الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

18 عاما من الانقسامات.. لبنان الجريح في انتظار رفيق حريري جديد

  • مشاركة :
post-title
رفيق الحريري

القاهرة الإخبارية - مروة الوجيه

18 عامًا على اغتيال شهيد لبنان ورئيس وزرائها الأسبق رفيق الحريري، الذي استطاع أن يعبر ببلاده من دمار الحرب الأهلية لتصبح شعلة مضيئة في الوطن العربي، لكن لم يكن الاغتيال حادثًا لقتل الحريري، بل كان اغتيالًا لأحلام ومستقبل لبنان الذي لا يزال يكافح للوقوف على أرض صلبة في مجابهة أزمات تتزايد بمرور الأيام.

لم يبق شيء في بلاد الأرز سوى أنقاض ما أنجزه رفيق الحريري (1944- 2005) في حقبة "إعادة البناء والإعمار" التي استمرت منذ 1992 وحتى 2005، التي أعقبت ما ترتب على الحروب الأهلية في لبنان (1975- 1990) من دمار الحروب.

وفي ذكرى اغتياله (14 فبراير 2005)، تأتي آلام لبنان ساطعة على المشهد السياسي العربي، وتتعدد الأزمات يومًا تلو الآخر من انهيار مالي واقتصادي واجتماعي، تبعه إفلاس سياسي، وخراب مؤسسات الدولة والبنية التحتية، وفرار الأجيال الشابة من ظلامية المستقبل أو فقدان الأمل في غد أفضل، فمشهد الشابة اللبنانية وهي تتحدث مع الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون طالبة منه "أن يضع بلدها تحت السيادة الفرنسية" مازال يؤلم جميع العرب، كيف تحولت شعلة لبنان الحريري إلى هذا الوضع المؤلم؟

يوم اهتزت لبنان

بعد مرور 18 عامًا على اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في وسط بيروت، لا يزال اللبنانيون يتذكرون تفاصيل ذلك اليوم الذي غيّر مسار البلد الصغير.

حدث التفجير الذي أودى بحياة رئيس الحكومة الأسبق الذي لم يكن في السلطة حينها، و21 شخصًا آخرين، في 14 فبراير 2005، حيث كان موكب الحريري عائدًا من مقر مجلس النواب في ساحة النجمة وسط بيروت، عندما دوى انفجار ضخم استهدفه لدى وصوله قبالة فندق سان جورج على الطريق الساحلي، وبعد دقائق، كانت شاشات التلفزيون تنقل مباشرة صور سيارات مشتعلة، بينما تسبب تطاير الركام في تحطيم زجاج نوافذ في دائرة قطرها نحو نصف كيلومتر.

كان يوما اهتزت له لبنان كلها، واهتزت الدول العربية والعالم لفقدان هذا المجاهد الباسل، الذي حمل مستقبل بلاده على أكتافه حتى وهو خارج أي منصب سيادي.

وبحسب المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي تولت التحقيق في الجريمة، أوردت أن انتحاري يقود شاحنة بيضاء فجّر ما يعادل طنّين من مواد شديدة الانفجار عند الساعة 12:55 ظهرًا، خلال مرور السيارة الثالثة في الموكب الذي كان الحريري يقودها بنفسه.

ووفق وكالات الأنباء، فقد سُمع الانفجار في العاصمة بيروت بأكملها، حتى ظن كثيرون أن زلزالًا ضرب المدينة، فيما أحدث الانفجار حفرة بعرض عشرة أمتار وعمق مترين في المكان الذي أقيم فيه فيما بعد نصب تذكاري للحريري.

كان الانفجار قويًا لدرجة أنه تمّ العثور على إحدى الجثث بعد 17 يومًا نظرًا لحجم الدمار الكبير الذي خلّفه التفجير متسببًا أيضا في إصابة 226 شخصًا بجروح.

الوقت الحرج

جاء اغتيال الحريري في فترة بالغة الحساسية في لبنان، وفي خضم توتر لم يكن ظاهرًا كثيرًا للعلن، بين الحريري ودمشق التي كانت تتحكم بمفاصل الحياة السياسية في لبنان، وتنشر جيشها فيه منذ نحو 30 عامًا.

