جاء تصويت الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة في 12 سبتمبر 2025 على قرار تأييد إعلان نيويورك، والذي هدف إلى إحياء مسار حل الدولتين بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ليعكس الإرادة الدولية الداعمة لحقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، حيث صوت لصالح القرار 142 دولة، في مقدمتها غالبية الدول العربية، وعدد من الدول الأوروبية الكبرى منها مثل فرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، وإيطاليا وإسبانيا، ورفضته 10 دول في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، وامتنع 12 دولة عن التصويت في مقدمتها التشيك والكاميرون والكونغو الديمقراطية والإكوادور، وهو الأمر الذي أثار تساؤلًا مركزيًا حول دلالات اتجاهات تصويت الدول على مضمون القرار الذي تبنى خطوات ملموسة ومحددة زمنيًا ولا رجعة فيها نحو حل الدولتين، وتنديده بالهجمات الإسرائيلية على المدنيين في غزة والبنية التحتية المدنية والحصار، كما دعم القرار نشر بعثة دولية بغزة بتفويض من مجلس الأمن.
ودعمًا لمسار حل الدولتين رحبت القمة العربية الإسلامية الطارئة التي عقدت في قطر في 15 سبتمبر 2025 في البيان الختامي باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة إعلان نيويورك بشأن حل الدولتين، وبانعقاد المؤتمر الدولي حول هذا الحل برئاسة مشتركة بين السعودية وفرنسا في 22 سبتمبر 2025.
مواقف متباينة
تنوعت اتجاهات تصويت الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار تأييد مسار حل الدولتين بين إسرائيل وفلسطين، والتي جاءت كالتالي:
(&) الدول المؤيدة للقرار: جاء التصويت لصالح تأييد القرار من 142 دولة تنوعت من الناحية الجغرافية لتشمل دولًا من جميع أقاليم العالم الجغرافية العربية والأوروبية والآسيوية والإفريقية وأمريكا اللاتينية.
وقد عكس التأييد الأوروبي من الدول الكبرى مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا تمايزًا عن الموقف الأمريكي الداعم والمساند لإسرائيل باعتبارها الحليف الاستراتيجي، وهو ما جعلها تستخدم حق النقض (الفيتو) لرفض إدانة إسرائيل في مجلس الأمن أو تبني قرار يلزمها بوقف حربها على غزة.
(*) الدول الرافضة للقرار: بلغ عدد الدول الرافضة للقرار 10 دول هي: الولايات المتحدة الأمريكية، وإسرائيل، والأرجنتين، والمجر، وباراجواي، وناورو، وميكرونيزيا، وبالاو، وبابوا غينيا الجديدة، وتونجا. وتشكل الدول الصغيرة أو القزمية الغالبية الرافضة للقرار فعلى سبيل المثال فإن عدد سكان ناورو حوالي 12 ألف نسمة، وميكرونيزيا 114 ألف نسمة، وتونجا 105 آلاف نسمة، ودولة بالاو 18 ألف نسمة.
(*) الدول التي امتنعت عن التصويت: جاءت الدول التي امتنعت عن التصويت وعددها 12 دولة هي: التشيك، والكاميرون، والكونغو الديمقراطية، والإكوادور، وإثيوبيا، وألبانيا، وفيجي، وجواتيمالا، وساموا، ومقدونيا الشمالية، ومولدوفا، وجنوب السودان. وقد عكس ذلك الاتجاه وجود أربع دول إفريقية امتنعت عن التصويت وهي تكرر مواقف سابقة تجاه القضية الفلسطينية.
(*) الدول التي غابت عن التصويت: تغيبت ما يقرب من 29 دولة عن التصويت على قرار تأييد مسار حل الدولتين بالجمعية العامة للأمم المتحدة، من بينهم 12 دولة إفريقية أبرزها تونس وإريتريا وزامبيا وليبيريا وبنين، مما يعني تراجع زخم التضامن العربي الإفريقي، غير أن عددًا من الدول العربية والإسلامية مثل العراق وتونس وإيران وأفغانستان تبرر غيابها عن التصويت بأنها لا تعترف في دساتيرها بإسرائيل، كما أن قطاعًا معتبرًا من نخبتها يرفض التطبيع أو إقامة علاقات مع إسرائيل، وبالتالي فإن التصويت لصالح القرار كان سينطوي ضمنيًا على الاعتراف بإسرائيل.
