الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

عمر الحريري.. اكتشفه يوسف وهبي وتحققت أمنيته بالموت على خشبة المسرح

  • مشاركة :
post-title
الفنان المصري عمر الحريري

القاهرة الإخبارية - إيمان بسطاوي

طلّة وتلقائية وتعبيرات وجه طفولية وضحكة لا تفارق وجهه، شكلّت كل هذه العناصر قدرة النجم الراحل عمر الحريري، في الاستحواذ على قلب الجمهور، لأكثر من نصف قرن من الزمان ليفني حياته وهو يخدم المهنة التي عشقها منذ صغره، وعاصر فيها أجيالًا متعاقبة، وحظيت أدواره بحب الجمهور في مصر والوطن العربي، ليسطر اسمه بارزاً بين جيل الرواد.

 عمر محمد بك الحريري، الذي ولد في مثل هذا اليوم 12 فبراير 1926، لأسرة ميسورة الحال، كان المسرح هو كلمة السر في تعلقه بالفن، حتى إنه خلال فترة الدراسة كوّن فرقة تمثيلية بالمدرسة قدمت عروضًا على خشبة المسرح ونافست المدارس الأخرى، قبل أن يلتحق بالمعهد العالي للتمثيل العربي، ليبدأ بعدها مشواره الطويل ويصنع علامات مضيئة في حياته الفنية.

تتلمذ عمر الحريري في مدرسة الفنان يوسف وهبي، الذي كان له الفضل في اكتشافه وعمل معه في أكثر من 30 عملًا مسرحيًا، على خشبة المسرح القومي، منها "الغيرة"، التي تُمثّل أول عروضه المسرحية ليبدأ حياته على خشبة المسرح، وينهيها عليها بمسرحية "حديقة الأذكياء" عام 2011، مما يدلل على ارتباطه بالمسرح حتى آخر عمره، لتكون هذه المسرحية آخر ما قدمه لجمهوره قبل أن يفارق الحياة في العام نفسه.

 تنوعت أدواره في السينما والتلفزيون والمسرح، من الشاب الوسيم قليل الخبرة في فيلم "سكر هانم"، إلى رجل ذو ملامح أوروبية ظهر كأحد قادة الحملة الصليبية في فيلم "صلاح الدين"، المحقق الشرطي في مسرحية "شاهد مشافش حاجة" وغيرها من الأدوار ليصل عدد أعماله نحو 300 عمل فني.

شكّل الحريري ثنائيًا مختلفًا مع الفنان عادل إمام، إذ استمر تعاونهما معًا لـ16 عامًا، هي المدة التي قدّم معه مسرحيتين من أهم مسرحياته، هما "شاهد مشافش حاجة" و"الواد سيد الشغال"، وحققت المسرحيتان نجاحًا جماهيريًا حتى إنها ما زالت تُعرض للجمهور وتصنع حالة من السعادة للمشاهدين، أما على مستوى الدراما التلفزيونية فشارك معه في مسلسل "أحلام الفتى الطائر".

ويقول عمر الحريري عن علاقته بعادل إمام في لقاء تلفزيوني: "يمتلك عادل إمام طاقة فنية كبيرة، وعندما غبت عن مصر من عام 1967 حتى 1974، كنت كلما أزور مصر في الأجازات ونتقابل يطلب مني الرجوع لمصر ويقول لي يا أستاذ نفسي اشتغل معاك، وعندما عدت في 1974 قدمت معه مسرحية "شاهد مشافش حاجة"، وكان صارمًا ودؤوبًا ويهتم بكل التفاصيل، ويأتي قبل رفع الستار بساعة يجلس مع نفسه، وكان يُشعر الجميع بأننا أسرة واحدة، وعندما انتهت المسرحية بدأ نجمه يسطع في عالم السينما ويصبح النجم الأوحد، ثم التقينا مرة أخرى بعد أكثر من عام في مسرحية "الواد سيد الشغال" وكنت مناسبًا تمامًا للدور، ولم أكن مُقحمًا عليه، وقدمنا المسرحية لمدة 8 سنوات وسجلناها وعرضت، وعندما جاءت مسرحية "الزعيم" لم أجد دورًا مناسبًا لي كانت كلها أدوارًا بسيطة، وحتى في السينما كان عادل إمام يقول للمنتج أعرضوا عليه إذا وافق سأكون سعيدًا، لكن إذا لم يوافق فهذا من حقه، وعندما أجد الدور بسيطًا وصغيرًا لا أقبله لأنني تجاوزت هذه النوعية من الأدوار".

