في أجواء ساحرة امتزج فيها الفن بالإنسانية، انطلقت فعاليات النسخة الثامنة من مهرجان الجونة السينمائي الدولي، وسط حضور لافت من نجوم السينما المصرية والعربية والعالمية، لتتحول ساحة المهرجان إلى لوحة مضيئة تجمع بين عبق الفن وروح الإنسانية لم تقتصر فقط على السجادة الحمراء، بل امتدت إلى حفل الافتتاح، الذي شهد فقرات متنوعة وجذابة، وكذلك إعلان تفاصيل المهرجان الذي يشير إلى أننا أمام دورة ثرية.
تكريم الراحلين
على الرغم من الأجواء المبهرة التي شهدها المهرجان إلا أن إدارته لم يفوتها توجيه رسالة حب ووفاء لعدد من رموز الفن الذين رحلوا، من خلال فيديو خاص استعاد وجوهًا تركت بصمتها الخالدة في ذاكرة السينما العربية. وفي لحظات امتزجت فيها الدموع بالفخر، ظهر على الشاشة أسماء كبار مثل لطفي لبيب، مدير التصوير تيمور تيمور، المخرج سامح عبدالعزيز، الفنان سليمان عيد، وسميحة أيوب، لتبقى ذكراهم حاضرة في قلوب عشاق الفن السابع.
جائزة الإنجاز الإبداعي
شهد الحفل تكريم الفنانة منة شلبي بجائزة الإنجاز الإبداعي، التي قدمتها لها النجمة يسرا وسط تصفيق حار من الحضور.
وفي كلمة مؤثرة، عبّرت منة عن امتنانها قائلة: "منذ 25 عامًا، منحني الله موهبة تجعلني أقترب من الناس وأشعر بهم بمختلف طبقاتهم، وهذه منحة إلهية. كنت محظوظة بالعمل مع أساتذة كبار مثل محمود حميدة، إلهام شاهين، محمود عبدالعزيز، وليلى علوي، وتعلمتُ أن مهنتنا جمال وجهد وإخلاص، ولم أكن لأصل إلى هنا لولا كل مخرج صدق موهبتي وكل شخص وراء الكاميرا".
واختتمت كلمتها بإهداء الجائزة إلى المخرج الراحل رضوان الكاشف، وإلى والدتها التي علمتها الطموح والثقة والصبر.
عمرو منسي: السينما تجمعنا
بدوره؛ رحّب عمرو منسي، المدير التنفيذي والمؤسس الشريك لمهرجان الجونة، بضيوف المهرجان، قائلًا: "يسعدني أن أرحب بجميع ضيوفنا المميزين وصنّاع السينما ومحبي الفن.. إنه لشرف أن نحتفي معًا بانطلاق الدورة الثامنة".
وأشار إلى أن المهرجان هذا العام يتزامن مع حدثين كبيرين في مصر، هما قمة السلام في شرم الشيخ والافتتاح المرتقب للمتحف المصري الكبير، مؤكدًا أن الفن والثقافة دائمًا يجدان لحظتهما المناسبة.
وأوضح أن الدورة الجديدة تقدّم تجربة ثقافية متكاملة تضم أفلامًا حائزة على جوائز عالمية مثل السعفة الذهبية، الأسد الذهبي، والدب الذهبي، إضافة إلى 5 أفلام تمثل الترشيحات الرسمية لبلدانها للأوسكار.
كما أعلن منسي شراكة مميزة مع منصة Netflix التي تعرض ضمن الفعاليات فيلم فرانكشتاين، مشيرًا إلى استمرار دعم منصة "سيني جونة" للمواهب الشابة، إذ استقبلت هذا العام أكثر من 290 مشروعًا سينمائيًا، العدد الأكبر في تاريخها.
واختتم كلمته بتأكيد استمرار التعاون مع الأمم المتحدة وبرنامج الأغذية العالمي، دعمًا للقضايا الإنسانية الكبرى.