كان الحريري يومها يستعد لخوض انتخابات نيابية، ويقترب من الانخراط في جبهة معارضة لدمشق.

وفي مطلع شهر فبراير، تلقى الحريري مناشدة من صديقه الرئيس الفرنسي حينها جاك شيراك، بوجوب التزام الحذر، وبعدها بأيام من مبعوث الأمم المتحدة إلى الشرق الأوسط تيري رود لارسن في الإطار نفسه.

وسبق اغتيال الحريري محاولة اغتيال صديقه الوزير السابق مروان حمادة في أكتوبر 2004، فيما اعتبر رسالة تحذير شديدة اللهجة إلى فريق الحريري.

ومنذ عام الاغتيال لم تحدد التحقيقات الدولية منفذ الحادث أو الجهة الممولة له، تارة تذكر اتهامات لحكومات خارجية، وتارة تتوجه الاتهامات لحزب الله الذي رفض الاتهامات أو تسليم أعضائه الذي تم توجيه التهم لهم، لتطوي صفحة رفيق الحريري إلى الأبد، ولم يبق منها سوى نصب تذكاري على شكل شعلة معدنية، بينما لا تزال آثار التفجير تظهر على واجهات بعض الأبنية، وعلى بُعد أمتار، يتوسط تمثال لرفيق الحريري ساحة صغيرة تحمل اسمه.

الضربة القاسمة

بعد انتهاء الحرب الأهلية في لبنان، كان اغتيال الحريري ضربة كبيرة للبلد الصغير الذي تنخره الانقسامات الطائفية والسياسية.

ونزلت أعداد ضخمة من اللبنانيين إلى الشارع تحتج على الاغتيال وتتهم حكومات خارجية بأنها وراء الحادث، وفي المقابل نزل أنصار حزب الله إلى الشوارع في مظاهرات مناهضة لها الاتهام، سميت بـ"يوم الوفاء" شارك فيها أيضا مئات الآلاف من أنصار الحزب.

بداية الانقسام

من هنا بدأت عملية الانقسام في بلاد الأرز، وضربت الانقسامات السياسية أرجاء القوى المؤثرة في المشهد اللبناني، بدأت بين "قوى 14 آذار" المناهضة لسوريا و"قوى 8 آذار" المؤيدة لها، وفُتحت صفحة جديدة في تاريخ لبنان أخرجت دمشق من المشهد السياسي المباشر في البلاد.

المشهد الضبابي

منذ اغتيال شهيد لبنان ودخلت البلاد في غمامة الانقسامات السياسية أو الفراغ السيادي للدولة، كما أدت العداءات الطائفية إلى اندلاع المزيد من الحقن والجمود مع انفجار أزمة اقتصادية طاحنة أخذت الشعب اللبناني إلى طريق مسدود حتى الوقت الراهن، فكان هذا الشعب هو مَن دفع فاتورة انقسام القوى السياسية منذ 18 عامًا.

وفي عام 2011 بعد انهيار حكومة سعد الحريري بعد استقالة أعضاء حزب الله وحلفائه، بسبب التوتر بشأن المحكمة التي تدعمها الأمم المتحدة وتنظر في اغتيال رفيق الحريري، بدأت دورة الانقسامات السياسية العنيفة داخل البلاد.

واستمرت الخلافات تدور في أروقة البرلمان اللبناني بسبب توترات بين الأحزاب السياسية وتكتل حزب الله، وفي 2018 ورغم فوز الحزب بأغلبية الانتخابات النيابية، فإن ثورة "تشرين" 2019 جاءت بعد أعقاب بداية الانهيار الاقتصادي للبنان، وفشلت الحكومة اللبنانية في تطبيق إصلاحات اقتصادية بهدف فتح الباب أمام الدعم الأجنبي.

واستقال الحريري في 29 أكتوبر من العام نفسه بعد تصاعد شدة الاحتجاجات، بينما تسارعت وتيرة الأزمة المالية. وتم تجميد أموال المودعين وسط أزمة سيولة في العملة الصعبة وانهيار العملة المحلية.

