمدة 5 سنوات بعد أن تولى الرئيس الأمريكي جو بايدن منصبه.
وكان من المقرر أن تنتهي الاتفاقية في فبراير 2021، إلا أن الولايات المتحدة اقترحت تمديدها 5 سنوات، وافقت روسيا على ذلك، وفي حال عادت موسكو عن قرارها الأخير بالتعليق، فمن المقرر أن تنتهي المعاهدة في 2026.
وتسمح "نيو ستارت" لمفتشين أمريكيين وروس على حد سواء بالتأكد من امتثال الجانبين للمعاهدة، من خلال إجراء ما يصل إلى 18 عملية تفتيش لمواقع الأسلحة النووية الاستراتيجية كل عام.
وأجرت الدولتان على مدار سريان الاتفاق، 328 عملية تفتيش في الموقع، وأكثر من 25000 إخطار بشأن حالة مركبات الإطلاق والقاذفات النووية، و19 اجتماعًا ثنائيًا، وفقا لإفادة سابقة لوزارة الخارجية الأمريكية.
ورغم تعليق عمليات التفتيش بموجب المعاهدة منذ مارس 2020 بسبب جائحة "كوفيد-19"، إلا أن طلب الناتو بالعودة للمعاهدة وسط خضم ما تمر به موسكو مع الغرب من مواجهات محتدمة على إثر عمليتها العسكرية في أوكرانيا، على ما يبدو كان محركًا قويًا في الوقت الراهن لتعليق روسيا الاتفاقية.
حدود التسليح النووي بموجب الاتفاقية
وبموجب الاتفاق، تلتزم موسكو وواشنطن بألا يتجاوز عدد الرؤوس النووية في كلا البلدين، الـ 700 رأس نووي في القواعد الأرضية، و1550 رأسًا نوويًا في القواعد البحرية والجوية البحرية، كما تنص على ألا يتجاوز عدد المنصات الأرضية الثابتة والمتنقلة، لإطلاق الصواريخ النووية الـ 800 منصة.
ويمتلك الطرفان بموجب المعاهدة، حرية تحديد الهيكل الثلاثي النووي "مزيج من ناقلات جوية وبحرية وبرية"، ونشر أنواع جديدة أخرى من الصواريخ والناقلات، شريطة أن يخطر كل منهما الآخر.
كما تحظر المعاهدة على كل من روسيا والولايات المتحدة، نشر أسلحة استراتيجية هجومية، خارج نطاق الحدود الجغرافية لكلا البلدين.
ماذا يعني الانسحاب؟
يضفي انسحاب روسيا من معاهدة "نيو ستارت"، نوعًا من "غياب الشفافية النووية"، وفق تقديرات خبراء بالشؤون الدولية، لاسيما وأن موسكو سبق ولمحت باستعمال السلاح النووي للحفاظ على أمنها، مقابل دعم الناتو لكييف ردًا على العملية العسكرية الروسية التي تدخل عامها الثاني على أراضيها.
واعتبر خبراء أن الخطوة تنذر بتصعيد موسكو من مستوى عدوانها مقابل الدعم العسكري والمادي والمعنوي منقطع النظير لأوكرانيا على مدار عام كامل، خاصة في ظل اتجاه روسيا بدورها لتكوين تحالفات قوية لا سيما مع الصين المنافس الأكبر اقتصاديًا للولايات المتحدة.
قال جون ولفستال، الذي ساعد في التفاوض على معاهدة ستارت الجديدة في عام 2009 كعضو في مجلس الأمن القومي: "من الواضح أن بوتين يحاول ضخ نفوذ نووي في كل من أوكرانيا وعلاقته بالولايات المتحدة". "وهذا يجب أن يقلق الكثير من الناس." وفق ما أوردت شبكة CNBC news الأمريكية.
ورغم قرار التعليق، أكدت الخارجية الروسية، عزم موسكو الالتزام ببنود المعاهدة، ومواصلة مراعاة حدود أعداد الرؤوس الحربية النووية التي يمكنها نشرها بموجب نيو ستارت، وفق بيان للمتحدثة باسم الوزارة ماريا زاخاروفا.
وفي الوقت الذي اعتبرت الولايات المتحدة القرار "غير مسؤول" حملّتها روسيا مسؤولية مصير العالم بأن جعلت "الأمر متروكًا للأمريكيين ليقرروا إلى أين سيذهب العالم بعد ذلك" وفق تصريحات للمتحدث باسم نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي ريابكوف.