تجربة فنية إنسانية خاضتها الفنانة التونسية عفاف بن محمود في فيلم "الجولة 13"، الذي عُرض ضمن مسابقة آفاق السينما العربية في النسخة 46 لمهرجان القاهرة السينمائي، الذي أسدل الستار على فعالياته مساء الجمعة، وحصدت فيه جائزة أفضل ممثلة، بعد أن نجحت في تجسيد دور أم تعيش أقسى رحلة يمكن أن تمر بها أي امرأة.
تكشف عفاف بن محمود في حوارها لموقع "القاهرة الإخبارية" عن تجربتها في فيلم "الجولة 13"، وكيف أثقلت مشاعرها، وسر بكاء الجمهور في قاعة العرض، واستقبالها الفوز بجائزة أفضل ممثلة في مسابقة آفاق السينما العربية، وملامح مشروعاتها المقبلة.
قوة وضعف
تتحدث عفاف بن محمود عن دوافعها لاختيار دور الأم في فيلم "الجولة 13"، مؤكدة أن ما جذبها لتجسيد الشخصية هو سر المزيج المعقد بين القوة والضعف في آنٍ واحد، إذ تقول: "تتمتع الأم بقوة وضعف، فهي تواجه الحياة بمثابرة وإصرار، لكن يتغير الأمر عندما يكون لدينا أطفال، فالأم تمنح كل مشاعرها وروحها لابنها، وحين ترى ابنها يذبل أمامها، ولا تستطيع أن تفعل شيئًا من أجله يكون هذا أكثر ما يمزق القلب، وبالتالي فإن تعقيد الشخصية وتركيبتها الإنسانية هو ما جعلني أتشجع لخوضها، فنحن لا نصادف كثيرًا شخصية مكتوبة بهذا العمق، ورغم صعوبة الدور لكنني سعدت بخوض هذا التحدي".
وتضيف: "توجت مساء أمس في مهرجان القاهرة السينمائي بجائزة أفضل ممثلة في مسابقة آفاق السينما العربية عن هذا الدور، والحقيقة أن هذه اللحظة كانت تتويجًا لكل الجهد والمشاعر التي مررت بها وهذا الأمر أسعد قلبي وجعلني أتجاوز كل هذا الجهد".
قسوة الموت
تستعيد "بن محمود" أصعب لحظات التصوير، وتكشف أن أكثر المشاهد قسوة كان مشهد صدمة معرفة الأم بأن طفلها الذي لا يزال في مرحلة الرضاعة في طريقه إلى الموت، حيث تقول: "أصعب مشهد بالنسبة لي هو مشهد إخبار الطبيب للأم بأن ابنها سيموت، وكان هذا آخر يوم تصوير لي، وطوال أربعة أسابيع كنت أعيش حالة من الكتمان والضغط النفسي الشديد، لذلك عندما وصلنا إلى هذا المشهد شعرت أنه حقيقي جدًا، وكأنني أسمع الخبر لأول مرة، وصورناه "one shot" دون إعادة، لأن المشاعر كانت صادقة ومتدفقة".
تعتبر الممثلة التونسية أن صعوبة العمل لا تكمن فقط في أداء المشاهد، بل في التعامل مع آلام إنسانية حقيقية، وحول هذا الأمر تقول: "الأصعب في هذا النوع من الأعمال أنك تلامس وجعًا حقيقيًا تعيشه أسر كثيرة، وتجسيد هذه القسوة وتقديمها بأفضل شكل ممكن مهمة ثقيلة ومليئة بالمشاعر المؤلمة".
التجرد من الذات
وحول استعدادها لتجسيد الدور، تكشف عفاف بن محمود عن طريقتها الخاصة في التعامل مع الشخصيات، وتقول: "أنا من الممثلات اللائي يبتعدن عن شخصيتهن الحقيقية عند تجسيد أي دور، وإذا ما شعرت أن هناك خلطًا بين حياتي الحقيقية وحياة الشخصية، أشعر أنني لن أتقن الأداء، لذلك أعمل كثيرًا على تجريد نفسي من ذاتي حتى أنغمس تمامًا في الشخصية الجديدة".
تابعت الفنانة التونسية حديثها عن جوهر الفيلم، إذ تؤكد أنه لا يروي فقط مأساة طفل يحتضر، بل أسرة كاملة تتصدّع أمام فكرة الموت، وحول ذلك تقول: "الفيلم من البداية يتناول احتضار الطفل واقترابه من الموت، لكن الفكرة الأساسية أعمق، وهي كيف تتشتت العائلة وتتقسم؟.. كيف يصارع الأب والأم ليس المرض فحسب، بل الحياة نفسها من أجل البقاء؟.. الفيلم يسلّط الضوء على معاناة العائلة مع قضاء وقدر قاسٍ، وكيف يتعامل كل فرد مع هذه الضربة".
جائزة جديدة من القاهرة
وبإحساس الفخر، تسترجع الفنانة التونسية رحلتها المهنية التي قادتها إلى هذا الدور، وتقول: "هذه ليست تجربتي الأولى بالطبع، ومن فيلم إلى آخر أتعلم كيف أتعمق أكثر في المشاعر، فقبل عامين حصدت جائزة أفضل ممثلة من مهرجان القاهرة السينمائي، وها أنا أتوج للمرة الثانية بدور شديد الصعوبة، والتمثيل رسالة وتجربة قاسية، لأنك في كل مرة تدخل روح إنسان غيرك وتعيش وجعه".
بلد السينما وجمهور الفن
تصف عفاف بن محمود لحظة عرض الفيلم لأول مرة بأنها من أصعب اللحظات إذ تقول: "العرض الأول دائمًا صعب، لأن رهبة الجمهور حقيقية، وكنت خائفة جدًا، لكن عندما رأيت تفاعل الجمهور وبكاء البعض خلال المشاهد.. شعرت بالراحة، وهذا يعني أن الأحاسيس ورسالتنا إلى الناس قد وصلت، كما أن ردود الفعل الإيجابية أسعدتني كثيرًا".
وتختتم الفنانة التونسية حديثها بفخر تجاه مشاركتها في إحدى أهم المهرجانات في الشرق الأوسط، قائلة: "هذه ليست مشاركتي الأولى في مهرجان القاهرة السينمائي، وهو مهرجان عريق أعتزّ بالظهور فيه دائمًا، وتتويجي فيه شرف كبير لي، ومصر بلد السينما والفن وكبار النجوم".