ثم جاء انفجار مرفأ بيروت لتضع لبنان مرة أخرى في مرمي الأزمات المتوالية، وأصبح حسان دياب الأكاديمي غير المعروف رئيسًا للوزراء في يناير2020 بدعم من حزب الله وحلفائه، وسط تعثر في تشكيل الحكومة اللبنانية.

استمرار الأزمة

لكن تخلف لبنان عن سداد ديونه السيادية وتعثر المحادثات مع صندوق النقد الدولي بسبب مقاومة الأطراف الرئيسية والبنوك المؤثرة لخطة التعافي المالي أدى لاستقالة حكومة دياب وتكليف الحريري بتشكيل حكومة جديدة لكن الخلاف استمر حول الحقائب الوزارية.

وفي 2021 تفاقمت حالة الفقر بالبلاد. وتخلى الحريري عن جهوده لتشكيل حكومة وتبادل مع الرئيس ميشال عون الاتهامات بالمسؤولية عن الفشل. وأعلن البنك المركزي أنه لم يعد بإمكانه تمويل دعم واردات الوقود، ما أدى إلى انقطاع الكهرباء ونقص الوقود وتسبب في أعمال عنف متفرقة في محطات الوقود.

وفي سبتمبر بعد أكثر من عام من الخلافات حول الحقائب الوزارية، تم الاتفاق أخيرًا على حكومة جديدة بقيادة نجيب ميقاتي.

وسرعان ما حادت الحكومة عن مسارها بسبب التوتر بشأن التحقيق في انفجار مرفأ بيروت. وطالب حزب الله وحليفته حركة أمل بإقالة قاضي التحقيق طارق بيطار بعد أن وجّه اتهامات إلى بعض حلفائهما.

ودعت الأحزاب الشيعية إلى الاحتجاج على القاضي. وقتل ستة من مؤيديهم بالرصاص عندما اندلعت أعمال عنف، وألقى حزب الله بالمسؤولية على حزب القوات اللبنانية الذي نفى بدوره التهمة.

وتوقف التحقيق في انفجار مرفأ بيروت بسبب تدفق الشكاوى القانونية ضد القاضي من قبل مسؤولين.

كما اندلعت الخلافات بين بيروت وشركائها العرب سبب تصريحات أحد وزراء الحكومة اللبنانية، وفي أعقاب ذلك جاءت أزمة الانهيار للعملة في يناير 2022، وانخفضت الليرة اللبنانية لتفقد 90% من قيمتها، وتساوي 34 ألف مقابل الدولار.

ووجّه البنك الدولي انتقادات حادة للنخبة الحاكمة لدورها في واحدة من أسوأ الانكماشات في الاقتصادات الوطنية في العالم بسبب سيطرتها على الموارد.

وأعلن الحريري أنه لن يخوض الانتخابات البرلمانية. وفي أبريل توصل لبنان إلى مسودة اتفاق مع صندوق النقد الدولي من أجل دعم محتمل بقيمة ثلاثة مليارات دولار، معتمدًا على قيام بيروت بتنفيذ إصلاحات طال انتظارها.

في مايو خسر حزب الله وحلفاؤه أغلبيتهم البرلمانية في الانتخابات، وتولى نجيب ميقاتي رئاسة الحكومة اللبنانية وسط تعنت من قبل الأحزاب لتسمية الحقائب الوزارية.

وفي 30 أكتوبر 2022، وقعت لبنان في مأزق الشغور الرئاسي بعد مغادرة الرئيس ميشال عون قصر بعبدا، بعد انتهاء مدته الرئاسية، بعد فشل البرلمان اللبناني على مدار عشر جلسات في التوافق على اسم يتولى منصب رئيس البلاد، وفي انتظار عقد جلسة جديدة في محاولة للخروج من أزمة هذا الشغور الرئاسي، وتوافق القوى السياسية حتى يخرج من لبنان من مأزقه الغائر، فبلاد الأرز لا يزال في انتظار رفيق حريري آخر لينقذه من مأساته التي لا يدفع ثمنها إلا أبناء هذا البلد الجريح.