الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

مجازر بحق الجوعى.. طبيبة بريطانية تقدم شهادة للتاريخ عن مأساة غزة

  • مشاركة :
post-title
توزيع المساعدات في قطاع غزة - أرشيفية

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

عند الساعة الثامنة من صباح الأول من يونيو، وبينما كانت الطبيبة البريطانية فيكتوريا روز تقترب من نهاية مهمتها التطوعية في غزة، سجَّلت ذاكرتها مشهدًا لن تنساه أبدًا في مسيرتها الإنسانية بمناطق الحروب، بدأ بتدفق لسيارات إسعاف محملة بالجثث على مستشفى ناصر في مدينة خان يونس جنوبي القطاع، تلتها عربات تجرها الحمير تحمل المزيد من الضحايا.

 لم تكن الأيام الـ21 التي قضتها طبيبة جراحات التجميل البريطانية في غزة تحمل الكثير من الأخبار السارة، فكل يوم تستقبل العديد من الضحايا المدنيين الفلسطينيين، أغلبهم من الأطفال، وفقًا لما نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية.

المساعدات فخ للموت

تستذكر "روز"، البالغة من العمر 53 عامًا، وهي تصف المجزرة التي وقعت قرب نقطة توزيع المساعدات الغذائية التابعة لمؤسسة غزة الإنسانية المدعومة من أمريكا وإسرائيل، قائلة: "بحلول الساعة العاشرة، كان لدينا نحو 20 جثة، وبعدها مئة أو نحو ذلك من جروح الرصاص".

ونوَّهت الطبيبة البريطانية بأن جميع المرضى الذين عالجتهم في هذا اليوم المشؤوم أكدوا أنهم أصيبوا برصاص الأشخاص الذين يحرسون نقطة التوزيع، وآخرون أخبروها أنهم أصيبوا أثناء الهروب، وهو ما تؤكده جروح الرصاص التي عالجتها في ظهور أرجل الناس وجذعهم وبطونهم.

وبحسب وزارة الصحة في غزة، استُشهِد أكثر من 700 فلسطيني وأصيب نحو 5 آلاف آخرين منذ الأول من يونيو في عمليات إطلاق نار شبه يومية بالقرب من مواقع توزيع المساعدات التي تديرها مؤسسة غزة الإنسانية.

كما أفادت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بأن مستشفاها الميداني في مدينة رفح الفلسطينية عالج أكثر من 2200 مريض مصاب بجروح ناجمة عن الأسلحة، مؤكدة أنها سجلت 200 وفاة منذ بداية نظام المساعدات الجديد.

جحيم الحرب

أشارت الصحيفة الأمريكية إلى أن الدكتورة فيكتوريا روز، كبيرة جراحي التجميل في مستشفى تشيلسي وويستمنستر بلندن، ليست غريبة عن المآسي الإنسانية، فمسيرتها المهنية التي امتدت 30 عامًا، عالجت خلالها إصابات شديدة ومُهدِدة للحياة من حوادث الطرق وإطلاق النار، وهي الإصابات الخطيرة التي تحدث نتيجة قوة خارجية عنيفة وتحتاج تدخلًا جراحيًا عاجلًا لإعادة بناء الأنسجة المتضررة، لكن ذلك لا يقارن بما شاهدته في غزة، إذ تقول "لم أشهد هذا الحجم وهذه الكثافة من قبل".

بدأت علاقة الدكتورة روز بغزة في 2019 عندما كانت تعمل رئيسة جراحي التجميل الرضحية في مستشفى كينجز كوليدج بلندن، والتقت هناك بالدكتور جراهام جروم، جراح العظام البريطاني الذي ألهمها للتطوع مع منظمة خيرية تدرب الجراحين في الأراضي الفلسطينية، وعندما بدأ العدوان الإسرائيلي، كانت لا تزال على تواصل مع الدكتور أحمد المخللاتي، أحد الأطباء الذين دربتهم.

