يطلق عليها أحيانًا اسم "الجسيمات الشبحية"، نظرًا لغموضها الشديد. فالنيوترونات، تلك الجسيمات دون الذرية، لا تزال تحير عقول علماء الفيزياء منذ اكتشافها، إذ يصعب رصدها أو فهم طبيعتها بالكامل. لكن مشروعًا علميًا ضخمًا في جنوب الصين قد يغير هذا الواقع قريبًا.
في مقاطعة قوانجدونج الصينية، يعمل الفيزيائي وانج ييفانج من الأكاديمية الصينية للعلوم، بالتعاون مع 700 عالم من مختلف أنحاء العالم، على مرصد عملاق يُعرف باسم مرصد "جيانجمن للنيوترونات" تحت الأرض. المشروع عبارة عن كرة أكريليكية ضخمة مليئة بـ20 ألف طن من "السائل اللامع"، مدفونة تحت منحدر جبلي أخضر، ومحاطة بـ45 ألف طن من المياه النقية لحمايتها من أي إشعاعات خارجية، بحسب صحيفة "ذا تايمز" البريطانية.
كيف يعمل المرصد؟
تتعرض المادة السائلة في قلب المرصد لقصف مستمر بالنيوترونات القادمة من محطتين نوويتين متساويتي البعد "يانججيانج وتايشان"، وتؤدي اصطدامات هذه الجسيمات مع البروتونات إلى إطلاق ومضات ضوئية صغيرة قابلة للرصد، بمعدل 50 ومضة يوميًا. والهدف جمع نحو 100 ألف ومضة خلال 6 سنوات، وهي فترة كافية للحصول على بيانات ذات دلالة إحصائية حول طبيعة النيوترينوات وكتلتها.
حلم "باولي" يتحقق
وكان الفيزيائي النمساوي فولفجانج باولي أول من تنبأ بوجود النيوترونات عام 1930، لكنه سخر من نفسه وقتها قائلًا: "ارتكبت خطأ فادحًا، اخترعت جُسيمًا لا يمكن رصده"، حتى إنه راهن بصندوق شمبانيا على استحالة اكتشافها.
وبعد 25 عامًا، خسر "باولي" الرهان مع إثبات وجودها تجريبيًا. واليوم، يأتي مشروع "جيانجمن للنيوترونات" كخطوة جديدة لإثبات استنتاجات فيزيائية لم تلاحظ مباشرة من قبل.
تعاون عالمي
ورغم أن المشروع يقام على الأراضي الصينية، فإنه يجسد تعاونًا دوليًا واسعًا، إذ يشارك فيه علماء من أوروبا وروسيا وتايوان، فضلًا عن باحثين من جامعة وارويك البريطانية. وتعمل الولايات المتحدة واليابان تعملان حاليًا على مشروعات منفصلة للنيوترونات، لكن الصين استطاعت بفضل خفض التكاليف أن تُنجز مشروعها بتكلفة 300 مليون دولار فقط، مقارنة بمليار دولار لمشروع ياباني و3.5 مليار دولار لمشروع أمريكي مماثل في مينيسوتا.
وأوضح وانج أن انخفاض تكاليف البناء المدني في الصين، إضافة إلى قرب محطات الطاقة النووية التي تمد المرصد بالنيوترونات، جعل التجربة أقل تكلفة وأكثر جدوى، مضيفًا بثقة: "تجربتنا لا يمكن أن تفشل".