عملية "عربات جدعون" لم تحقق أهدافها في غزة، هكذا كشفت وثيقة منسوبة إلى جيش الاحتلال بعد 22 شهرًا من حرب الإبادة الممنهجة في القطاع المحاصر، بأن حماس لم تُهزم لا عسكريًا ولا سياسيًا، فيما ظل ملف المحتجزين عالقًا بين المعارك والمفاوضات.
وثيقة داخلية
أشارت الوثيقة، التي نشرها موقع "كيشت نيوز" الإسرائيلي، إلى أن الهدف من العملية لم يكن القضاء على حماس، بل ردعها ودفعها نحو اتفاق، وهو ما التقطته الحركة وأدركته مبكرًا.
ووصفت الوثيقة الأداء الإسرائيلي بـ"التراخي" في التخطيط وتنفيذ المساعدات الإنسانية، الأمر الذي سمح لحماس بقيادة حملة "تجويع زائفة لكنها ناجحة"، على حد وصفها. كما انتقدت أساليب القتال، مؤكدة أن إسرائيل "ارتكبت كل خطأ ممكن، مخالفة بذلك مبادئ الحرب".
الأهداف التي لم تتحقق والإنجازات الجزئية، حسب الوثيقة، جاءت أبرزها عدم التمكن من هزيمة حماس عسكريًا أو سياسيًا، والفشل في إعادة المحتجزين، لا بصفقة ولا بعملية عسكرية، مشيرة إلى أن هذه الحرب لم تنجح سوى في تدمير بنية حماس التحتية في بعض المناطق، وإلحاق أضرار جسيمة بعناصر الحركة وقيادتها، خصوصًا محمد السنوار، واستعادة جثث عدد من المحتجزين.
رد الجيش الإسرائيلي
رد متحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي على تسريب الوثيقة بقوله: "هذا محتوى نُشر دون إذن أو موافقة الجهات المختصة، ويجري التحقيق في الأمر، وأن الجيش حقق الأهداف المحددة في عملية "عربات جدعون"، وحقق إنجازات عديدة، وحاليًا نحن في المرحلة الثانية من العملية ونعمل لتحقيق أهداف الحرب".
بحسب ما كشفته "يديعوت أحرونوت"، لم تكن عملية "عربات جدعون" بصيغتها الأخيرة ضمن خطط عام 2025، إذ شغّل الجيش أربعة أو خمسة مقرات فرق، ما أعطى انطباعًا بوجود عشرات الآلاف من المقاتلين في غزة، لكن على الأرض كانت العملية محدودة، اعتمدت على ألوية قتالية صغيرة تحت قيادة الفرق.
وأوضحت الوثيقة أن الجيش الإسرائيلي تجنّب مواجهة ثلاثة من أهم مراكز ثقل حماس، وهي: مدينة غزة (الأحياء الوسطى والغربية، حي الشاطئ، الرمال، وصبراتة)، ومدينة المواصي (مدينة النازحين قرب خان يونس)، وكتائب حماس في النصيرات ودير البلح (وسط القطاع)، خشية وجود محتجزين فيها.
سياسة إعلامية جديدة
كشفت "يديعوت أحرونوت" أن الحملة البرية الإسرائيلية الأخيرة في قطاع غزة شهدت تحوّلًا في السياسة الإعلامية، حيث تم تقليص تغطية المراسلين إلى الحد الأدنى، مع طمس وجوه الجنود والقادة خوفًا من ملاحقات دولية بجرائم حرب، واقتصرت معرفة الجمهور بالجنود على صورهم بعد مقتلهم.
واعتبر ضباط ميدانيون هذا "خطأً فادحًا"، إذ يُفقد الجيش الإسرائيلي الدعم الشعبي، وقال أحدهم: "الجمهور يصدق قائد السرية في الدبابة أكثر من الناطق العسكري أو رئيس الوزراء خلف منصة مكيّفة".
ارتباك الرسائل
في بداية العملية، رفعت إسرائيل شعار "هزيمة حماس"، لكن الخطاب الرسمي تقلّص لاحقًا إلى "الضغط من أجل صفقة المحتجزين"، وحسب "يديعوت أحرونوت"، فإن هذا التباين بين تصريحات الميدان وهيئة الأركان العامة أوجد ارتباكًا.
وانتقدت الوثيقة والضباط الميدانيون استخدام تعبيرات مثل "السيطرة على 60% أو 75% من غزة"، وهي عبارات وصفوها بأنها "مصطلحات جوفاء"، تُذكّر بالتصريحات السابقة حول ضرب "عشرات الأهداف"، التي تبيّن لاحقًا أن بعضها لم يكن سوى كثبان رملية.