تُغلق الولايات المتحدة "باب السلام" في الشرق الأوسط، برفضها لمؤتمر الأمم المتحدة رفيع المستوى حول "التسوية السلمية لقضية فلسطين وتطبيق حل الدولتين"، الذي تستضيفه الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، بمشاركة دولية واسعة، وغياب أمريكي.
مشاركة واسعة
تستضيف الأمم المتحدة في نيويورك، على مدار يومين، أعمال "المؤتمر الدولي لتسوية قضية فلسطين بالوسائل السلمية وتنفيذ حل الدولتين" بإقامة دولة فلسطين على حدود عام 67 وعاصمتها القدس الشرقية.
وتشارك في المؤتمر 17 دولة، فضلًا عن الرئاسة السعودية - الفرنسية المشتركة في لجان مختلفة لإعداد وثيقتين رئيسيتين يُتوقَّع صدورهما عن المؤتمر، وتشيران على نحو خاص إلى منشأ المشكلة مع انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين، والتصورات التي وضعتها خطة التقسيم التي أقرتها الأمم المتحدة عام 1947 بدولتين، يهودية وعربية.
وعلى الرغم من أن إسرائيل قبلت الخطة بداية، فإنها تراجعت لاحقًا، وبقيت الخطة منذ ذلك الحين حبرًا على ورق. وشكلت فكرة حل الدولتين، المستندة إلى حدود ما قبل حرب عام 1967، أساس محادثات السلام التي بدأت منذ تسعينيات القرن الماضي.
ويُطلق مؤتمر الأمم المتحدة حول "التسوية السلمية لقضية فلسطين وتطبيق حل الدولتين" زخمًا جديدًا لتجسيد حل الدولتين بوصفه السبيل الوحيد القابل للتطبيق لتحقيق السلام في الشرق الأوسط، ويعمل المشاركون على إعداد "خريطة طريق" تتضمن خطوات محددة، أولها إنهاء الحرب في غزة، مع تحديد الإجراءات التي ينبغي أن تتخذها "كل الجهات الفاعلة ذات الصلة لتنفيذ حل الدولتين.. من خلال التزامات ملموسة ومحددة زمنيًا".
واشنطن ترفض المؤتمر
لكن الإدارة الأمريكية أعلنت رفضها للمؤتمر الدولي رفيع المستوى بشأن التسوية السلمية للقضية الفلسطينية، وتنفيذ حل الدولتين، متذرعة بأنه قد يؤدي إلى "إطالة أمد الحرب".
وزعمت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، تامي بروس، في بيان أمس الاثنين، أن المؤتمر "غير مجدٍ وتوقيته غير مناسب". وقالت: "تستضيف الأمم المتحدة هذا الأسبوع مؤتمرًا غير مجدٍ وتوقيته غير مناسب حول حل الدولتين، والمؤتمر البعيد عن تعزيز السلام سيطيل أمد الحرب، ويشجع حركة حماس، ويقوّض الجهود الواقعية الرامية إلى تحقيق السلام".
وأكدت بروس أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تشارك في المؤتمر، وأضافت: "تركيزنا ينصب على الدبلوماسية الجادة، وليس على مؤتمرات تُعقد لإظهار أنها مهمة".
كما انتقدت المتحدثة قرار فرنسا الاعتراف بدولة فلسطين، مشيرة إلى أنه "أرضى حماس"، وأكدت رفض واشنطن للقرار.
تأييد عالمي لحل الدولتين
على مدى عقود، أيدت الغالبية العظمى من المجتمع الدولي مبدأ حل الدولتين اللتين يعيش فيهما الإسرائيليون والفلسطينيون جنبًا إلى جنب في سلام وأمن.
وفي مايو الماضي، عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اجتماعًا تحضيريًا للمؤتمر رفيع المستوى الخاص بحل الدولتين، حيث أكد فيلمون يانج، رئيس الجمعية العامة، على الأهمية القصوى لهذا المؤتمر، معتبرًا أنه لا يمكن حل هذا الصراع من خلال الحرب الدائمة، ولا من خلال الاحتلال أو الضم اللانهائي.
ورأى أن هذا الصراع سينتهي فقط عندما يتمكن الإسرائيليون والفلسطينيون من العيش جنبًا إلى جنب في دولتيهما المستقلتين وذات السيادة، في سلام وأمن وكرامة.
خطوة فرنسية بارزة سبقت انعقاد المؤتمر، حيث أعلن الرئيس إيمانويل ماكرون عزمه الاعتراف بالدولة الفلسطينية في سبتمبر المقبل أثناء مشاركته في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ما يضفي على مؤتمر نيويورك بعدًا جديدًا ووزنًا دوليًا.
وقد لاقى هذا الإعلان ترحيبًا واسعًا، حيث وصفه الرئيس الفلسطيني محمود عباس بأنه انتصار للحق الفلسطيني، معبرًا عن تقديره لحرص فرنسا على دعم الشعب الفلسطيني وحقوقه الثابتة والمشروعة في أرضه ووطنه، فيما اعتبرت المملكة العربية السعودية هذا القرار بأنه "تاريخي".
وأكد الخبراء أن إعلان الرئيس الفرنسي يمثل نقطة تحول مهمة قد تدفع دولًا أخرى إلى التفكير في الاعتراف بدولة فلسطين.
اعتراف واسع بالدولة الفلسطينية
يُشار إلى أن 149 من إجمالي 193 دولة في الأمم المتحدة اعترفت بالدولة الفلسطينية، وتشمل هذه الدول غالبية دول آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، إلى جانب بعض دول أوروبا الشرقية.
ولا تزال بعض الدول الغربية الكبرى تتريث في الاعتراف، رغم دعمها النظري لحل الدولتين، وتزايد الضغوط السياسية والشعبية في داخلها.
وترفض الولايات المتحدة الاعتراف بدولة فلسطين من جانب واحد، وتصر على أن أي اعتراف يجب أن يكون ناتجًا عن مفاوضات مباشرة، كما تستخدم واشنطن حق النقض (الفيتو) بشكل متكرر ضد تحركات فلسطينية في الأمم المتحدة.