كان الفجر قد بدأ يلامس أطراف السماء بلونه الرمادي، والضباب يتسلل بين بيوت الطين والخشب، وصوت المؤذن يتردد في أرجاء قرية "ترسين" بإقليم دارفور غرب السودان، حتى باغتهم انزلاق أرضي وانشق جبل "مرة" فوق رؤوسهم بلا إنذار، ليتحول الفزع إلى صمت أبدي بعد أن رحل جميع سكان القرية عدا ساكن واحد.
في لحظة خاطفة، ابتلعت الأرض أكثر من ألفٍ من أبنائها دفعة واحدة، مسحت القرية عن الخارطة، ولم يبق من "ترسين" سوى اسمها، وبقايا سقوف خشبية وأحجار مبعثرة تنعي ساكنيها.
مشهد القرية اليوم أقرب ما يكون إلى الآية القرآنية: "أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها"، فلا بشر يزرعون البرتقال والليمون اللذين اشتهرت بهما "ترسين"، ولا طير، ولا صوت، فقط بقايا حياة رحلت دون وداع.
لم يكن هناك شاهد يروي قصة "ترسين" سوى جيرانهم من القرى المجاورة، الذين أكدوا أنه لم يُسمع سوى دوي هائل، تبعه سيل من التراب والصخور نزل كالسيل الجارف ليبتلع القرية بكاملها خلال دقائق معدودة، إذ طمر الحطام عائلات بأكملها، فالأطفال لم يستفيقوا بعد من نومهم، والأمهات اللاتي كن يُحضّرن الخبز للصباح اختفين جميعًا.
الأرض التي ضاقت بأهلها في "ترسين" لم تكن مجرد قرية، بل نسيج من العلاقات الإنسانية، والذكريات، ومواسم الزرع والحصاد، والأعراس البسيطة في ساحات البيوت، واليوم تحولت إلى أرض خاوية كأنها لم تكن مأهولة يومًا.
إن ما حدث في "ترسين" هو صورة من مأساة أوسع، تعكس المعاناة التي يعيشها أهل دارفور وسكان السودان بشكل عام، الذين يواجهون جحيم الحرب والفيضانات ونقص الخدمات في آنٍ واحد. إنهم بحاجة ماسة إلى دعم دولي وإنساني، ليعيدوا بناء ما تهدم من بيوت وقلوب، وهو ما طالب به الاتحاد الإفريقي الذي حث على إيصال المساعدات وإسكات الأسلحة بعد الانزلاق الأرضي في السودان.