خلُصت لجنة تحقيق دولية مستقلة تابعة للأمم المتحدة، في أول تقرير من نوعه، نشر اليوم الثلاثاء، إلى أن إسرائيل ارتكبت إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزة، وأن كبار قادة دولة الاحتلال حرضوا على هذه الجريمة في القطاع الفلسطيني.
وأفادت شبكة "سي. إن. إن" الإخبارية الأمريكية بأن اللجنة التي أنشأها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ذكرت في تقرير من 72 صفحة، أن إسرائيل "ارتكبت 4 أعمال إبادة جماعية" في القطاع منذ 7 أكتوبر 2023، عندما أطلقت حربها على القطاع.
تشمل هذه الأفعال قتل الفلسطينيين في غزة، وإلحاق "أذى جسدي ونفسي خطير" بالفلسطينيين، وفرض ظروف معيشية متعمدة تهدف إلى تدميرهم كليًا أو جزئيًا، وكذلك فرض تدابير تهدف إلى منع الولادات"، وفقًا للتقرير.
قدمت اللجنة أمثلة عديدة على استهداف وقتل مدنيين فلسطينيين وصحفيين وعاملين في مجال الرعاية الصحية والعاملين في المجال الإنساني بشكل مباشر في غزة، وأوضحت أن عمليات القتل هذه وقعت في أماكن تشمل منازل ومستشفيات ومدارس ومباني دينية، سواءً داخل مناطق آمنة محددة أو خارجها.
قتل المدنيين
وأشار التقرير إلى مقتل الطفلة هند رجب البالغة من العمر خمس سنوات وأفراد عائلتها في يناير 2024 كمثال على قيام قوات الأمن الإسرائيلية بقتل المدنيين على الرغم من "معرفتها الواضحة بوجود مدنيين فلسطينيين على طول طرق الإخلاء وداخل المناطق الآمنة".
جاء في التقرير: "أطلقوا النار على المدنيين وقتلوهم، وكان بعضهم، بمن فيهم أطفال، يرفعون رايات بيضاء مؤقتة. أصيب بعض الأطفال، بمن فيهم صغار، برصاص القناصة في رؤوسهم".
وبالإضافة إلى إطلاق النار على المدنيين، قامت القوات الإسرائيلية "عمدًا بقتل مدنيين فلسطينيين في غزة باستخدام ذخائر واسعة النطاق تسببت في أعداد كبيرة من القتلى"، وفقًا للتقرير.
وقالت اللجنة إن هذه الذخائر استخدمت رغم العلم بأنها ستؤدي إلى مقتل مدنيين، مضيفة أن ضحايا القصف تم استهدافهم بشكل جماعي نظرًا لهويتهم الفلسطينية.
وفرضت إسرائيل حصارًا دام سنوات على غزة، وفرضت قيودًا شديدة على دخول الإمدادات إلى القطاع، لكن بعد 7 أكتوبر 2023، فرضت إسرائيل "حصارًا شاملًا" على القطاع، ما كان له "أثر كارثي على الظروف المعيشية للفلسطينيين في غزة"، وفقًا للتقرير.
وقال التقرير إن "إسرائيل استغلت حجب الضروريات الأساسية للحياة، وتحديدًا من خلال قطع إمدادات المياه والغذاء والكهرباء والوقود وغيرها من الإمدادات الأساسية، بما في ذلك المساعدات الإنسانية".
ازداد الوضع الإنساني المتردي أصلًا سوءًا في وقت سابق من هذا العام، عندما فرضت إسرائيل حصارًا لمدة 11 أسبوعًا على جميع المساعدات إلى غزة في أوائل مارس.
وبعد وقت قصير من رفع الحصار في منتصف مايو، تولت مؤسسة غزة الإنسانية، وهي منظمة جديدة مدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل، مسؤولية توزيع معظم المساعدات في القطاع. وقتلت القوات الإسرائيلية مئات الفلسطينيين لاحقًا أثناء محاولتهم الحصول على المساعدة من المواقع التي تديرها هذه المنظمة المثيرة للجدل.
وفي أغسطس، أعلنت لجنة مدعومة من الأمم المتحدة حالة المجاعة في مدينة غزة والمناطق المحيطة بها، قائلة إن أكثر من نصف مليون شخص تضرروا.
وقال تقرير الأمم المتحدة الصادر اليوم الثلاثاء، إن قرار إسرائيل السماح بدخول كمية صغيرة من المساعدات إلى غزة كان "واجهة" لتضليل المجتمع الدولي، بينما تواصل "فرض المجاعة وظروف المعيشة غير الإنسانية على الفلسطينيين".
تدمير الفلسطينيين جسديًا
كما أثار التقرير تساؤلات حول أهداف الحرب الإسرائيلية، قائلًا إن "الاستهداف المتعمد والواسع النطاق للأطفال الفلسطينيين دليل على أن العمليات العسكرية لا تنفذ فقط لهزيمة حماس، بل لتدمير المجموعة الفلسطينية جسديًا من خلال القضاء ليس فقط على أطفال اليوم، بل أيضًا على إمكانية إنجابهم لأطفال في المستقبل".