سجلت كاميرا السينما وجه عمر الحريري في فيلم "سلامة في خير"، نهاية الثلاثينيات، ثم تبعها فيلمين آخرين، هما "كرسي الاعتراف" و"أوعى المحفظة"، لكن يعد فيلمه مع مديحة يسري، الذي حمل اسم "الأفوكاتو مديحة"، هو البداية الحقيقية له في السينما عام 1950، ليقدم في العام التالي 4 أفلام دفعة واحدة، منها "أولاد الشوارع"، "ابن النيل"، و"وداعًا يا غرامي"، ثم توالت الأفلام والنجاحات ليحصل في كل مرة على مساحة كبيرة من الأدوار حتى تصدّر بطولتها ليختم مشواره في السينما بفيلم "الرجل الغامض بسلامته" عام 2010، مع الفنان هاني رمزي والفنانة نيللي كريم. 

 قدّم الحريري بصمات في تاريخ السينما، وصل عددها 130 فيلمًا، وشارك عددًا كبيرًا من النجوم مثل الفنان الراحل عزت العلايلي في "أهل القمة"، وعبد الحليم حافظ في فيلم "الوسادة الخالية"، ووحش الشاشة الفنان فريد شوقي في "وبالوالدين إحسانًا" وغيرها عشرات الأفلام، ومع سامية جمال وكمال الشناوي في فيلم "سكر هانم"، الذي قدمه للجمهور في قالب كوميدي مختلف عن باقي أفلامه، وشارك إسماعيل ياسين في عدد من الأفلام مثل "العتبة الخضراء"، و"إسماعيل ياسين في جنينة الحيوانات"، و"الآنسة حنفي".

سلامة نُطق الفنان الراحل للغة العربية وقوة صوته وأدائه الرصين، خاصة أنه ابن المسرح القومي، ساعده في تقديم أعمال تاريخية، التي أبدع فيها مثل فيلم "الناصر صلاح الدين" مع أحمد مظهر، و"عمر بن عبد العزيز"، والأجزاء الثلاثة من مسلسل "لا إله إلا الله"، و"ابن ماجة" و"الإمام المراغي" وغيرها الكثير، فضلًا عن قيامه بوضع بصمة صوته على إحدى شخصيات فيلم "عمر المختار".

عمل عمر الحريري أستاذًا للإلقاء والمسرح الشعبي في ليبيا بعد سفره من مصر لمدة 7 سنوات بعد عام 1967، وتتلمذ على يديه عشرات الفنانين في ليبيا، وكان يقدم لهم العديد من الأعمال، منها حرصه على تقديم مسلسل إذاعي في شهر أغسطس من كل عام، بحسب ما أكده في لقاء تلفزيوني له، ولذلك كُرّم هناك بالعديد من الجوائز تقديرًا لإسهاماته منها درع الجماهيرية العربية في ليبيا، بالإضافة إلى جوائز وتكريمات بمصر والوطن العربي.

دخل عمر الحريري للسينما العالمية من خلال الفيلم الإيطالي "العملية الأخيرة 008"، وأيضًا وضع تعليقه وبصمته على الفيلم العالمي "عمر المختار" بشخصية موسوليني.

رغم النجاحات الكثيرة التي حققها الحريري، لكنه يجد نفسه في لحظة صفاء عندما يختلي بنفسه ليقول عن ذلك في لقاء سابق: "كنت أجد نفسي في الهدوء وعندما أختلي بنفسي، خاصة في ليبيا عندما تسافر الأسرة، وبعيدًا عن شهرة الأضواء والمعجبين، فكنت أهرب بنفسي، فأنا شخص بسيط، ومن صغري اشتغل لدرجة أنني لم أعد أعرف نفسي فكل الأدوار التي قدمتها انصهرت بداخلي".

 خطوات عمر الحريري في التليفزيون لا تقل نجاحًا عن السينما، فقدّم علامات مازالت تعيش بيننا بدأها بالسهرات التليفزيونية والتي بلغت حوالي 90 مسلسلًا تليفزيونيًا، ومنها مسلسل "البرنسيسة" و"أوراق الورد" و"ساكن قصادي" و"أريد حلا" و"ألف ليلة وليلة" و"ماما في القسم"، و"أحلام الفتى الطائر" و"السيرة الهلالية" وغيرها من المسلسلات على مدار 50 عامًا، هذا بجانب تقديم في 60 مسلسلًا إذاعيًا. 

يبدو أن الأمنية التي تمناها عمر الحريري تحققت وهي أن يموت وهو على خشبة المسرح، ليحدث هذا بالفعل حيث أنهى مشواره وهو يقدم آخر عمل مسرحي له "حديقة الأذكياء" التي أختتم بها مسيرته الحافلة عام 2011.