في رحلة تمتد بين الذاكرة الفلسطينية وآفاق السينما العالمية، حلت الفنانة القديرة هيام عباس ضيفة على مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، حيث احتفى المهرجان بمسيرتها التي تخطّت حدود المكان ولامست وجدان جمهور واسع عبر أعمال حملت صدقًا إنسانيًا وعمقًا فنيًا نادرًا، والتي حصدت جائزة الهرم الذهبي لإنجاز العمر.
وفي إطار فعاليات "أيام القاهرة لصناعة السينما"، جاءت الجلسة الحوارية بعنوان "رحلة بلا حدود في عالم التمثيل والإخراج" لتكشف جوانب محورية من تجربتها الاستثنائية، ومسارها الذي جمع بين جرأة المرأة الفلسطينية وقوة المبدعة التي اختارت أن تحوّل الألم والذاكرة إلى فن خالد.
اكتشفت الطفلة بداخلي
استعادت هيام عباس ذكريات دخولها الأول إلى عالم التمثيل، مؤكدة أنها لم تكن تعرف ما الذي تريده في طفولتها قبل أن يوقظ مسرح المدرسة شغف الفن بداخلها.
وروت كيف جسدت دور الأم التي تحتضن ابنها الشهيد، وهو الدور الذي ترك فيها أثرًا وجدانيًا بالغًا، وجعلها تدرك لاحقًا أنها تريد تعميق موهبتها والوقوف أمام الجمهور لتعبّر عما بداخلها.
وقالت عباس: "أنا لم أحلم يومًا بالسفر إلى أوروبا لأصبح ممثلة، لكنني غادرت لاستنشاق مساحة من الحرية، في وقت لم يكن فيه الطريق سهلاً أمام امرأة تسعى إلى تحقيق ذاتها".
خوض معارك
تحدثت عباس عن رحلتها إلى لندن وما واجهته فيها من صعوبات، موضحة أن أبوابًا كثيرة أُغلقت في وجهها، وأنها احتاجت إلى خوض معارك جديدة حتى تملك مساحتها الخاصة.
وقالت: "في أوروبا، لم يسألني أحد لماذا اخترت هذا الطريق، ومنحني ذلك فرصة لأعيد اكتشاف نفسي".
العودة إلى فلسطين
وعن مشاركتها في فيلم "وداعًا طبريا" لابنتها المخرجة لينا سويلم، أكدت أن العودة كانت من أصعب القرارات وأكثرها تأثيرًا عليها، لتكشف عن تجربتها فيه، إذ قالت: "كان لدي خوف كبير من عدم قدرة الفيلم على توصيل الفكرة التي نريدها، وحرصنا على إظهار تأثير نساء العائلة على بعضهن، وشعرت أن من واجبي أن أشارك في الفيلم خدمة للذاكرة الجماعية للأسرة".
تجربة الأمومة
وتطرقت عباس إلى سنوات إقامتها في فرنسا مع زوجها، مشيرة إلى أنها لم تكن تتحدث الفرنسية في البداية، لكنها أصرت على مواجهة العائق اللغوي.
وأضافت: "هناك قررت أن أكون أمّا، وهذا مشروع خاص ومهم بالنسبة لي، والأمومة ليست جزءًا من حياة ممثلة، بل جزء من حياة امرأة".
ورغم تحديات اللغة، واصلت المثابرة حتى أتقنت الفرنسية لاحقًا وشاركت في عدة أفلام ناطقة بها.
أكدت عباس أن هويتها الفلسطينية تشكل جزءًا متجذرًا من شخصيتها الفنية، وأنها تعمل دائمًا على اختيار أدوار تحمل المصداقية الكافية للتعبير عن قضيتها.
وقالت: "الأعمال الفنية يجب أن تكون مركبة مثل الحياة نفسها، وأنا أختار دوري على أساس مدى انتمائي إلى هوية الشخصية وقدرتي على أن أكون داخلها".
تكريم "باب الشمس"
استعادت عباس تجربتها في فيلم "باب الشمس" للمخرج يسري نصر الله، مؤكدة أن علاقتها بالدور كانت عميقة، حيث شعرت بقرب الشخصية منها، إذ قالت: "كنت أُكرّم من خلال هذا الدور جدي الذي خسر منزله وأرضه مثل شخصية الفيلم، وقد فقد عقله ورحل بعد فترة من الواقعة. شعرت أن أداء الدور واجب إنساني وفني".
المرأة في السينما
شددت عباس على أهمية التعاون مع النساء المبدعات، معتبرة أن المرأة العربية اليوم تواجه تحديات أكبر مما مضى. وأكدت أن جزءًا من مشروعها الفني يقوم على البقاء حاضرة في العالم العربي، وتقديم أعمال جريئة تتناول قضايا شائكة، وأضافت أنها تسعى لأن تكون "صوتًا لمن لا صوت لهم".
تحرص هيام على تقديم روايات تحمل الذاكرة الفلسطينية، لتصبح صوتًا عربيًا مؤثرًا وجسرًا يعبر بين الثقافات، مقدمة فنًا صادقًا ينطلق من الجذور ليصل إلى العالم، فهي واحدة من أبرز الوجوه العربية في السينما العالمية إذ قدمت أعمال مميزة مثل "العروس السورية" و "غزة مون أمور" و "الزائر"، وقدرتها على المزج بين الحس الإنساني والقوة الدرامية.
كما تمتد مسيرتها إلى الإخراج من خلال أعمال لافتة أبرزها فيلم "الميراث"، إلى جانب مشاركتها في أعمال عالمية بارزة مثل المسلسل الشهير Succession الحائز على جوائز مهمة.