أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الرفض القاطع لأي مساعٍ لتهجير الشعب الفلسطيني خارج أرضه، لما سوف يترتب على ذلك من تصفية القضية الفلسطينية، وكونه يشكّل عدوانًا وتهديدًا لأمن دول الجوار، فضلًا عن تداعياته الخطيرة المتمثلة في موجات نزوح وهجرة غير شرعية غير مسبوقة نحو أوروبا.
جاء ذلك خلال استقبال الرئيس المصري وقرينته السيدة انتصار السيسي، اليوم بقصر الاتحادية، الملك فيليبي السادس، ملك إسبانيا، والملكة ليتيزيا، في أول زيارة دولة يقوم بها ملك إسبانيا إلى جمهورية مصر العربية.
وشدد الرئيس المصري وملك إسبانيا على ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار في قطاع غزة، وإطلاق سراح الرهائن والأسرى، وإدخال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة دون عوائق، ووقف التصعيد في المنطقة، والسعي للحفاظ على السلام القائم بالمنطقة منذ السبعينيات، بحسب بيان صادر عن المتحدث باسم الرئاسة المصرية السفير محمد الشناوي.
كما شدد الجانبان رفضهما التام للممارسات الإسرائيلية غير المشروعة في الضفة الغربية، بما في ذلك عمليات التوسع الاستيطاني أو التلويح بضم الأراضي الفلسطينية باعتبار ذلك انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي.
مراسم استقبال رسمية
وأجريت مراسم الاستقبال الرسمية، التي شملت اصطفاف الخيول، وعزف السلام الوطني لكل من مصر وإسبانيا، واستعراض حرس الشرف، وأطلقت المدفعية 21 طلقة، ثم التقاط صورة تذكارية للرئيس المصري وقرينته وملك وملكة إسبانيا، وتلا ذلك عقد لقاء ثنائي مغلق بين الرئيس السيسي وملك إسبانيا، أعقبه جلسة مباحثات موسعة بمشاركة وفدي البلدين.
واستهلّ الرئيس المصري اللقاء مع ملك إسبانيا بالترحيب به في أول زيارة دولة يُجريها إلى مصر ولأول مسؤول إسباني رفيع المستوى منذ التوقيع على إعلان ترفيع العلاقات بين البلدين إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية خلال زيارة الرئيس السيسي إلى إسبانيا في فبراير 2025.
من جانبه، أعرب ملك إسبانيا عن بالغ اعتزازه بزيارة مصر، مشيدًا بمكانتها الراسخة إقليميًا ودوليًا، وبما تحمله من إرث حضاري عظيم ترك بصماته على الإنسانية جمعاء.
وتناولت المباحثات سبل تعزيز العلاقات الثنائية المتميزة بين مصر وإسبانيا، لا سيّما في المجالات الاقتصادية والاستثمارية والسياحية والثقافية والتعليمية، وأكّد الرئيس المصري وملك إسبانيا أهمية البناء على الزخم الحالي في العلاقات لتوسيع آفاق التعاون المشترك، بما يحقق مصالح وتطلعات الشعبين الصديقين، وتم بحث آليات تعزيز التبادل التجاري، والتعاون في مجال النقل، إلى جانب استشراف فرص جديدة للتعاون في مجال الآثار.
مستجدات الأوضاع الإقليمية والدولية
كما تناولت المباحثات مستجدات الأوضاع الإقليمية والدولية، حيث أعرب الرئيس المصري عن تقديره للمواقف الإسبانية الداعمة للسلام العادل والشامل في الشرق الأوسط، لا سيّما من خلال اعتراف إسبانيا بالدولة الفلسطينية، والتصويت لصالح "إعلان نيويورك حول حل الدولتين" في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بما يعكس التزام مدريد بمبدأ حل الدولتين، ويكرّس الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
واستمع الملك فيليبي لعرض من الرئيس السيسي، حول جهود مصر الحثيثة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة، وإلى تقييم الرئيس المصري للوضع في المنطقة، خاصة بعد التصعيد الإسرائيلي الأخير، حيث أشاد ملك إسبانيا بجهود مصر في هذا الصدد طوال العامين الماضيين، بما في ذلك خطة إعادة إعمار قطاع غزة التي أعدتها مصر وحظيت بدعم واعتماد على المستويين العربي والإسلامي.
وشهد اللقاء أيضًا تبادل وجهات النظر حول عدد من الأزمات الإقليمية والدولية، بما في ذلك الحرب في أوكرانيا، حيث تم التأكيد على أهمية الحلول السياسية والسلمية التي تضمن الحفاظ على سيادة الدول ووحدة أراضيها ومقدرات شعوبها، وقد اتفق الجانبان على مواصلة التنسيق والتشاور إزاء القضايا ذات الاهتمام المشترك، سواء على المستوى الثنائي أو ضمن المحافل الإقليمية والدولية متعددة الأطراف.
تبادل الأوسمة
وتم عقب المباحثات، تبادل الأوسمة بين الرئيس المصري وملك إسبانيا، وكذا بين السيدة قرينة الرئيس وملكة إسبانيا، وذلك تقديرًا للعلاقات الاستراتيجية والممتدة بين البلدين الصديقين، وبما يعكس حرصهما على مواصلة تطويرها في مختلف المجالات.
وعقب ذلك أقام الرئيس المصري والسيدة قرينته مأدبة غداء لملك وملكة إسبانيا بحضور وفدي البلدين، حيث ألقى الرئيس السيسي كلمة للترحيب بالملك والملكة، ومن جانبه ألقى ملك إسبانيا كلمة لشكر الرئيس السيسي وقرينته على حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة.
وفيما يلي نص كلمة الرئيس المصري:
بسم الله الرحمن الرحيم
جلالة الملك فيليبي السادس، ملك إسبانيا،
جلالة الملكة ليتيزيا، ملكة إسبانيا،
معالي السادة الوزراء،
السيدات والسادة.. الحضور الكريم،
بداية؛ أود أن أرحب بجلالة ملك إسبانيا، وجلالة الملكة في بلدهما الثاني "مصر"، قلب العالم القديم، وجسر التواصل بين الحضارات، ذلك البلد العريق، الذي شهد على مر التاريخ، علاقات وثيقة مع إسبانيا وشعبها والأسرة المالكة الإسبانية.. فكان وما زال وطنًا ثانيًا لهم، يرحب بهم على أرضه، ويتسع فضاؤه لاستقبالهم، زائرين كرامًا وأصدقاء أعزاء.
فزيارة الدولة، التي يقوم بها جلالة الملك "فيليبي السادس" إلى مصر، وإن كانت هي الأولى له في أرض الكنانة، فإنها أيضًا أول زيارة يجريها مسؤول إسباني على أعلى مستوى إلى مصر، عقب ترفيع العلاقات بين بلدينا الصديقين، إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، بعد توقيع إعلان هذه الشراكة التي نعتز بها كثيرًا، أثناء زيارتي لبلدكم الصديق في فبراير 2025، والتي حظيت فيها بحفاوة استقبالكم الكريم.
كما تمثل هذه الزيارة تأكيدًا جديدًا على متانة أواصر الصداقة والتعاون، التي تربط بين بلدينا.. وتعبيرًا صادقًا عن رغبتنا المشتركة في تعزيزها، وتطويرها نحو آفاق أرحب.
ولعلي أجد هنا نقطة انطلاق للحديث عن علاقات ثنائية استراتيجية وثيقة بين بلدينا وشعبينا الصديقين، على كل الأصعدة وفي مختلف المجالات.
لقد قدم البلدان معًا نموذجًا رائدًا يُحتذى به، في كيفية بناء علاقات إيجابية متطورة، تخدم مصالح شعبيهما وتحقق أهدافهما المشتركة.. سواء في الإطار الثنائي، أو الإقليمي ومتعدد الأطراف.
وإنني إذ أغتنم المناسبة، كي أشيد بما حققه التعاون الثنائي بين البلدين، من تقدم في مجال النقل، أتطلع لاستلهام نجاحه على جميع أسس ومجالات التعاون الثنائي بين البلدين.
كما أود أن أشير في هذا السياق، إلى التعاون الثقافي المميز بين البلدين، وخاصة في مجال التنقيب عن الآثار والحفاظ على التراث، حيث يتواجد في مصر ما يناهز "13" بعثة أثرية إسبانية، تنشط في مناطق سقارة والأقصر وأسوان ووادي الجمال.
جلالة الملك،
ليس بخافٍ عليكم ما تواجهه مصر من تحديات جسام، على مختلف الاتجاهات الاستراتيجية شرقًا وغربًا وجنوبًا، فضلًا عن التحديات المشتركة على الصعيد المتوسطي.. فإسبانيا تدرك جيدًا مدى التحدي الذي باتت تواجهه القضية الفلسطينية، والتهديد المباشر الذي يتعرض له الأفق السياسي لتسوية هذه القضية، من خلال حل الدولتين، إثر ما تعانيه غزة من ويلات الحرب، والكارثة الإنسانية التي ألمت بالقطاع، على نحو لا يمكن تصوره، فضلًا عما نشهده بشكل شبه يومي، من محاولات لتقطيع أوصال الضفة الغربية.. تارة بالحديث عن ضمها، وتارة أخرى بتفشي الاستيطان في أراضيها المحتلة.
ولا يسعني في هذا المقام، إلا أن أشيد بمواقف إسبانيا المشرفة، إزاء دعم مسيرة السلام في الشرق الأوسط، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، التي لا تزال تمثل جوهر الصراع في المنطقة.
وأود أن أعرب عن بالغ التقدير للموقف الإسباني التاريخي في نصرة الحق المشروع للشعب الفلسطيني في إقامة دولته، واعتراف إسبانيا في توقيت بالغ الأهمية والحساسية بالدولة الفلسطينية، لتكون من أوائل الدول التي بادرت بعد نشوب الحرب في قطاع غزة، باعتماد هذا القرار العادل، الذي يقف على الجانب الصحيح من التاريخ.
إن دعم إسبانيا للسلام العادل والشامل في المنطقة، يعكس التزامها بمبادئ الأخلاق والحق والعدالة، وهو موقف يحظى بتقدير كبير لدينا، على المستويين الرسمي والشعبي.. ونرجو استمرار هذا الدعم، وأن نعمل معًا من أجل تحقيق سلام دائم وعادل لشعوب المنطقة.
مرة أخرى، أجدد شكري وتقديري لجلالتكم، واحترامي لشخصكم الكريم.. وأتمنى لكم زيارة ناجحة وممتعة في مصر.. وأكرر ترحيبي بكم.. وسوف نسعد بجلالتكم دائمًا في زيارات قادمة إلى بلدكم الثاني "مصر".
شكرًا جزيلًا.