وضعت إيمان جنيدي بصمتها الخاصة كأول سيدة مايسترو في مصر والوطن العربي، في مهنة احتكرها الرجال لسنوات طويلة؛ لتكون من القليلات على مستوى العالم اللاتي عملن بهذا المجال، وتضرب مثلًا في تحدي العوائق، وتقدم نموذجًا فريدًا في الدأب والمثابرة، وتكون قصة حياتها ملهمة لكثير من السيدات.
حصلت إيمان جنيدي القادمة من صعيد مصر، قبل أيام قليلة على تكريم من نقابة الموسيقيين المصرية، تقديرًا لإسهاماتها الكبيرة، ليضاف إلى قائمة التكريمات التي حظيت بها على مدار سنوات طويلة، حيث كشفت في حوارها لموقع "القاهرة الإخبارية" عن تفاصيل مشوارها الفني والصعوبات والتحديات التي واجهتها، وإصرارها على النجاح.
لا تزال حفاوة تكريم إيمان جنيدي في نقابة الموسيقيين، تاركة أثرًا إيجابيًا بداخلها، لما لمسته من تقدير كبير من زملائها، حيث تقول: فوجئت قبل أسبوع باتصال من نقيب الموسيقيين الفنان مصطفى كامل، إذ طلب مني زيارة النقابة دون إيضاح السبب، ورحبت بالفكرة، لأفاجأ باستقبال وحفاوة تقدير منه وأعضاء النقابة، ليتحول الموقف من زيارة عادية إلى مكتبه لاحتفالية لي وتكريمي بدرع النقابة، وهو ما أسعدني، وجعلني أشعر أنني تركت بصمة وتأثيرًا، وكان عنصر المفاجأة وحفاوة الاستقبال أكثر ما أسعدني.
البداية
بدأ شغف المايسترو "إيمان" بالموسيقى منذ الصغر؛ لتحكي عن ذلك وتقول: "منذ طفولتي وأنا مغرمة بالموسيقى، إذ كنت أعزف على البيانو في المنزل، وساعدني في ذلك أن الأسرة كلها كانت محبة للموسيقى، وقادني شغفي في دخول كلية التربية الموسيقية ولم تمانع أسرتي، وأقمت في المدينة الجامعية للطالبات بالقاهرة، وبعد انتهاء الفترة الجامعية سافرت على الفور خارج مصر، وعملت في عدد من الدول العربية في هذه المهنة، ثم ظهرت عندي سمات القيادة وكنت حريصة على الدأب ومواصلة النجاح".
دعم الأسرة
لم يكن الأمر سهلًا على إيمان جنيدي منذ بداية مشوارها، ولكن دعم أسرتها كان وراء نجاحها واستمرارها، فرغم تكوينها أسرة فهي زوجة وأم، لكن انشغالها الدائم في عملها وشغفها بالموسيقى، والتي تعتبرها رسالة وواجبًا عليها لم يؤثر كلاهما على الآخر، حيث تقول: "واجهت صعوبات كثيرة وتعرضت للمشقة بسبب طول المسافة بين القاهرة وبني سويف يوميًا، فقررت أن استقر في القاهرة بمفردي، وهو الأمر الذي كان يمثّل صعوبة لي لأنني زوجة وأم، ولكن حبي للمهنة دفعني لتجاوز الصعاب ودعم وتشجيع أسرتي وزوجي كان مهمًا جدًا، خاصة لمعرفة زوجي بحبي للموسيقى، كما أن أولادي وأحفادي متفهمون ظروفي جيدًا، فلم أجد منهم من يعيق مسيرتي، فاستقررت بالقاهرة، بينما أتردد على أسرتي ما بين الحين والآخر في بني سويف، فدعم أسرتي هو سبب استمراري".
مواجهة الصعوبات
في مكتبة المايسترو المصرية عدد كبير من التكريمات داخل مصر وخارجها، إذ سبق أن كرمتها السفارة السويدية والأكاديمية الكندية، فضلًا عن تكريمها من وزارة الثقافة، بالإضافة لتكريمها بعدد من المحافل العربية، مُعتبرة التكريم الأعظم بالنسبة لها هو الذي حصلت عليه عام 2021 في يوم المرأة المصرية بقصر القبة؛ لتكون أيقونة النجاح بحسب وصفها، إذ ترى أن التكريم نتاج كفاح وجهد طويل، وعن ذلك تقول: لم يكن الطريق الذي سلكته سهلًا لاسيما أن المهنة كانت حكرًا على الرجال، إذ كنت أول سيدة مايسترو في مصر والعالم العربي، وعقب عودتي من الخارج عام 2004 بعدما كنت أعمل بعدد من الدول العربية، توليت مهمة قائد الفرقة القومية للموسيقى العربية في محافظة بني سويف عام 2005، ولم يكن هناك أي سيدة تتولى هذا المنصب على مستوى قصور ثقافة مصر كلها بخلافي، فواجهت تحديات كثيرة، ولكنني كنت أتغلب عليها بالإرادة".
أول قائد لفرقة موسيقية
شعرت إيمان جنيدي مع إسناد قيادة الفرقة القومية للموسيقى العربية، أنها أمام مهمة صعبة، وهو ما جعلها تتردد كثيرًا قبل قبول المنصب، إذ تقول: "ترددت في البداية في قبول المنصب لأكون أول قائد فرقة قومية، فهي مهمة صعبة جدًا، فضلًا عن أنني السيدة الوحيدة في هذا المجال، بالإضافة إلى أنني عندما جلست مع أعضاء الفرقة وجدت غالبيتهم من الرجال باستثناء 3 أو 4 سيدات فقط، ولكنني قررت أن أتحدى نفسي وقبلت تولي المهمة، وتميزت في قيادة الفرقة، وكنت أحصل على مركز أول وثانٍ على مستوى 40 قائدًا من الرجال، واستمررت في قيادة الفرقة منذ عام 2005 وحتى يناير 2011".
تأسيس فرقة بني سويف
لا تعرف "جنيدي" الملل فحلمها في تأسيس فرقة خاصة بها تحقق بعد عام 2011 وشكّلت عناصر الفرقة من الموهوبات من الفتيات بمحافظة بني سويف، حيث تقول عن هذه المرحلة في حياتها: "اخترت أفضل العناصر من فتيات بني سويف وكنت أذهب بهن يوميًا إلى القاهرة وأقطع مسافات طويلة معهن ذهابًا وإيابًا، وكان إيماني بموهبة الفتيات وراء تدعيمي لهن، فعرضت بفرقة بني سويف لمدة عام ونصف العام في القاهرة".
وانطلاقًا من إيمانها بموهبة الشباب ودعم العناصر الجيدة ورفع الذوق العام، كان إعلانها استقبال العناصر الجيدة لضمهم لفرقتها الجديدة التي أسستها في القاهرة بعد فرقة بني سويف".
حلم الأوبرا
رغم ما حققته "جنيدي" وتأسيسها فرقة موسيقية من السيدات فقط، ولكنها تحلم بالانضمام إلى دار الأوبرا المصرية والعزف فيها والمشاركة في العروض المختلفة التي يقدمونها، لتمثيل مصر في المحافل الدولية، خاصة أنها أول سيدة مايسترو في مصر والوطن العربي.