بعد الاتفاق على إنهاء الحرب على قطاع غزة، واتجاه أنظار العالم نحو مدينة شرم الشيخ انتظارًا لتوقيع الاتفاق بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، والقمة المزمع عقدها لعددٍ من قادة العالم، والتي تستضيفها مدينة شرم الشيخ برئاسة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ونظيره الأمريكي دونالد ترامب، تسعى تل أبيب لاستعادة الودّ المفقود مع أوروبا؛ بسبب الجرائم التي ارتكبها جيش الاحتلال.
وكانت إسرائيل قد خسرت جزءًا كبيرًا من الدعم الأوروبي بسبب جرائم الإبادة العِرقية والانتهاكات ضد الفلسطينيين، بل تبدو المسافة بين أوروبا وإسرائيل الآن أكبر من أي وقتٍ مضى، حسب وصف تقرير لصحيفة "هآرتس" العبرية.
باستثناء المجر، يعرّض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نفسه للخطر إذا وطأت قدماه الأراضي الأوروبية، بسبب مذكرة التوقيف الصادرة بحقه من المحكمة الجنائية الدولية، كما أن طريق الوزيرين اليمينيين المتطرّفين، إيتمار بن جفير وبتسلئيل سموتريتش، إلى أوروبا مسدودٌ أيضًا بسبب العقوبات المفروضة عليهما من قِبَل دولٍ مختلفة، بما في ذلك حظرٌ كاملٌ على دخولهما إلى دول منطقة شنجن.
أيضًا، فُرضت عقوبات على بعض المستوطنين الإسرائيليين المتطرّفين، وتراجع الدعم الاقتصادي الرمزي الأوروبي لإسرائيل، وتلوح عقوباتٌ أخرى من الاتحاد الأوروبي أو بعض أعضائه في الأفق على أبواب تل أبيب.
وتلفت الصحيفة إلى أن خطر إلغاء اتفاقية التجارة الحرة مع أوروبا، أكبر شريكٍ تجاري لإسرائيل، كان حقيقيًا للغاية مؤخرًا، ولكنه يبدو الآن أنه قد انحسر، فبمجرد انتهاء الحرب في غزة وتوقّف صور الموت والجوع في القطاع عن الظهور، ستفقد العصا الغليظة التي لوّح بها الاتحاد الأوروبي أمام أعين إسرائيل أهميتها".
التعايش السلمي
عند السؤال حول إمكانية إصلاح العلاقات بين أوروبا وإسرائيل، تباينت ردود دبلوماسيي الدول المختلفة حول ذلك، إذ تنقل "هآرتس" عن دبلوماسي فرنسي، رأيه أنه من الصعب تصديق أن العلاقة غير الرسمية بين البلدين ستكون سهلة الإصلاح على المدى القريب، وأشار إلى أن عدد الشركات والوفود الفرنسية التي كانت تزور إسرائيل في الآونة الأخيرة يتناقص باستمرار، ويعود ذلك جزئيًا إلى عدم رغبتهم في التقاط صور مع شركات أو رموز إسرائيلية، ومن غير المرجّح أن يعودوا إلى "الوضع الطبيعي" قريبًا.
بالمثل، تدهورت العلاقات الشخصية بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى أدنى مستوياتها، وما دام الزعيمان في السلطة، فلا يبدو أن رأب الصدع الكامل يلوح في الأفق، وفق التقرير.
وأكد دبلوماسي أوروبي آخر أن أوروبا عازمة على ضمان تنفيذ إسرائيل ليس فقط للمرحلة الأولى من خطة ترامب، بل أيضًا للمرحلة الثانية، مضيفًا: "من الضروري ضمان بدء عملية تُفضي في نهاية المطاف إلى التعايش السلمي بين الشعبين، أيًّا كان نموذج التعايش، ومن المرجّح أن يكون نموذج الدولتين".
ويرى دبلوماسي ثالث أنه "من منظور دبلوماسي، لا يمكن استعادة العلاقات مع إسرائيل إلا بعد معالجة أسس المشكلة، وهذا يعني حلّ الدولتين"، مؤكِّدًا أهمية اجتماع وزراء خارجية الدول الأوروبية والعربية في باريس، والذي عزَّز الاتجاه الذي تريد أوروبا والشرق الأوسط أن تتقدّم فيه الأمور.
قال: "هناك تغيير كبير في الشرق الأوسط، لا يرى المسؤولون في واشنطن إلا مصالحهم الخاصة، وإسرائيل ليست قوية بما يكفي، ولا تستطيع منافسة العرب الذين لديهم الكثير ليقدّموه".
لا عودة للماضي
في إسرائيل، تُستخدم عبارة "لا عودة إلى السادس من أكتوبر" للدعوة إلى الوحدة، أو لتحدّي الافتراض السائد قبل السابع من أكتوبر، بأن حماس لم تُشكّل خطرًا كبيرًا على إسرائيل، وقد تبنّى دبلوماسيون أوروبيون هذه العبارة أيضًا، ولكن بمعنى مختلف تمامًا.
هكذا، وفقًا للدبلوماسيين الثلاثة، حتى لو مُنحت إسرائيل مهلةً لحلّ المشكلة في غزة، فليست هناك نية للتغاضي عن عنف المستوطنين أو توسيع المستوطنات والضمّ الفعلي في الضفة الغربية، وهذا أيضًا في ضوء الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية العام الماضي، الذي قضى بعدم قانونية الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية.
وبما أنه من غير المتوقع أن تتغيّر الحكومة الحالية في إسرائيل في وقتٍ قريبٍ، فإن قلّة من أفراد المجتمع الدبلوماسي الأوروبي يعتقدون أن إصلاحًا حقيقيًا وعميقًا للعلاقات مع إسرائيل سوف يأتي في المستقبل القريب.
وقال أحدهم: "مع كل هذه المظاهرات والتعاطف مع الفلسطينيين والدعوة إلى العدالة، لا أعتقد أن هناك أملًا في حدوث تغييرٍ في العلاقات ما دامت هذه الحكومة، بهذا الخطاب، في السلطة".