يطرح غياب بعض القادة العرب عامةً، والخليجيين خاصةً عن حضور القمة الـ31 المنعقدة بدولة الجزائر، تساؤلات عدة، لعل أهمها: ما طبيعة التمثيل الخليجي في قمم القادة العرب وعلاقتها بقمة الجزائر؟، وهل تؤثر تلك الغيابات في نتائج القمة؟ خاصةً أنها جاءت هذه المرة محملةً بمهام صعبة على المستويين الصعيدين الاقتصادي والأمني، ظلّت متراكمةً بسبب توقف الانعقاد لمدة ثلاثة أعوام.
التمثيل الخليجي في القمة:
دأبت دول مجلس التعاون الخليجي على الحضور الفاعل في القمم العربية، رغم اختلاف مستويات التمثيل، ورغم أهمية الدورة الحالية يتغيب قادة الخليج العربي، باستثناء الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر، ويمكن توضيح هذا كما يلي:
(*) نواب الزعماء: ترأس وفد دولة الإمارات الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس الوزراء حاكم دبي، وفي دولة الكويت شارك الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، نائب الأمير وولي العهد.
(*) الممثلون: شارك نيابةً عن سلطان عُمان، أسعد بن طارق آل سعيد، المبعوث الخاص للسلطان ونائب رئيس مجلس الوزراء لشئون العلاقات والتعاون الدولي. واختار العاهل البحريني، الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة، الممثل الخاص ونائب رئيس الوزراء. كما ينيب العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وزير خارجية المملكة الأمير فيصل بن فرحان.
أسباب الغيابات:
تختلف محددات الحضور بين الدول الخليجية، تبعًا للتقسيم التالي:
(&) ثوابت الحضور: تبنت سلطنة عُمان سياسة واضحة منذ عهد السلطان قابوس بن سعيد في الفعاليات واللقاءات المشتركة على المستويات الخليجية والعربية والدولية، تقتضي مشاركة ممثل عن السلطان.
يترأس الشيخ محمد بن راشد وفد دولة الإمارات منذ القمة الثامنة والعشرين في البحر الميت بالمملكة الأردنية الهاشمية 2017، وشارك في أغلب اللقاءات على مستوى القمة في مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية في الفترة الأخيرة من حكم رئيس دولة الإمارات الراحل الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، نتيجة للوعكة الصحية التي أصابته في 2014.
(&) الأسباب الصحية: اعتذر عدد من قادة الخليج عن عدم الحضور لأسباب وعوارض صحية، إذ اعتذر الأمير محمد بن سلمان، ولي عهد المملكة العربية السعودية رئيس مجلس الوزراء، بعد إنابته من قبل الملك سلمان بن عبدالعزيز للمشاركة في القمة، إذ اعتذر في اتصال هاتفي مع الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، بسبب نصيحة من العيادات الطبية في الديوان الملكي، أكدت عدم سفره لمسافات طويلة.
ومنذ 15 نوفمبر 2021، يفوض الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، أمير دولة الكويت، الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، ممثل الأمير وولي عهده ببعض صلاحياته الدستورية بصفة مؤقتة نتيجة للحالة الصحية للأمير التي تتطلب عدم بذل مجهود استثنائي، ومنذ صدور التفويض يشارك ولي العهد في القمم واللقاءات المشتركة ممثلًا عن الشيخ نواف.
دلالات مهمة:
بالرغم من غياب معظم زعماء الخليج عن القمة العربية بالجزائر، فإن حجم الحضور وأجندة العمل في القمة تبرز مؤشرات متباينة عمّا تعنيه القمة في المقام الأول، والعلاقات الخليجية-الجزائرية، وذلك على النحو التالي:
(&) تحديات العمل العربي المشترك: من تلك الزاوية، نلاحظ أن آلية اتخاذ القرار في جامعة الدول العربية، تتم عبر الإجماع، ما يطرح إشكالية في الالتزامات المتبادلة بين الدول في تعريف مهددات الأمن القومي العربي في ظل غياب التوافق على تحديد الأولويات وإجراءات المواجهة؛ ما يحد بالتبعية من قدرة الجامعة على اتخاذ قرارات مصيرية.
وبالرغم من التوافق على مركزية القضية الفلسطينية في الأجندة العربية، فإن دول الخليج في مجموعها تُعلي من أولوية التهديد الإيراني ممثلةً في البرنامجين النووي والصاروخي وتسليح الميليشيات الموالية في المنطقة بالصواريخ والطائرات المسيرة المتفجرة التي استهدفت المدنيين في السعودية والإمارات. بينما تبقى مبادرة السلام العربية التي قدمتها المملكة العربية السعودية وتبنتها قمة بيروت 2002، هي مرجعية حلّ الصراع العربي الإسرائيلي عبر الامتثال لقرارات الشرعية الدولية بالانسحاب من الأراضي المحتلة وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967، مقابل إقامة العلاقات الدبلوماسية بين جميع الدول العربية وإسرائيل.
غير أن بعض الخلافات البينية العربية، وإن كانت كامنةً في هذه الفترة، فلا تزال عائقًا أمام تحقيق الإجماع المطلوب، ولا توجد مؤشرات على انفراجات قريبة، يمكن من خلالها نفاذ وساطة قادة الخليج بين الأشقاء، فيما تُمثل الخلافات الداخلية في دول أخرى، حجر عثرة يربك حسابات دول المنطقة في التعامل مع الملفات الشائكة، خشية الانخراط في أي من تلك الخلافات.
(&) أولوية القضايا الاقتصادية والاجتماعية: تتصدر قضايا الأمن الغذائي والمائي، قائمة الأولويات العربية إثر الأزمة الروسية الأوكرانية التي أضعفت سلاسل إمداد الحبوب عامةً والقمح خاصةً إلى الدول العربية.
وأبرزت دول الخليج -دولة الإمارات تحديدًا- الحرص على تعميق الروابط الاقتصادية والتجارية، وإزالة العوائق أمام حركة السلع والبضائع بين الدول العربية، وشاركت تجربتها في الاقتصاد الرقمي خلال أعمال المجلس الاقتصادي والاجتماعي.
ختامًا، يمكن القول إن غياب معظم قادة الخليج عن القمة بالنظر للاعتبارات الصحية والبروتوكولية، لا يفسر توجه تلك الدول في التعاطي مع القضايا العربية، بقدر ما يعنيه من عدم التعويل على مخرجات القمة في حلّ قضايا محورية، فضلًا عن ترقب نتائج سياسة "لم الشمل" وعودة التفاعل الجزائري مع القضايا والملفات العربية بعد فترة من الانعزال في عهد الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة.