الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

ما انعكاسات تولي الهند رئاسة بريكس لعام 2026؟

  • مشاركة :
post-title
" ناريندرا مودي" رئيس الوزراء الهندي

القاهرة الإخبارية - د. رضوى محمد

في عام 2026 ستنتقل رئاسة "بريكس" من البرازيل إلى الهند، وهو ما سيكون له العديد من الآثار على التكتل خلال الفترة المقبلة، إذ قدَّم رئيس الوزراء الهندي "ناريندرا مودي" رؤيته لإعادة تشكيل النفوذ العالمي للمجموعة، وأعلن خططًا لتحويل الكتلة الاقتصادية خلال مشاركته في قمة بريكس السابعة عشرة في ريو دي جانيرو في 7 يوليو 2025.

وعلى الرغم من ذلك، فالهدف العام الذي أُنشئ من خلاله التكتل لن يتغير، ولكن الآليات التي يمكن من خلالها تحقيق الأهداف العليا للتكتل من المحتمل أن تشهد تغييرًا خلال رئاسة الهند.

تأسيسًا على ما سبق، يتطرق هذا التحليل إلى الإجابة عن تساؤل رئيسي يدور حول: "كيف ستُغير رئاسة الهند مسار التكتل خلال الفترة المقبلة؟"

التكتل عام 2025

حقق تكتل بريكس في عام 2025 مجموعة من الإنجازات التي يُبنى عليها في خطط العمل المقبلة، ومن هذه الإنجازات ما يلي:

(-) توسيع التكتل: ارتفع عدد أعضاء تكتل "بريكس" إلى 10 أعضاء في عام 2025، مع الترحيب رسميًا بإندونيسيا كعضو كامل العضوية في مجموعة بريكس خلال يناير 2025، وذلك أثناء القمة السابعة عشرة للتكتل، مما رفع حجم اقتصاده من 27.06 تريليون دولار في عام 2024 إلى 28.5 تريليون دولار في يناير 2025، كما تم تشكيل مجموعة عمل لتحديد معايير الانضمام للدول الجديدة، مما يعكس توجهًا نحو توسيع منظم ومدروس.

وبالتالي، شكّلت قمة "بريكس" في ريو دي جانيرو نقطة تحول في تاريخ المجموعة، إذ إنها تجسيد لاستراتيجيتها في التحوّل إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب، ويعزز مكانتها كداعم للجنوب العالمي. فإندونيسيا تُعد أكبر اقتصاد في جنوب شرق آسيا، بما في ذلك التجارة في المحيط الهادئ. كما يوضح الشكل (1) أن الناتج المحلي الإجمالي لإندونيسيا ارتفع من 1.19 تريليون دولار في عام 2021 إلى 1.40 تريليون دولار في عام 2024، أي بارتفاع نسبته 17.65%، وهو ما يوضح أن الاقتصاد الإندونيسي اقتصاد متنامٍ.

الشكل (1) يوضح الناتج المحلي الإجمالي لإندونيسيا خلال الفترة من 2021 إلى 2024- المصدر: البنك الدولي

(-) تعزيز النمو الأخضر: عملت البرازيل على دمج دبلوماسية المناخ في أدوارها القيادية العالمية الأوسع؛ لجعل سياسة المناخ حجر الزاوية في الإصلاح الاقتصادي والمالي العالمي، إذ تم وضع نظام لتمويل المناخ، خاصة أن الدول النامية تواجه ديون وتقلُبات اقتصادية تحول دون حصولهم على تمويل مناخي مناسب وبأسعار معقولة.

وهو ما جعل التكتل يُقلل من الاعتماد على التمويل ويُحدث تحولات في السياسات في دول المرفق الثاني (الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية)، ويُعيد تشكيل مشهد تمويل المناخ من خلال أجندة متسقة قائمة على التضامن، إذ إنه تم اعتماد خطة مراحل لخمس سنوات تشمل أولويات التنمية مثل التكيف مع التغير المناخي وربط التمويل بالمشروعات المستدامة.

