تعج قريتا ترمسعيا وسنجل، وسط الضفة الغربية المحتلة، بالفلسطينيين حاملي الجنسية الأمريكية، الذين عادوا إلى أرضهم ومنازلهم الأصلية، ليجدوا واقعًا صادمًا لا يمكن تحمّله، والذي فرضه المستوطنون تحت حراسة قوات الاحتلال الإسرائيلية، وفق ما ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، في تقرير مطوّل لها.
استهلّت الصحيفة تقريرها بالإشارة إلى السياج الشائك الجديد الطويل الذي يفصل أجزاء من سنجل، ويفصل جزءًا كبيرًا منها عن طريق رئيسي يستخدمه كل من المستوطنين الإسرائيليين والفلسطينيين.
السياج يعبر أرض فؤاد داود، البالغ من العمر 55 عامًا، والذي يقسّم وقته بين سنجل والساحل الغربي المنعش لفلوريدا، حيث تعيش زوجته وابنه البالغ من العمر 26 عامًا. وقال داود عن السياج الذي شاهده يرتفع في وقت سابق من هذا العام: "إنه ليس شيئًا يمكنك التعود عليه".
وزعم الجيش الإسرائيلي أنه شيد السياج لمنع رمي الحجارة على الطريق أسفله. أما الآن، فهو رمز للتوتر المتزايد بين القوات الإسرائيلية والمستوطنين والفلسطينيين، والذي بدّد الآمال التي أعادت المهاجرين من أمريكا إلى القرى.
داود، الذي هاجر إلى الولايات المتحدة عام 1993 وقضى معظم حياته هناك قبل أن يعود إلى سنجل ليعيش مع والده المسن، قال إنه كان هناك وقت كان سيشجّع فيه ابنه على العيش هناك أيضًا. وأضاف: "لكن بصراحة، الآن، وبعد أن رأيت ما رأيته، أقول لا".
تصاعد عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين بشكل حاد منذ بدء الحرب على غزة في 7 أكتوبر 2023. وتتحمّل أماكن مثل ترمسعيا العبء الأكبر. تقع القرية في وادٍ منخفض. إلى شمالها، يمتد صف من نحو 12 مستوطنة إسرائيلية، وعدة مواقع عسكرية تطل عليها من قمم التلال. ولقي ما لا يقل عن 3 فلسطينيين أمريكيين حتفهم بنيران الجيش الإسرائيلي أو خلال هجمات المستوطنين الإسرائيليين هذا العام.
في أبريل، استُشهد الفتى الفلسطيني الأمريكي أمير ربيع، البالغ من العمر 14 عامًا، برصاص القوات الإسرائيلية. كما أصيب اثنان من أصدقائه، أحدهما مراهق أمريكي آخر نجا ويتلقى العلاج في نيوجيرسي.
وزعم الجيش الإسرائيلي أن قواته أطلقت النار على الصبية بعد تحديد هويتهم باعتبارهم "ثلاثة إرهابيين كانوا يلقون الحجارة" على الطريق، مما أدى إلى "القضاء على أحدهم وإصابة اثنين آخرين". وفنّدت عائلة ربيع الادعاء الإسرائيلي، وقالت إن الصبيين كانا يقطفان اللوز عندما أطلق جنود الاحتلال النار عليهم. وقد أصيب ربيع 11 مرة، وفقًا للفحص الطبي الذي أجري بعد وفاته.
وفي سنجل، تعرّض سيف الله مسلط، وهو شاب فلسطيني أمريكي يبلغ من العمر 20 عامًا من فلوريدا، وكان يزور أقاربه في الضفة الغربية، للضرب حتى الموت خلال هجوم شنه مستوطنون إسرائيليون في يوليو.
وقال الجيش الإسرائيلي إنه يحقق في الحادث، وإن مهمته هي ضمان أمن جميع السكان. بينما قالت ديانا حلوم، ابنة عم مسلط، البالغة من العمر 27 عامًا، وهي أمريكية من أصل فلسطيني: "أصبحت الآن مدينة أشباح. الجميع قلقون للغاية، وهذا يدفع الناس إلى النزوح".
تجدر الإشارة إلى أن الفلسطينيين هاجروا من القرى إلى الأمريكتين على دفعات، ابتداءً من أوائل القرن العشرين، سعيًا وراء فرص اقتصادية. ونجح الكثيرون في حياتهم الجديدة، ثم بدأوا بالعودة إلى الضفة الغربية المحتلة في العقود الأخيرة، حاملين معهم الثروات التي جمعوها في الغرب لبناء المنازل وتمويل مشاريع البنية التحتية والمراكز المجتمعية.
