لم يفقد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، شغفه بالهواتف المحمولة والمكالمات والمحادثات، إذ بات الجمهوري الذي فاز بولاية ثانية، نوفمبر الماضي، أكثر الرؤساء الذين يستجيبون للمكالمات من الأرقام الغريبة، وغير المسجلة على قائمة هاتفه، الأمر الذي يثير قلق الخبراء الأمنيين في الإدارة الأمريكية.
وقبيل يوم الانتخابات، نوفمبر 2024، تلقى دونالد ترامب معلومة "مُقلقة"، بعد أن علم أنه كلما أجرى أو استقبل مكالمات على هاتفه المحمول الشخصي قد يتنصت عليه قراصنة صينيون ويجمعون معلومات استخباراتية، بحسب مجلة "ذا أتلانتيك" الأمريكية.
وانضم دونالد ترامب إلى قائمة رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية المهووسين بالمكالمات الهاتفية، إذ كان "رذرفورد هايز" أول رئيس يُركّب هاتفًا في البيت الأبيض عام 1877، وكان هربرت هوفر أول من وضع خطًا في المكتب البيضاوي عام 1929.
التنصت على هاتف ترامب
وفي الذاكرة الحديثة، كان الرئيس الأسبق باراك أوباما الرئيس الأكثر إصرارًا على جلب هاتف ذكي شخصي إلى البيت الأبيض، المعروف بإدمانه على هاتفه "بلاك بيري"، وجادل بالاحتفاظ به بعد فوزه عام 2008، وانتصر في النهاية، وإن كان ذلك بعد تسوية صعبة تضمنت الحد من اتصالاته.
وجرت عملية اختراق لشبكات الاتصالات الأمريكية من قبل قراصنة يرجع إلى أنها تابعة للصين، وفقًا لمسؤولين فيدراليين، 25 أكتوبر الماضي، التي سمحت لهم بالتنصت على مكالمات تتعلق بترامب ونائبه دي فانس، وشخصيات سياسية أخرى.
وإزاء هذا الاختراق اتخذ بعض أعضاء حملة دونالد ترامب، إجراءات فورية، فتخلوا عن أرقام قديمة، وجرّبوا هواتف مؤقتة، أو انتقلوا إلى تطبيقات مشفرة من البداية إلى النهاية، مثل Signal للمكالمات الصوتية حتى لا تمر عبر مراكز التحويل المركزية، لكن ترامب بدا غير منزعج من الخبر، وفقًا لشخصين مطلعين على الحادث، شريطة عدم الكشف عن هويتهما لمجلة "ذا أتلانتيك".
الهدف الأول لأجهزة الاستخبارات
ودائمًا ما يتلقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تحذيرات من المخاطر الهائلة التي واجهها، ربما باعتباره الهدف العالمي الأول لأجهزة الاستخبارات الأجنبية، باستخدامه هاتف آيفون شخصي برقم متداول على نطاق واسع للبقاء على اتصال مع العشرات من الأصدقاء والزملاء.
وسبق عملية الاختراق لشبكة الاتصالات الأمريكية، اختراق إيراني لنظام البريد الإلكتروني لحملته ترامب الانتخابية، غير أن هذا الاختراق لم يُمثل مشكلة لترامب شخصيًا، لأنه لا يُحبذ كتابة الأمور، إلى جانب اختراق صيني لرسائل البريد الإلكتروني للجنة الوطنية الجمهورية.
وبعد أيام من فوز الرئيس الـ47 بالانتخابات الأمريكية للمرة الثانية، أضاء هاتف ترامب، تمامًا كما حدث قبل 8 سنوات في ليلة الانتخابات عام 2016، وقال حينها وفقًا لمستشاره: "لن تصدقوا، اتصل بي بالفعل 20 من قادة العالم".