وذكر التقرير أن أطفال غزة يعانون نفسيًا وجسديًا، وقال أحد الأطباء، الذي نقل عنه في التقرير: "لقد دمر جوهر الطفولة في غزة".
وأضاف التقرير أن الجوع الواسع النطاق يعني أيضًا أن الأطفال "غير قادرين على تطوير مهارات النطق واللغة"، وقد يواجهون مشاكل معرفية طويلة الأمد.
وأشارت اللجنة إلى أن إسرائيل رفضت أيضًا إدخال الحليب الصناعي وحليب الأطفال الخاص إلى غزة، مما أدى إلى "تجويع الأطفال حديثي الولادة والرضع"، مضيفة أن هذا "يشكل دليلًا قويًا بشكل خاص على وجود نية لتدمير السكان".
وجاء في التقرير أن القوات الإسرائيلية "ارتكبت أعمال عنف جنسي وعنفًا قائمًا على النوع الاجتماعي" بما في ذلك "الاغتصاب والتعذيب الجنسي وأشكال أخرى من العنف الجنسي ليس فقط كعقاب ضد الأفراد، ولكن كجزء من نمط من العقاب الجماعي لكسر وإذلال وإخضاع السكان الفلسطينيين بالكامل".
وقالت اللجنة الأممية إن "هذا واضح من خلال محتوى وسائل التواصل الاجتماعي للجنود الإسرائيليين حيث أظهروا أنفسهم بشكل صارخ، وهم يرتكبون أعمالًا تهدف إلى إهانة الفلسطينيين".
الاعتداء الجنسي
قال التقرير إنه سمع من العديد من الفلسطينيين الذين قالوا إنهم تعرضوا للعنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي أثناء الاحتجاز، بما في ذلك شهادة أحد المعتقلين، الذي قال إنه تعرض للضرب على أعضائه التناسلية بشدة لدرجة أنه فقد الوعي.
واتهم التقرير رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوج، ووزير الدفاع السابق يوآف جالانت، بالتحريض على الإبادة الجماعية.
وجاء في التقرير أنه "في وقت مبكر من 7 أكتوبر 2023، أدلى مسؤولون إسرائيليون بتصريحات تشير إلى نيتهم تدمير الفلسطينيين في غزة كمجموعة".
وأضاف التقرير أن "القادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين هم عملاء لدولة إسرائيل، وبالتالي فإن أفعالهم تنسب إلى دولة إسرائيل"، مضيفًا أن "السلطات الإسرائيلية وقوات الأمن الإسرائيلية كانت ولا تزال لديها النية الإبادة الجماعية لتدمير الفلسطينيين في قطاع غزة كليًا أو جزئيًا".
ودعا بيان صحفي صدر مع تقرير اللجنة الأممية، المجتمع الدولي إلى "استخدام كل الوسائل المتاحة له بشكل معقول لمنع ارتكاب إبادة جماعية في غزة". قال البيان: "الإبادة الجماعية في غزة تتكشف على أرض الواقع. الواجب القانوني والأخلاقي والسياسي للدول واضح. يجب على العالم أن يتحرك الآن لوقف القتل، وحماية الشعب الفلسطيني، والوفاء بالتزاماته بمنع جريمة الإبادة الجماعية ومعاقبة مرتكبيها".
وتجدر الإشارة إلى أن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أنشأ لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة بشأن الأراضي الفلسطينية المحتلة في عام 2021 برئاسة نافي بيلاي، المفوضة السامية السابقة لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، والقاضية السابقة في المحكمة الجنائية الدولية.
وتواجه إسرائيل اتهامات متزايدة بالإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في غزة. وفي الأسبوع الماضي، قال عضوا مجلس الشيوخ الأمريكي كريس فان هولن وجيف ميركلي إن حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو "تنفذ خطة لتطهير غزة عرقيًا من الفلسطينيين" وأن الولايات المتحدة متواطئة.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، قالت الجمعية الدولية لعلماء الإبادة الجماعية -أكبر هيئة لعلماء الإبادة الجماعية في العالم- إن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة.
في شهر يوليو، أصبحت منظمتان إسرائيليتان رائدتان في مجال حقوق الإنسان أول منظمتين من إسرائيل تؤكدان أن بلادهما "ترتكب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزة".
وفي ديسمبر 2023، اتهمت جنوب إفريقيا إسرائيل بالإبادة الجماعية في قضية غير مسبوقة في محكمة العدل الدولية، قائلة إن قيادة البلاد "عازمة على تدمير الفلسطينيين في غزة".
وصدر تقرير لجنة الأمم المتحدة في الوقت الذي بدأ فيه الجيش الإسرائيلي هجومًا بريًا على مدينة غزة، بعد أسابيع من قصف المدينة المكتظة بالسكان، رغم الإدانة الدولية المتزايدة.