(-) تعزيز التعامل بالعملات المحلية: اتجه التكتل في عام 2025 بقدر كبير نحو تقليل التعامل بالدولار بين الدول الأعضاء، إذ أطلقت دول "بريكس" مبادرات؛ لتسوية المعاملات التجارية باستخدام العملات الوطنية بدلًا من الدولار، حيث وسعت الصين وروسيا التجارة الثنائية باليوان والروبل، كما بدأت الهند في استخدام الروبية في اتفاقياتها التجارية مع روسيا والإمارات.

(-) تنويع التعاون الاقتصادي: حقق مجلس أعمال بريكس وتحالف سيدات الأعمال في بريكس خطوات متقدمة في التعاون بين الدول الأعضاء، وقد تم التركيز على إصلاح النظام المالي الدولي، ومن ناحية أخرى مثلت منصة بريكس للبحوث الزراعية التي أُنشئت في الهند، وسيلة لتبادل أفضل الممارسات في مجال التكنولوجيا الحيوية الزراعية، والزراعة الدقيقة، والتكيُف مع تغير المناخ.

ومن ناحية أخرى تحسنَت العلاقات التجارية بين دول "بريكس"، ففي سبتمبر 2025 بلغت صادرات البرازيل إلى مصر 462 مليون دولار، واستوردت منها بقيمة 119 مليون دولار، مما أدى إلى ميزان تجاري إيجابي قدره 343 مليون دولار أمريكي، كما بلغ حجم التجارة الثنائية بين الإمارات والصين 50.6 مليار دولار أمريكي في النصف الأول من عام 2025، مما يُشير إلى تدفق تجاري قوي، مع نمو ملحوظ للصادرات الصينية من الإمارات، خاصة في النفط الخام والغاز البترولي.

(-) حوكمة الذكاء الاصطناعي: اعتمد قادة بريكس "إعلان بشأن حوكمة الذكاء الاصطناعي"، يُركّز على الاستخدام الاخلاقي والشامل للتكنولوجيا، كما أنه تم التأكيد على أهمية حماية البيانات، وتعزيز الشفافية والتحكم في الآثار السلبية للذكاء الاصطناعي، وهو الأمر الذي يُشير إلى أن التكتل بدأ في وضع خارطة طريق لاستخدامات الذكاء الاصطناعي.

انعكاسات رئاسة الهند

تنعكس رئاسة الهند على تكتل "بريكس" في العديد من النقاط التي تتمثل في الآتي:

(-) معالجة اختلال الموازين التجارية: في ظل حرب الرسوم التجارية التي فرضها الرئيس الأمريكي " دونالد ترامب" على العديد من دول العالم، فقد فرض رسومًا جمركية باهظة على الهند بنسبة 50%، وهي أعلى بكثير من المفروضة على السلع الصينية، والتي بلغت 30%؛ وذلك بسبب ارتفاع مشتريات الهند من النفط الروسي، مما أدى إلى تدهور العلاقات نسبياً بين نيودلهي وواشنطن.

ولهذا حثَّت الهند، خلال القمة الافتراضية الطارئة لـ “بريكس" في سبتمبر 2025، على معالجة اختلالات الميزان التجاري للدول الأعضاء في التكتل مع نيودلهي، فقد أشار وزير الشؤون الخارجية الهندي "س. جايشانكار" إلى أن أكبر عجز تجاري لبلاده هو مع شركاء بريكس.

وبالتالي من المُحتمل أن تتخذ الهند قرارات تعمل على توطيد علاقاتها التجارية بشكل أكبر مع دول "بريكس" خلال فترة رئاساتها، ولكن بشكل لا يؤثر على العلاقات المتبادلة بين الهند والولايات المتحدة الأمريكية، فعلى الرغم من الخلافات التجارية، إلا أن الهند ترى الولايات المتحدة شريكًا إستراتيجيًا وتكنولوجيًا ودفاعيًا رئيسيًا، وواشنطن تعتبر الهند قوة موازنة لصعود الصين.

وفي هذا الإطار، ستعمل الهند على تأمين سلاسل التوريد الخاصة بدول بريكس وتعزيز مرونتها، بما يضمن عدم استخدام أي دولة لهذه الموارد لمصالحها الخاصة أو كسلاح.

