تصاعد عنف المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة، ضد الفلسطينيين أصحاب الأرض، ووصل إلى مستويات غير مسبوقة، خلال العامين الماضيين، في الوقت الذي كان جيش الاحتلال يشن "حرب الإبادة" على غزة.
وذكرت صحيفة" هآرتس" العبرية، أن العامين الماضيين شهدا عنفًا إسرائيليًا جامحًا في قطاع غزة، لكن في الضفة الغربية أيضًا، عانى الفلسطينيون نصيبهم.
وقالت الصحيفة إن المستوطنين الإسرائيليين يمارسون كل أنواع العنف في كل مكان بالضفة الغربية المحتلة، بالتنسيق مع جميع قوات الاحتلال، سواء كانت قوات الجيش أو الشرطة أو حرس الحدود أو جهاز الأمن العام (الشاباك) أو مصلحة السجون الإسرائيلية أو منسقي أمن المستوطنات.
وأضافت الصحيفة أنه غالبًا ما يحمل هؤلاء المستوطنون العصي والأنابيب المعدنية والحجارة، بينما يحمل آخرون أسلحة نارية، ووصفتها بأنها ميليشيات تعمل خارج نطاق القانون، لكنها تعمل تحت حماية السلطات الإسرائيلية.
تابعت: "أحيانًا، يتولى المستوطنون زمام المبادرة، بينما تتبعهم القوات الإسرائيلية، وتوفر لهم الغطاء، وأحيانًا يكون العكس، لكن النتيجة واحدة دائمًا".
في الأشهر الأخيرة، وبشكل أكثر عدوانية في الأسابيع الأخيرة، منذ بدء موسم قطف الزيتون، يسجل العنف الإسرائيلي المدبر والمنظم في الضفة الغربية المحتلة أرقامًا قياسية جديدة، وهكذا كان العنف المدمر في دوما وسلواد ونور شمس والمعرجات وكفر مالك ومغير الدير، حتى قبل بدء موسم الحصاد، وهذا هو مصير المجتمعات الريفية الفلسطينية التي تواجه بمفردها المعاقل الإسرائيلية على الحدود.
وسردت "هآرتس" ما حدث فيما وصفته بمذبحة جبل الباطن شرقي رام الله، في 11 يوليو 2025، حين استشهد الفلسطيني محمد الشلبي على يد حشد من المستوطنين الذين لاحقوه في شاحنة رمادية، وعُثِر على جثته بعد ساعات، مصابًا برصاصة في ظهره، وعليها آثار عنف وحشي.
وكان هذا أيضًا حال سيف الدين مسلط، الذي تعرض لنفس الاعتداء من المستوطنين، ونجح في الفرار لبعض الوقت، ثم انهار ومات في النهاية، إذ ظل فاقدًا للوعي يحتضر لساعات، برفقة صديق لم يتمكن من انتشاله، بينما كانت مجموعات من المستوطنين والجنود الإسرائيليين تملأ التلال، لا تزال تبحث عن فريسة.
وسبق تلك الأحداث اجتياح مجموعة من المستوطنين الإسرائيليين قرية الباطن، فتقدمت مجموعة من الشباب الفلسطينيين من قريتي سنجل والمزرعة الشرقية المجاورتين لصدهم.
في البداية، سيطر الفلسطينيون على الوضع، وتم صد المتسللين قليلًا، لكن بعد فترة وجيزة، وصلت تعزيزات إسرائيلية على شكل شاحنة "بيك أب" رمادية اللون تحمل عددًا من المسلحين الملثمين والمسلحين بهراوات شرطة سوداء ووجهوا الضربات للفلسطينيين، قبل اعتقالهم من قبل جنود الاحتلال.
ذكرت "هآرتس" أن اعتداءات المستوطنين حوَّلت موسم قطف الزيتون إلى حدث يشوبه الحذر وكارثة وشيكة.
وروت الصحيفة أن عشرات الجنود الإسرائيليين داهموا منزل ربيع أبو نعيم، وهو ناشط رئيسي وأحد منسقي حملة "زيتون 2025"، في ليلة بدء الحصاد، ووضعوه رهن الاعتقال الإداري.
وربيع من قرية المغير، شرقي رام الله، وهي بؤرة ساخنة لأسوأ أعمال العنف التي ترتكبها الميليشيات والقوات العسكرية الإسرائيلية على حد سواء، فهناك استشهد محمد وسيف، وهناك سقط أبناء سنجل ودير جرير وكفر مالك وسلواد.
في المغير، اقتلع الجيش الإسرائيلي مؤخرًا 8500 شجرة، وأكملت مجموعات من المستوطنين الذين نزلوا من التلال ليلًا العمل باقتلاع مئات الأشجار على الجانب الآخر من القرية.