يُقدَّر عدد سكان بلدية ترمسعيا من حاملي الجنسيات المزدوجة بنحو 85%. يمتلك الكثير منهم منازل فخمة ذات قرميد أحمر. ويُقدَّر عدد سكان البلدية بنحو 3000 نسمة، وهو عدد يتزايد عادة خلال فصل الصيف، عندما يزور الفلسطينيون الأمريكيون القادمون من الولايات المتحدة أقاربهم.
قال ياسر علقم، وهو محامٍ شبه متقاعد متخصص في قانون الأسرة، هاجر من ترمسعيا إلى مقاطعة أورانج بكاليفورنيا عام 1987، ثم عاد بعد 35 عامًا ليعيش هناك بعد تقاعده: "الأمريكيون الفلسطينيون هنا هم جسر إلى العالم الخارجي. عندما أكون هنا، أفتقد الحريات والرفاهية في الولايات المتحدة. لكن عندما أكون في الولايات المتحدة، أفتقد شعور الوطن والمجتمع – مجتمع يعرف فيه الجميع بعضهم بعضًا، وقد تصادف شخصًا ما أربع مرات في اليوم وتصافحه في كل مرة".
ولكن مع بدء عودة الأمريكيين من أصل فلسطيني إلى ديارهم، بدأت أعداد متزايدة من الإسرائيليين في بناء مستوطناتهم الخاصة في مختلف أنحاء الضفة الغربية، التي استولت عليها إسرائيل في عام 1967.
يعتبر الفلسطينيون ومعظم دول العالم المستوطنات الإسرائيلية غير قانونية. بينما يرى مؤيدو المستوطنات أنها وسيلة لمنع قيام دولة فلسطينية، وفي نهاية المطاف تحقيق السيادة الكاملة على الضفة الغربية.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، صرّح وزير المالية اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش، بأن إسرائيل ستمضي قدمًا في توسيع استيطاني مثير للجدل قرب القدس الشرقية المحتلة، والذي "يدفن أخيرًا فكرة الدولة الفلسطينية" – على حد تعبيره.
أثناء توجهه إلى منزله في ترمسعيا، أشار علقم إلى قطع أراضٍ يملكها فلسطينيون أحرقها المستوطنون الإسرائيليون، وأخرى أصبحت غير قابلة للوصول بسبب القيود العسكرية الإسرائيلية. ومرّ علقم بمنازل كبيرة خالية لجيرانه الأمريكيين من أصل فلسطيني الذين غادروا ترمسعيا خوفًا.
يقول مسؤولو القرية إن البلدية كانت تتلقى طلبات لنحو عشرين تصريح بناء سنويًا. ومنذ بدء الحرب على غزة، تلقت البلدية حوالي أربعة طلبات فقط. وقال علقم، الذي أنشأ بموافقة رئيس البلدية إدارة للعلاقات الخارجية في البلدية للتعامل مع شؤون الشتات: "يفكّر الناس مليًا في بناء منازل جديدة أو العودة إلى هنا. لكنني أتحدث عن نفسي عندما أقول إنني أفضل الموت في وطني على الرحيل".
تقول جماعات حقوق الإنسان وسكان القرى الفلسطينيون الأمريكيون، إن المستوطنين الذين ينفذون الهجمات نادرًا ما يتعرضون للمحاكمة أو العقاب، ويتصرفون بحصانة تامة. وأكد الفلسطينيون الأمريكيون أنهم لا يشعرون بحماية الحكومة الأمريكية، ويطالبون بمزيد من الضغط الأمريكي على إسرائيل لكبح جماح المستوطنين المتطرفين، واستخدام القوة العسكرية الفتاكة ضد المدنيين العزّل.
لطالما أدانت الإدارات الأمريكية نمو المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، معتبرة إياها عقبة أمام السلام وفرص قيام دولة فلسطينية في نهاية المطاف. وزاد الرئيس جو بايدن الضغط بفرض عقوبات على المستوطنين المرتبطين بالهجمات العنيفة. لكن الرئيس ترامب رفع تلك العقوبات، وعيّن سفيرًا لدى إسرائيل، هو مايك هاكابي، الذي يدعم المستوطنات علنًا.