(-) التوطين التكنولوجي المُتقدم: تُعتبر الهند من أهم الفواعل في عصر التكنولوجيا الحديثة، خاصة الذكاء الاصطناعي، إذ كما يوضح الشكل (2) فمن المتوقع أن يصل إنفاق الهند على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي إلى 10.4 مليار دولار بحلول عام 2028، فقد قامت ما يقرب من 40% من المؤسسات الهندية بدمج الذكاء الاصطناعي الوكيل، وبينما تُخطط 50% أخرى لاعتماده في العام المُقبل.

الشكل (2) يوضح المسار التصاعدي لاستثمارات الذكاء الاصطناعي في الهند

وعليه من المُحتمل بشكل كبير أن تعمل الهند على زيادة الاستثمارات التكنولوجية داخل الدول الأعضاء، إذ إن مودي في كلمته خلال جلسة التوعية في قمة بريكس حول "تعزيز التعددية والشؤون الاقتصادية والمالية والذكاء الاصطناعي" في يوليو 2025، دعا دول "بريكس" إلى المشاركة في " قمة تأثير الذكاء الاصطناعي" المُقرر عقدها في الهند العام المُقبل.

وفي هذا النطاق ستعمل الهند خلال فترة رئاستها لـ "بريكس" على تحقيق شعار "الذكاء الاصطناعي للجميع"، وستحاول العمل مع دول التكتل؛ لتشجيع الذكاء الاصطناعي المسؤول، بأن يتم وضع معايير عالمية للتحقق من صحة المحتوى الرقمي، بما يضمن معرفة مصدره، والحفاظ على الشفافية، ووقف إساءة استخدامه.

(-) تعزيز العلوم والبحوث: من المتوقع أن تعمل الهند على اتخاذ قرار حول إنشاء مستودع علوم وبحوث لدول "بريكس" بشكل مشترك، على أن تمتد فوائده لدول الجنوب العالمي، وهذا بناءً على اقتراحها بذلك في وقت سابق من العام الحالي، فالهند تحتل المرتبة الثالثة عالميًا في إنتاج الأبحاث، مع النمو القوي في مجالات أهداف التنمية المستدامة والتعاون العالمي.

(-) تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري: تدعم رئاسة الهند للتكتل مبادرات التجارية لـ"بريكس"، مثل تسوية المدفوعات عبر عملات محلية؛ لتقليل الاعتماد على الدولار، كما أنه من الممكن تنشيط آليات تمويل مشتركة من خلال بنك التنمية الجديد (NBD)؛ لتمويل مشاريع بنية تحتية خضراء وتشجيع الاستثمارات في دول التكتل.

وبالإضافة إلى ذلك فقطاع النسيج مُهيّأ بشكل جيد في الهند، وهو ما يعني أن رئاسة الهند قد تفتح فرصًا كبيرة لصادرات المنسوجات والملابس إلى دول "بريكس"، والتمويل الأخضر لتمويل قطاع المنسوجات المستدامة.

في النهاية، يُمكن القول إن رئاسة الهند لـ "بريكس" في عام 2026 محطة مفصلية في مسار التكتل وموقع الهند داخل النظام الدولي، إذ تمنح هذه الرئاسة الهند فرصة فريدة؛ لتعزيز نفوذها الجيوسياسي، وتوجيه أجندة التكتل نحو أولويات التنمية، والتحول الرقمي، وإصلاح المؤسسات الدولية، بما يتماشى مع صعود القوى الاقتصادية الناشئة.

وفي السياق ذاته، تسهم رئاسة الهند في تعزيز دور "بريكس" كمحرك مهم للنظام متعدد الأقطاب، خاصة مع توسع التكتل وزيادة وزنه الاقتصادي والديموغرافي، ولكن تحقيق هذه المكاسب يرتبط بقدرة الهند على إدارة التحديات الداخلية داخل التكتل، والتوازن بين علاقاتها مع القوى التقليدية والاقتصادات الصاعدة، والعمل على تفعيل المبادرات بشكل عملي يُحقق نتائج ملموسة.

وبذلك، فإن رئاسة الهند لـ "بريكس" ليست مجرد حدث دبلوماسي، بل لحظة إستراتيجية يُمكن أن تُعيد صياغة خريطة التعاون الدولي، وتُعزز مكانة الهند كقوة صاعدة قادرة على قيادة الحوار العالمي نحو تنمية أكثر عدالة وشمولًا، وتدعم في الوقت نفسه مسار التحول الاقتصادي لدول التكتل بأكمله.