وفي جوريش بمحافظة نابلس شمالي الضفة الغربية، اعتدى الإسرائيليون بالهراوات على حصادي الزيتون، ومنعوهم من الوصول إلى بساتين أراضيهم. وتعرض الحصادون من عقربا، الواقعة في المنطقة نفسها، شمال شرقي نابلس، لاعتداءات مماثلة، وفي دوما منع الجنود الحصادين من الوصول إلى أراضيهم، بدعوى أن دخول تلك المناطق يتطلب تنسيقًا أمنيًا.
في خربة يانون، سرق المستوطنون ثمار الزيتون التي قطفها أصحاب الأراضي، وطردوهم من أراضيهم، وفي قرية دير استيا، اعتدت مجموعة أخرى من الإسرائيليين على فلسطينيين كانوا يقطفون الزيتون قرب أحد الطرق، لكن محاولة طردهم باءت بالفشل، وفي قرية كفر ثلث هاجم الإسرائيليون قاطفي الزيتون والرعاة الفلسطينيين، وذبحوا عددًا من الماعز.
إضافة إلى ذلك، أطلق المستوطنون القادمون من التلال ذخيرة حية على مزارعي فرعتا الذين كانوا يقطفون الزيتون في أراضيهم، وساند الجنود المهاجمين ولم يتدخلوا.
علاوة على ذلك، داهم الجنود والمستوطنون على حد سواء القرية نفسها لاحقًا، وفي كوبر -مسقط رأس القائد الفلسطيني المعتقل مروان البرغوثي- اعتقل الجنود الإسرائيليون قاطفي الزيتون الذين كانوا يعملون في بساتينهم.
بلغت ذروة الكارثة في ذلك اليوم نفسه في بلدة بيتا، جنوبي نابلس، التي يقطنها ما يقرب من 20 ألف نسمة، والمعروفة بتقاليدها العريقة في مقاومة الحكم الإسرائيلي، ففي يوم الجمعة الموافق 10 أكتوبر، انطلق نحو 150 مزارعًا معًا لقطف الزيتون بالقرب من بؤرة استيطانية جديدة أُقيمت في المنطقة، حيث تعرضوا لاعتداءات من المستوطنين في سلسلة من الحوادث شملت إطلاق النار والضرب وإشعال الحرائق وتحطيم زجاج السيارات ونوافذها.
وفي برقة، قرب رام الله، هاجم جنود إسرائيليون ومستوطنون قاطفي الزيتون نزلوا من جهة بؤرة جفعات أساف الاستيطانية، وأطلقوا الذخيرة الحية، وسرقوا المعدات والفاكهة التي قُطفت، ومنعوا أصحاب الأراضي من الوصول إلى أراضيهم دون تصريح.
في قرية المغير، قطعت عصابة من المستوطنين -نزلت من التل تحت جنح الليل وتحت الحصار العسكري المفروض على البلدة- 150 شجرة.
في خربة يانون، اكتشف السكان جذوع أشجار، وفي اللبن الشرقية قرب نابلس، وترمسعيا قرب رام الله، سرق المستوطنون ثمار الزيتون المحصودة من أصحابها. وفي برقة، قُطعت نحو 300 شجرة، وأصبح 12 دونمًا (3 أفدنة) من الأراضي الزراعية غير صالحة للزراعة.
وفي بورين، هاجم مستوطنون من بؤرة جفعات رونين الاستيطانية قاطفي الثمار، على مرأى من جنود الاحتلال المنتشرين في المنطقة. وفي دوما أطلق إسرائيليون النار على عمال كانوا يبنون طريقًا ترابيًا يؤدي إلى البساتين بالتنسيق مع الإدارة المدنية التابعة للحكومة العسكرية. وفي قرية نعمة، هاجم مسلحون إسرائيليون المزارعين ونهبوا ما قطفوه.
يوم الجمعة قبل الماضي 17 أكتوبر، هاجمت مجموعات من الإسرائيليين الحصادين في عدة مواقع وعلى مدار ساعات في بلدة سلواد شرقي رام الله، حيث وصلت قوة عسكرية إلى الموقع وطردت أصحاب الأرض، لكن دون المتسللين الذين حاولوا في تلك الأثناء سرقة أكياس الزيتون واعتدوا على الناس جسديا.
وانهال مستوطنون ملثمون مسلحون بالهراوات على رأس امرأة فلسطينية مسنة في ترمسعيا، وهي تعاني من نزيف داخلي في الجمجمة، وهي الآن في مستشفى برام الله.
وتوقعت "هآرتس" أن تستمر هجمات المستوطنين على الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، مشيرة إلى أن موسم قطف الزيتون لا يزال في بدايته.
ولفتت الصحيفة إلى أن هذه ليست قصة عنف وتهجير فحسب، بل هي أيضًا قصة صمود فلسطيني، وتشبث بأرضه، ورفضه الاستسلام أو التنازل.