دلالات متنوعة
شكَّل حل الدولتين القضية المركزية في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، كما جاء ضمن أولويات البيان الختامي للقمة العربية الإسلامية التي عقدت في قطر، والذي عكس العديد من الدلالات التي يمكن الإشارة إلى أهمها على النحو التالي:
(*) مساندة الحقوق الفلسطينية: عكس التصويت على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بغالبية ساحقة مساندة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، حيث صوَّت ما يقرب من 73.57% من دول العالم المختلفة لصالح القرار، الذي أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن فرنسا والسعودية ومعهما الشركاء، سيعملون على جعل خطة السلام المنضوية في القرار واقعًا خلال مؤتمر خاص بحل الدولتين، سيعقد في 22 سبتمبر 2025 ضمن أعمال الدورة السنوية الـ80 للجمعية العامة بنيويورك.
وقد أشار القرار في إلى أن الجمعية العامة تسعى إلى تحقيق سلام عادل وشامل في الشرق الأوسط، بما في ذلك عبر اعتماد وثيقة ختامية عملية المنحى لرسم مسار عاجل لا رجعة فيه نحو تسوية قضية فلسطين سلميًا وتنفيذ حل الدولتين.
وقد عبر البيان الختامي للقمة العربية الإسلامية بقطر بتأكيد أن السلام العادل والدائم في الشرق الأوسط لن يتحقق عبر تجاوز القضية الفلسطينية أو محاولات تهميش حقوق الشعب الفلسطيني، بل من خلال الالتزام بمبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية، داعيًا المجتمع الدولي، خصوصًا مجلس الأمن، لتحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي ووضع جدول زمني ملزم لذلك.
(*) وقف الحرب الإسرائيلية على غزة: تبنى إعلان نيويورك الداعم لمسار حل الدولتين خطوات لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة، وإقامة الدولة المنشودة، بدءًا من المطالبة بوقف الحرب في غزة، وإنشاء لجنة انتقالية لإدارتها تحت قيادة السلطة الفلسطينية، ولكن أيضًا بمساعدة بعثة أممية سيجري تأسيسها لتحقيق الاستقرار مع التركيز أولًا على إنهاء الحرب في غزة وتأمين اليوم التالي للفلسطينيين والإسرائيليين عبر العمل من أجل وقف إطلاق نار فوري ودائم، وإطلاق جميع المحتجزين، وتبادل الأسرى الفلسطينيين عبر العمل من أجل وقف إطلاق نار فوري ودائم، وإعادة رفات جميع القتلى، وإيصال المساعدات على نطاق واسع إلى كل أنحاء قطاع غزة بالتنسيق مع الأمم المتحدة، والانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية من غزة بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن رقم 2735. في نفس السياق أشار البيان الختامي للقمة العربية الإسلامية التي عقدت في قطر إلى أن القمة كلفت الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، الأطراف في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، باتخاذ جميع التدابير الممكنة لدعم تنفيذ أوامر القبض الصادرة عن المحكمة بحق مرتكبي الجرائم ضد الشعب الفلسطيني، كما دعت لبذل الجهود الدبلوماسية والقانونية لضمان امتثال إسرائيل للتدابير المؤقتة الصادرة عن محكمة العدل الدولية في قضية الإبادة الجماعية في غزة.
(*) رفض التهجير القسري للفلسطينيين: اشتمل كل من قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة والبيان الختامي للقمة العربية الإسلامية في قطر على رفض محاولات التهجير للشعب الفلسطيني، حيث اعتبر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الداعم لمسار حل الدولتين أن قطاع غزة يشكل جزءًا لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية مع الضفة الغربية، ومعارضة الاحتلال والحصار وتقليص الأراضي والتهجير القسري.
وقد عبر عن ذلك أيضًا البيان الختامي للقمة العربية الإسلامية التي عقدت في قطر، حيث شدد البيان على رفض أي محاولات لتهجير الشعب الفلسطيني من أراضيه المحتلة عام 1967، واعتبارها سياسة تطهير عرقي مرفوضة، كما أدان استمرار استخدام الحصار والتجويع ضد الفلسطينيين، وحذر من التبعات الكارثية لأي قرار إسرائيلي بضم أراضٍ فلسطينية محتلة، مطالبًا بسرعة تنفيذ الخطة العربية لإعادة إعمار غزة سياسيًا وفنيًا.
مجمل القول، يلقى مسار حل الدولتين دعمًا وزخمًا عربيًا ودوليًا، وهو ما يقر الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، ويبقى التحدي الرئيسي في كيفية تبني مجلس الأمن لهذا المسار من دون استخدام الولايات المتحدة الأمريكية لحق النقض (الفيتو) وهو الآلية التي ستحول دون تحقيق ذلك المسار على أرض الواقع في الأمد المنظور، وبرغم ذلك يبقى مؤتمر حل الدولتين الذي سيعقد في 22 سبتمبر 2025 على هامش الشق رفيع المستوى لأعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك محطة مفصلية لتعزيز الزخم الدولي للاعتراف بدولة فلسطين.