شهدت السياسة الخارجية المصرية بعد ثورة 30 يونيو 2013 تحولًا استراتيجيًا شاملًا، ارتكز على مبدأ التوازن والانفتاح تجاه جميع القوى الدولية والإقليمية، بما يخدم المصالح الوطنية ويعزز من دور مصر ومكانتها على الساحة العالمية. ومنذ تولي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الحكم في يونيو 2014، اتسمت السياسة الخارجية المصرية بالحكمة، والواقعية، والحضور الفاعل في مختلف المحافل، بما يعكس مكانة مصر التاريخية والجيوسياسية.
الانضمام إلى التكتلات العالمية
في إطار الانفتاح على القوى الاقتصادية الناشئة، وقّعت مصر اتفاقية تجارة حرة مع تكتل "الميركوسور" في أمريكا الجنوبية، وهو من أهم التكتلات الاقتصادية في المنطقة، كما أصبحت شريكًا في الحوار مع منظمة "شنجهاي" للتعاون في آسيا، ما يعكس تنويع مصر لتحالفاتها الاستراتيجية شرقًا وغربًا.
وقد حصدت مصر خلال السنوات الماضية ثمار جهودها الدبلوماسية، وكان من أبرز ثمار تلك السياسات انضمام مصر إلى مجموعة "بريكس" بدءًا من يناير 2024. وقد رحّب الرئيس السيسي بهذه الخطوة مؤكدًا أنها تمثل شهادة ثقة دولية في الاقتصاد المصري وتقديرًا لمكانتها السياسية، خصوصًا في ظل التحديات العالمية المتزايدة.
كما دعت البرازيل، خلال رئاستها لمجموعة العشرين، مصر للمشاركة كضيف دائم في اجتماعات المجموعة لعام 2024، في إشارة إضافية إلى الاعتراف الدولى بالدور المتصاعد لمصر على المستويين الاقتصادي والسياسي. وتشارك مصر كذلك في تنظيم اجتماع رسمي للمجموعة حول الأمن الغذائي في سبتمبر المقبل، في سابقة فريدة من نوعها لدولة غير عضو في المجموعة.
المنظمات الإقليمية والدولية
سعت السياسة الخارجية المصرية إلى ترسيخ علاقاتها في إطار التكتلات متعددة الأطراف، فشاركت مصر بفعالية في قمم الأمم المتحدة، الاتحاد الإفريقي، القمم العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، كما حضرت كمراقب وعضو ضيف في مجموعة العشرين.
وتعززت هذه الجهود بانضمام مصر مجددًا إلى مجلس الأمن كعضو غير دائم، وترؤسها لجنة مكافحة الإرهاب، وهو ما يعكس التقدير الدولى للدور المصري في قضايا الأمن والسلم الدوليين.
كذلك، كان لمصر دور كبير في مجموعة "الـ77 + الصين"، حيث لعبت دورًا محوريًا في الدفاع عن مصالح الدول النامية، وسعت لإصلاح منظومة الأمم المتحدة التنموية، بما يحقق العدالة الاقتصادية بين دول الشمال والجنوب.
النزاعات الإقليمية
بعد ثورة 30 يونيو، تبنت مصر سياسة خارجية تركز على حماية الأمن القومي في محيط إقليمي متوتر. فقد أعلنت خطوطًا حمراء فيما يخص الأزمة الليبية، دعمًا لوحدة الدولة الليبية ومؤسساتها الوطنية، كما وقفت مصر موقفًا داعمًا لاستقرار السودان، داعية إلى وقف العنف والحفاظ على وحدة الدولة.
أما في القضية الفلسطينية، فقد لعبت مصر دورًا محوريًا ورياديًا، خاصة مع تصاعد العدوان الإسرائيلي على غزة. فقد تولت مصر الوساطة لوقف إطلاق النار، وقدمت ما يقرب من 80% من إجمالي المساعدات الإنسانية إلى الفلسطينيين، وتبنت بوضوح رؤية حل الدولتين كمدخل لحل دائم وشامل للصراع.
كذلك أكدت مصر على أهمية التهدئة في منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر، إدراكًا لأهمية هذه المناطق الحيوية للأمن القومي المصري، وربطًا مباشرًا بين استقرار هذه المناطق والمصالح الاستراتيجية للدولة.
علاقات متوازنة مع القوى الكبرى
نجحت مصر في تطوير علاقات متوازنة مع مختلف القوى الكبرى، شرقًا وغربًا، من خلال سياسة انفتاح ذكي لا ينحاز لطرف دون آخر. وعلى سبيل المثال، كثفت مصر جهود الوساطة بشأن الأزمة الروسية – الأوكرانية، وأكدت أهمية الحل السلمي والتفاوض المباشر بين الأطراف، إدراكًا لأثر هذا النزاع على الأمن والسلم العالميين.
تعزيز التعاون مع أوروبا وشرق المتوسط
على الصعيد الأوروبي، ارتفعت العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبي إلى مستوى "الشراكة الاستراتيجية الشاملة"، كما أقامت مصر تحالفات استراتيجية مع دول شرق المتوسط، خاصة قبرص واليونان، وأسست منتدى غاز شرق المتوسط ليكون منصة إقليمية فعالة تدير الموارد المشتركة وتعزز الاستقرار.
كما تولت مصر مع الاتحاد الأوروبي رئاسة المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب في مايو 2023 لمدة عامين، ما يعكس مكانة مصر كفاعل رئيسي في الجهود الدولية لمكافحة التطرف والإرهاب.
العمق الإفريقي
احتلت إفريقيا أولوية متقدمة في السياسة الخارجية المصرية، حيث شهدت العلاقات الإفريقية تطورًا نوعيًا منذ 2014 على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية. وقد ترأست مصر الاتحاد الإفريقي في عام 2019، وأسهمت في إطلاق "اتفاقية التجارة الحرة القارية"، التي تمثل خطوة كبيرة نحو التكامل الاقتصادي القاري.
كما بادرت مصر بتأسيس المركز الإقليمي لمكافحة الإرهاب لدول الساحل والصحراء، دعمًا للجهود الإفريقية في مكافحة التهديدات الأمنية العابرة للحدود.
أظهرت السياسة الخارجية المصرية بعد ثورة 30 يونيو نضجًا كبيرًا في التعامل مع التحديات الدولية والإقليمية، وانتهاج مبدأ التوازن الاستراتيجي والانفتاح الشامل، مما مكّن مصر من استعادة مكانتها كدولة محورية ذات تأثير عابر للحدود. لقد نجحت القاهرة، خلال عقد من الزمن، في إعادة بناء صورتها الدولية، وتحولت من موقع رد الفعل إلى موقع الفعل، في دوائرها العربية والإفريقية والدولية.