دكتورة روز فيكتور
طفولة محطمة

وصفت الدكتورة روز التغيير المروع في حياة أطفال غزة الذي شهدته خلال زياراتها الثلاث للقطاع قائلة: "لم تعد مجرد جروح سطحية من قطع المعدن الصغيرة التي تنطلق من الانفجارات، بل أجزاء كاملة من أجسادهم اختفت تمامًا"، مشيرة إلى أن طبيعة الإصابات تطورت من جروح قابلة للعلاج إلى تشوهات مدمرة.

وتابعت: "كان الأطفال يأتون برُكب مفقودة وأقدام مفقودة وأيدٍ مفقودة.. أصغر مريض عالجته كان طفلًا يبلغ من العمر 3 أشهر في مايو، أُصيب بحروق شديدة في البطن والساق جراء انفجار قنبلة".

خلال رحلتها الأخيرة، عالجت روز في المتوسط 10 مرضى يوميًا، وتقدر أن نحو 60% منهم كانوا دون سن الـ15 عامًا، وفي مقطع فيديو نشرته على إنستجرام في 23 مايو، قدمت حاتم، الطفل البالغ من العمر 3 سنوات والملفوف بالكامل تقريبًا بالضمادات، قائلة: "لديه حروق بنسبة 35%، هذا حرق ضخم لطفل صغير".

نظام صحي على شفا الانهيار

يواجه النظام الصحي في غزة ضغطًا شديدًا بسبب التدفق المستمر للمصابين بجروح خطيرة، وفقًا لشهادة الدكتورة روز لـ"نيويورك تايمز".

وأشارت الصحيفة إلى أن سوء الصرف الصحي وسوء التغذية الواسع النطاق يزيدان من سوء معدلات البقاء على قيد الحياة.

وحذرت الأمم المتحدة من "احتمالية متزايدة للمجاعة" في يونيو، بعد حصار إسرائيل لمدة شهرين على المساعدات، والذي انتهى عندما بدأت مؤسسة غزة الإنسانية في العمل.

وقالت الدكتورة روز: "سوء التغذية يترك الجسم أقل قدرة على إصلاح الجروح ويضعف جهاز المناعة"، مضيفة أن نقص المضادات الحيوية في غزة يعني أن الأطباء "غير قادرين على منع العدوى، وبعد ذلك غير قادرين على علاجها".

بين الأمل واليأس

رغم المأساة المحيطة، وجدت الدكتورة روز في زملائها الفلسطينيين مصدرًا للإلهام، وكتبت في إحدى منشوراتها الأخيرة من مستشفى ناصر: "يا له من فريق.. أشخاص رائعون يعملون كل الساعات لمساعدة المحتاجين"، واصفة إياهم بـ"الأبطال".

وفي 20 يونيو، شاركت الدكتورة روز خبرًا سعيدًا صغيرًا، وهو أن حاتم، ضحية الحروق البالغ من العمر 3 سنوات، تم إجلاؤه إلى أبو ظبي، حيث يمكن أن يستمر علاجه في أمان، لكنها لا تزال تفكر في الأطفال الذين عالجتهم ولم ينجوا، وفي زملائها الفلسطينيين الذين لا يزالون في غزة يحاولون إنقاذ الأرواح.

وعندما غادرت الدكتورة روز القطاع في 3 يونيو، وسُئلت عن شعورها بالعودة إلى لندن، توقفت قائلة: "ليست صدمة نفسية كما يحدث للجنود العائدين من الحرب، لكنني لا أزال عالقة ذهنيًا هناك إلى حد ما".

وختمت شهادتها بعبارة تلخص المأساة الإنسانية: "نحن في تلك النقطة حيث تم تقليل الناس إلى مستوى من الحرمان بحيث أصبحوا مستعدين للموت من أجل كيس أرز وقليل من المعكرونة".