ساويرس: السينما لغة الإنسانية
في كلمته، قال المهندس نجيب ساويرس، مؤسس المهرجان: "نواصل رحلتنا تحت شعارنا الدائم: سينما من أجل الإنسانية"، آمنا منذ البداية أن السينما ليست مجرد فن، بل لغة عالمية تكشف جوهر الإنسان وتعكس آلامه وأحلامه، وتمنحه القدرة على تخيّل واقعٍ أكثر عدلًا ورحمة".
وأكد فخره بتحوّل مهرجان الجونة إلى منارة ثقافية وملتقى تتلاقى فيه الرؤى وتولد الأفكار من قلب الإبداع.
أما المهندس سميح ساويرس، مؤسس مدينة الجونة، فقال في كلمته: "منذ 35 عامًا، كانت هذه الأرض صحراء، واليوم نقف هنا لنحتفل بدورة جديدة من المهرجان الذي أصبح جزءًا من هوية الجونة الثقافية".
وشدّد على أن مصر كانت وستظل رائدة في الفن والإبداع والقوة الناعمة، وأنها تواصل إلهام العالم بإبداعها.
ماريان خوري: الفن لا يُحتل
من جانبها؛ عبّرت ماريان خوري، المديرة الفنية للمهرجان، عن فخرها بالمشاركة في هذه الدورة، قائلة: "المهرجان يواصل مسيرته رغم كل التحديات، مقدّمًا برنامجًا ثريًا بالأفلام والنقاشات والمعارض ودعم مشروعات الشباب".
وأشادت بعودة برنامج "نافذة على فلسطين"، الذي يمنح صنّاع السينما في غزة مساحة للتعبير عن قصصهم، مؤكدة أن "الفن لا يُحتل، والحلم يظل ممكنًا مهما كانت الظروف".
كما احتفت بمسيرة النجمة يسرا من خلال معرض خاص يسلّط الضوء على رحلتها الفنية، وختمت بتكريم المخرج الكبير يوسف شاهين في مئويته، مع عرض فيلمه إسكندرية كمان وكمان، الذي يجسد فلسفته بأن "الحب هو المحرك الأساسي لتاريخ الإنسانية".
طه دسوقي.. فقرة ساخرة من الواقع
أضفى الفنان طه دسوقي أجواءً من البهجة والمرح من خلال فقرة كوميدية على خشبة المسرح، محاطًا بديكور منزلٍ رمزي، تحدث فيها عن السحر الكامن في عالم السينما ومسؤولية الفنان تجاه جمهوره، قائلًا بسخرية: "أصبحنا نقرأ عناوين غريبة مثل: خبر عاجل.. أول ظهور لزوجة طه دسوقي، وكأنها لسه مولودة في المحل!".
وأكد أن السينما بيت يعيش فيه الفنانون مشاعر حقيقية وإنسانية، تمامًا كما يجسد شعار المهرجان: سينما من أجل الإنسانية.
قدّمت الفنانة لي لي فقرة غنائية استثنائية جمعت بين الروح العالمية والمصرية، إذ أدّت مجموعة من أشهر أغاني الأفلام مثل Nessun Dorma La Vie en Rose، Volare، Jai Ho، إضافة إلى موسيقى أفلام تيتو ومافيا.
وشاركتها الغناء الطفلة عائشة السويدي، بينما أضافت المقاطع الصوتية، التي قدّمها إيهاب شاوي عمقًا إنسانيًا وفلسفيًا، عبّر عن جوهر الحكاية السينمائية ورحلة الإنسان في بحثه عن ذاته والجمال.
رسالة مؤثرة
اختُتم الحفل برسالة مؤثرة قدّمها الإعلامي أنس بوخش، دعا فيها إلى التمسك بالقيم الإنسانية التي توحّد البشر، قائلًا: "ما يجمعنا أقوى من المسافات والاختلافات، فالفن مرآة الإنسانية التي توحّدنا جميعًا".
لتضيء بعدها الألعاب النارية التي صممها الفنان أحمد عصام سماء الجونة، معلنةً انطلاق الدورة الثامنة من المهرجان وسط تصفيق الحضور وإشراق الفن من جديد على شاطئ البحر الأحمر.