افتتح الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون، منتجع "وونسان-كالما" الساحلي، واصفًا إياه عبر وسائل الإعلام الرسمية بأنه "مدينة سياحية على مستوى الكنز الوطني"، في خطوة أثارت جدلًا واسعًا، نظرًا للتناقض الصارخ بين هذا المشروع الضخم والواقع الإنساني المتدهور، الذي يعيشه غالبية سكان البلاد.
ويضم المنتجع الجديد، الذي أقيم على الساحل الشرقي للبلاد، حدائق مائية وفنادق شاهقة وسعة استيعابية لنحو 20 ألف زائر، ويُعد عرضًا استعراضيًا للبذخ في دولة تعاني عقوبات اقتصادية مشددة وتعزلها علاقات متوترة مع المجتمع الدولي، حسب وكالة الأنباء المركزية الكورية.
وشهد المنتجع افتتاحًا رسميًا، 24 يونيو الجاري، في حفل شارك فيه السفير الروسي لدى كوريا الشمالية فقط، وهو ما يعكس تنامي العلاقات بين موسكو وبيونج يانج، في ظل العزلة الدولية المفروضة على النظام الكوري الشمالي.
وأعلنت السلطات أن المنتجع سيبدأ استقبال النزلاء المحليين، بدءًا من 1 يوليو 2025، دون تقديم معلومات حول آلية الاختيار أو وسائل الوصول إليه، في بلد يُعد فيه السفر الداخلي والخارجي خاضعًا لقيود صارمة.
وفي إطار تعزيز البنية التحتية السياحية، افتتحت كوريا الشمالية أخيرًا محطة قطارات جديدة في منطقة كالما، وُصفت بأنها تهدف لتوفير "راحة عالية للمسافرين إلى المنطقة الساحلية"، وتوجد بالقرب من مطار دولي، ما يشير إلى نية السلطات اجتذاب الزوار الأجانب، لا سيّما من روسيا، بهدف كسب العملات الصعبة.
هذا الافتتاح يأتي في وقت تتصاعد فيه الانتقادات الدولية بشأن أوضاع حقوق الإنسان بالبلاد. وفي عام 2024، وصف المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فولكر تورك، الحياة في كوريا الشمالية بأنها "خانقة ومكتظة"، مشيرًا إلى أنها "صراع يومي ميؤوس منه" للمواطنين العاديين.
وفي السياق ذاته، أشار خبراء تحدثوا لشبكة "سي إن إن" الأمريكية، إلى أن المنتجع سيكون على الأرجح مخصصًا للنخبة السياسية والاقتصادية في بيونج يانج.
وقال ليم يول تشول، أستاذ الدراسات الكورية الشمالية في جامعة كيونجنام بكوريا الجنوبية، إن "المنتجع سيخدم بالدرجة الأولى كبار مسؤولي الحزب والشخصيات البارزة".
واعتبرت راشيل مينيونج لي، الزميلة في مركز ستيمسون بواشنطن، أن المشروع جزء من سياسة كيم الداخلية لترسيخ مفهوم "الحضارة الاشتراكية" عبر استثمارات ضخمة في القطاع السياحي، مشيرة إلى أن المنتجع قد يُفتح لاحقًا أمام الروس، كما حدث في تجارب سابقة.
وبدأت كوريا الشمالية فتح الباب أمام السياحة الروسية، العام الماضي، من خلال تنظيم رحلات سياحية شتوية محدودة إلى منتجع "ماسكيريونج"، إذ خضع السياح لرقابة صارمة شملت تقييد التصوير وفرض حضور عروض دعائية.
ويعيد مشروع "وونسان-كالما" إلى الأذهان التجربة السياحية الأبرز للبلاد في تسعينيات القرن الماضي، حينما فُتحت منطقة "جبل كومجانج" ذات المناظر الطبيعية الخلابة أمام الزوار الكوريين الجنوبيين، قبل أن تتوقف المبادرة عام 2008، بعد حادث إطلاق نار مميت على سائح جنوبي، ما أدى إلى تعليق المشروع إلى أجل غير مسمى.
ويرى مراقبون تحدثوا لـ"سي إن إن"، أن هذا المشروع السياحي الجديد يمثل محاولة من كيم جونج أون لتجميل صورة النظام أمام الداخل والخارج، غير أن غياب الشفافية والتفاوت الحاد في مستويات المعيشة، يطرحان تساؤلات جدية حول مدى جدوى مثل هذه المشروعات في دولة تعاني عُزلة خانقة وأزمات اقتصادية وإنسانية مستفحلة.