كشفت التطورات الأخيرة في الشأن الإسرائيلي عن استراتيجية واضحة يتبعها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لتشتيت الانتباه عن أزمة المحتجزين المتفاقمة، عبر المماطلة في المفاوضات وإثارة قضايا جانبية، وسط تصاعد الغضب الشعبي والعزلة الدولية المتنامية.
استراتيجية الإلهاء
مرّ أسبوعان منذ تقديم حماس ردها للوسطاء حول صفقة تبادل المحتجزين والأسرى في 18 أغسطس الماضي، إلا أن نتنياهو يواصل إضاعة الوقت دون تقديم رد رسمي، وفقًا لصحيفة "هآرتس" العبرية.
وأشارت الصحيفة إلى أن المفاوضات الحقيقية تتم عبر الهاتف بين نتنياهو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إذ نجح رئيس الوزراء الإسرائيلي في إقناع ترامب بإمكانية هزيمة حماس عبر عملية عسكرية سريعة لاحتلال مدينة غزة.
هذا الخداع دفع ترامب للتصريح بأن الحرب ستنتهي خلال أسبوعين أو ثلاثة، قبل أن يتراجع عن تصريحه لاحقًا.
وبحسب المحلل حايم ليفينسون في "هآرتس"، فإن هذه الاستراتيجية تهدف لخلق "إلهاء" وتخفيف الضغط الناجم عن المظاهرات الكبيرة التي ينظمها مقر عائلات المحتجزين.
الواقع العسكري يكذب الوعود
تُظهر الاستعدادات الفعلية بطأ واضحًا في التحضيرات العسكرية، إذ تأجلت أوامر استدعاء عشرات الآلاف من جنود الاحتياط حتى غدًا الثلاثاء 2 سبتمبر.
وزعمت "هآرتس" أن رئيس الأركان إيال زامير يفضّل التوصل لصفقة عن العمل العسكري، ويشكك في فعالية عملية برية واسعة في غزة، خاصة مع عدم دقة المعلومات الاستخباراتية المتاحة.
ونقلت الصحيفة عن العقيد الاحتياطي أساف أوريون من معهد واشنطن الأمريكي قوله: "يتم تجاهل أن ما تبقى في القطاع مجرد بقايا حماس وليس جهازًا عسكريًا منتظمًا، والتعامل معها يتطلب معركة في اليوم التالي. هذا يشبه علاج السرطان: العملية نجحت والآن وقت العلاج الكيميائي، لكن في حالتنا الجّراح يصر على مواصلة العملية لأنه يحصل على ساعات إضافية".
احتجاجات العائلات
شهدت الأسابيع الأخيرة مظاهرات حاشدة لعائلات المحتجزين، برز فيها خطاب أيليت جولدين، شقيقة الجندي هدار جولدين المقتول عام 2014.
وعبّرت جولدين عن غضبها قائلة: "مَن يتخلى عن الجثث سيتخلى عن الأحياء، وهذه ليست قصة هدار وحده، بل قصة قومية، فاسترداد المحتجزين قضية قومية".
في المقابل، كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية أن اجتماع مجلس الوزراء المصغر الذي عقد مساء أمس الأحد رفض التصويت على الصفقة.
وتم اختصار اجتماع الحكومة الأسبوعي ليتمكن نتنياهو والوزراء من حضور أمسية تحية لمستوطني الضفة الغربية، بينما انشغل نتنياهو شخصيًا بإيجاد حلول لسفر المتدينين المتشددين إلى أوكرانيا.
تصعيد الاستيطان
وسط الأزمات المتراكمة، يواصل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش توسيع عمليات الاستيلاء على الأراضي في الضفة الغربية بنطاق واسع، مستغلًا سيطرته المزدوجة على وزارة المالية والصلاحيات المدنية في وزارة الدفاع.
ونقلت "هآرتس" عن تقرير "أمير أتينجر" في "يديعوت أحرونوت" أن رون ديرمر يتحدث بالفعل عن ضم مناطق من الضفة في الأسابيع المقبلة، قائلًا إن "السؤال فقط كم من الأراضي".
تلاعب بالرأي العام
وتشير "هآرتس" إلى أن الحكومة الإسرائيلية لجأت مطلع الأسبوع لتكتيك "الإلهاء" المعتاد عندما احتاجت لصرف الانتباه عن الغضب الشعبي المتزايد.
وأشارت الصحيفة العبرية إلى أن هذا التكتيك يشبه ما حدث قبل عام بالضبط، عندما تم استخدام مواد استخباراتية سرية بشكل مشوّه لاتهام المحتجين بإفشال المفاوضات.
هذه المرة، عُرضت وثيقة قديمة نُشرت في يونيو الماضي لادعاء أن حماس شنّت هجوم 7 أكتوبر بإلهام من احتجاجات جنود الاحتياط ضد الانقلاب القضائي.
وردّ شلومو موفاز، رئيس مركز دراسات الاستخبارات، بقوة عبر "إكس" قائلًا: "هذا تفسير مغرض وكاذب، بلا ذرة من النزاهة المهنية والأخلاقية".
تطورات إقليمية
على الصعيد الإقليمي، أعلنت فرنسا وألمانيا وبريطانيا نيتها إعادة فرض عقوبات على إيران عبر آلية "سناب باك" او "الاسترداد السريع"، ردًا على رفض طهران استئناف المحادثات النووية.
وحذّر الدكتور أرييل ليفيتي من جامعة هارفارد من أن تفعيل هذه العقوبات خلال شهر قد يدفع إيران للانسحاب من معاهدة منع الانتشار النووي.
فيما يواصل الحوثيون إطلاق صواريخ من اليمن تستهدف مطار بن جوريون، ما يجبر إسرائيل على استنزاف مخزونها المحدود من الصواريخ المضادة، وسط مخاوف من أن إصابة واحدة ناجحة قد تشل حركة الطيران مجددًا.