كانت المرة الأولى التي أدرك فيها فريق ترامب حقًا أنه ستكون له علاقة مختلفة مع هاتفه المحمول عن الرؤساء السابقين هي ليلة انتخابات عام 2016، عشية فوزه غير المحتمل، إذ قال المستشار الخارجي له،: "كان يرد على كل مكالمة هاتفية"، مشيرًا إلى أنه لم يكن أي من الأرقام في جهات اتصال ترامب، إنه يجيب على الهاتف فقط لا يريد أن تفوته المكالمات".
جاذبية ترامب للأرقام الغريبة
وقالت المجلة الأمريكية: "بعد أكثر من أربعة أشهر بقليل من ولايته الثانية، أصبح هاتف الرئيس الشخصي، من نواحٍ عديدة، الجهاز التكنولوجي الأكثر أهمية في الحكومة الفيدرالية، إذ يربطه مباشرةً بالعالم الخارجي، يتصل به المشرعون والأصدقاء وأفراد العائلة وعمالقة الشركات والمشاهير وقادة العالم والصحفيون بانتظام، مدركين أن ترامب، دون أن يُعرف مساعدوه، يبقى مستعدًا للرد على الهاتف حتى عندما لا يتعرف على الرقم".
وفسرت المجلة الأمريكية، جاذبية الهاتف بالنسبة لترامب، قائلة: "يحب الرئيس الأمريكي بالناس، وتثيره الأرقام المجهولة، وسيكون تسليم الهاتف غير مريح ومُقيّدًا، لذا يحتفظ به"، وفشل مستشاروه للسيطرة عليه وعلى استخدامه للهاتف المحمول.
وقال أحد المستشارين لترامب للمجلة الأمريكية: "أعتقد أن الناس قد تخلوا عن ذلك منذ سنوات"، مضيفًا أن عددًا كبيرًا من الناس يملكون رقم ترامب الشخصي، وقدر مستشار ثانٍ العدد بأكثر من 100 شخص".
وتابع: "ترامب لديه جهازان مختلفان، وقال مساعد واحد على الأقل إنه رآه يستخدم ثلاثة أجهزة، وأشار بعض المساعدين إلى أن أحد هذه الهواتف مخصص بشكل رئيسي لاستخدامه لوسائل التواصل الاجتماعي".
استياء كبير بين مساعديه
في ولاية ترامب الثانية، تخلى مستشاروه عن محاولة تقييد استخدامه للهاتف، على الرغم من اعترافهم سرًا باستيائهم من ممارسته تلقي مكالمات من الصحفيين وغيرهم دون علمهم، وقال كريس لاسيفيتا، مستشار حملة ترامب، في مقابلة مع بوليتيكو، خلال المؤتمر الوطني الجمهوري، العام الماضي: "إنه يتصل بالناس بلا توقف".
ورغم الجهود المبذولة لاستئصال المتسللين الصينيين من البنية التحتية للاتصالات وتعزيز الأنظمة، لا يزال هناك خطر وقوع هجمات مستقبلية، وقبل مغادرة الرئيس السابق جو بايدن منصبه، طلب فريق بايدن من لجنة الاتصالات الفيدرالية بدء عملية وضع قواعد لإلزام شركات الاتصالات بتحديث أمن شبكاتها، لأن الإرشادات الطوعية للقطاع التي أصدرتها الحكومة لم تحمي البلاد.
وتعارض المجموعات التجارية التي تمثل قطاعات الاتصالات اللاسلكية والاتصالات والنطاق العريض تفويضات أمنية جديدة، بحجة أنها ستفرض واجبات شاقة على مستوى الشبكة.
وقال أحد خبراء الأمن السيبراني، الذين شاركوا في مراجعة بايدن، للمجلة الأمريكية: "من المرجح أن تتعرض الأنظمة للاختراق مرة أخرى"، مضيفًا أن "ضعف مؤسسة الاتصالات يعني أن حتى مكالمات الهاتف الأرضي للبيت الأبيض قد تكون معرضة للاختراق، وتستخدم أنظمة البيت الأبيض خطوط الهاتف الأمريكية، إذا تم اختراق النواة، فلا يهم من يكون على الطرف الآخر من المكالمة".