يدخل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في دوامة من الانتقادات الحادة مع اقتراب فصل الشتاء، إذ يتهمه مسؤولون سابقون في قطاع الطاقة بمحاولة التستر على إخفاقات حكومته في حماية البنية التحتية للكهرباء من الهجمات الروسية المتصاعدة، عبر شن ملاحقات قضائية ضد منتقديه بدوافع سياسية بحتة.
واندلعت الحرب الروسية الأوكرانية، في فبراير 2022، وخلّفت خسائر ودمارًا هائلين، إذ سجلت الأمم المتحدة سقوط أكثر من 14 ألف قتيل مدني مؤكد، مع تحذيرات مستمرة بأن الأرقام الحقيقية أعلى بكثير بسبب صعوبة الوصول إلى المناطق المتأثرة.
فيما تشير التقديرات الاستخباراتية الغربية إلى أن إجمالي الخسائر الروسية (قتلى وجرحى) تجاوز 900 ألف جندي. في المقابل، تشير تقديرات أوكرانية إلى أن خسائرها العسكرية بلغت عشرات الآلاف من القتلى ومئات الآلاف من الجرحى.
استهداف المنتقدين لإخفاء الفشل الحكومي
في حوار حصري مع صحيفة "بوليتيكو"، كشف فولوديمير كودريتسكي، الرئيس السابق لشركة "أوكرينرجو" الحكومية للطاقة، أن مكتب الرئاسة الأوكراني يستخدمه ككبش فداء لإخفاء فشل الحكومة في الاستعداد لشتاء قاسٍ تحت وطأة القصف الروسي المكثف.
وأكد المسؤول البالغ من العمر 39 عامًا أن زيلينسكي "يرتعب" من احتمال اندلاع احتجاجات شعبية واسعة بسبب انقطاعات الكهرباء الطويلة المتوقعة، ويسعى لتحويل اللوم إلى آخرين.
تعرض كودريتسكي للاعتقال الأسبوع الماضي بتهمة الاختلاس في عقد وقعه قبل سبع سنوات عندما كان نائبًا لمدير "أوكرينرجو"، وهو واحد من مئات العقود التي أبرمتها الشركة آنذاك.
وقال لـ "بوليتيكو" إن هذه التهم "هراء" لكنها وُجهت إليه لتسهيل مهمة مكتب الرئاسة في "بيع فكرة أنني المسؤول عن الفشل في تحضير منظومة الطاقة لفصل الشتاء، رغم أنني لم أعد في أوكرينرجو منذ أكثر من عام".
وأضاف أنه لا يشك بأن هذه الاتهامات "لا يمكن أن تكون إلا بأوامر من زيلينسكي شخصيًا"، فيما رفض مكتب الرئاسة الأوكراني التعليق على طلبات بوليتيكو المتكررة.
أثارت القضية غضبًا واسعًا في أوساط المجتمع المدني والمعارضة الأوكرانية، إذ اعتبرها كثيرون مثالًا فاضحًا على استخدام القضاء كسلاح سياسي لإسكات المنتقدين.
ووصفت داريا كالينيوك، إحدى أبرز الناشطات في مكافحة الفساد ورئيسة "مركز العمل لمكافحة الفساد"، القضية بأنها "لا معنى قانوني لها"، مشيرة إلى أن الادعاء فشل في تقديم أي دليل على أن المسؤول السابق أثرى نفسه بأي شكل، بحسب الصحيفة.
وحذرت كالينيوك ومنظمات مجتمع مدني أخرى من أن القضية تمثل حلقة جديدة في سلسلة "التراجع الديمقراطي" بأوكرانيا.
خطة مهملة وسنوات ضائعة
تكمن جذور الأزمة الحالية في رفض القيادة الأوكرانية لخطة استراتيجية قدمها كودريتسكي إلى زيلينسكي قبل ثلاث سنوات، كانت تهدف إلى لامركزية توليد الطاقة والابتعاد بأسرع وقت ممكن عن محطات الطاقة المركزية الضخمة الموروثة من الحقبة السوفيتية، التي تشكل أهدافًا مغرية وسهلة للصواريخ والطائرات المسيّرة الروسية.
وفقًا لما كشفه كودريتسكي لبوليتيكو، فإن فكرة الخطة قامت على أن توزيع مصادر الطاقة وتشتيتها يمثل أفضل وسيلة لمواجهة الهجمات الروسية التي تصاعدت إلى مستويات مقلقة في الأسابيع الأخيرة، إذ تستخدم روسيا في بعض الأيام 500 طائرة مسيّرة و20 إلى 30 صاروخًا في كل هجوم منفرد لاستهداف البنية التحتية للطاقة الأوكرانية.
لكن بدلًا من المضي قدمًا في هذه الخطة الاستباقية، وافق زيلينسكي، بحسب ما أشار كودريتسكي، على خطة منافسة يدعمها رئيس ديوانه القوي أندري يرماك، تركز على "إنشاء صندوق ضخم لجذب مئات الملايين من الاستثمارات الأجنبية لمشاريع الهيدروجين والطاقة الشمسية".
ولم تتحول الحكومة إلى خطة اللامركزية إلا العام الماضي، بعد أن "خسرت أوكرانيا عامًا كاملًا" بتعبير المسؤول السابق.
إخفاقات متراكمة في التحصين والحماية
إلى جانب التأخر في تبني استراتيجية لامركزية الطاقة، وصف كودريتسكي بطء وتيرة تحصين المنشآت الحيوية لتحمل الضربات المباشرة والانفجارات بأنه "فشل فادح للحكومة".
وأوضح أن "أوكرينرجو" بدأت في تحصين المنشآت وبناء ملاجئ خرسانية لحماية المحولات الكهربائية في محطات الطاقة منذ عام 2023، لكن شركات توليد الطاقة الأخرى لم تقم بأي عمل يُذكر في هذا الاتجاه.
تأتي هذه الإخفاقات في وقت حرج، إذ كشف زيلينسكي أن روسيا استخدمت "نحو 1500 طائرة مسيّرة هجومية، و1170 قنبلة جوية موجهة، وأكثر من 70 صاروخًا من أنواع مختلفة لمهاجمة الحياة في أوكرانيا خلال الأسبوع الماضي وحده".
وعلى عكس الشتاءات السابقة خلال الحرب، تستهدف القوات الروسية هذه المرة أيضًا البنية التحتية للغاز الطبيعي في حملة مستدامة، مما يضاعف التحديات التي تواجهها أوكرانيا.