حين يُذكر الأداء العميق والموهبة التي لا تشيخ مع تقدم العمر بل تزداد نضجًا والصوت الآسر، يقف اسم النجم مورجان فريمان كعلامة فارقة في عالم السينما، ليس مجرد ممثل، بل أيقونةً أمريكيةً تنبض بالحكمة، تتجاوز حضوره الجسدي إلى طيف من التأثير والإلهام.
يحتفل "فريمان"، اليوم الأحد الأول من يونيو، بعيد ميلاده الثامن والثمانين، حاملاً معه مسيرة فنية امتدت لعقود، حافلة بالنجاحات والتحولات الملهمة التي رسّخت مكانته كواحد من أعظم ممثلي هوليوود عبر التاريخ.
ولد مورجان فريمان عام 1937، وكان يحلم منذ صغره بأن يصبح طيارًا مقاتلًا، وانضم إلى سلاح الجو الأمريكي بعد تخرجه من المدرسة الثانوية، رافضًا منحة لدراسة الدراما، ظنًا منه أن الطيران هو شغفه الحقيقي، لكن بعد سنوات من الخدمة، اكتشف أن الطيران "آلة للقتل" كما وصفه، فترك الجيش واتجه إلى هوليوود، بحثًا عن ذاته الفنية.
بدأ فريمان رحلته مع التمثيل من المسرح المدرسي وهو في التاسعة من عمره، متأثرًا بنجوم الشاشة الذين كان يتابعهم بشغف، ومع صقل موهبته، التحق بكلية لوس أنجلوس لدراسة التمثيل، قبل أن يشق طريقه إلى مسارح برودواي، تألق عام 1968 في مسرحية "Hello, Dolly!" بجوار النجمة بيرل بيلي، ثم خاض أولى تجاربه السينمائية عام 1971 بفيلم "Who Says I Can't Ride a Rainbow?".
نقطة التحول
ابتعد عن السينما لفترة طويلة، وركز على العمل في التلفزيون والمسرح، لكن عام 1980 شكّل تحولًا كبيرًا في مسيرته، بمشاركته في أعمال تناولت قضايا اجتماعية بارزة مثل "Attica" و"Brubaker" ثم جاء الانفجار الحقيقي في عام 1987، حين أبهر النقاد بأدائه الواقعي في فيلم Street Smart الذي جسَّد فيه شخصية من عالم الجريمة، ليحصد أول ترشيح لجائزة الأوسكار.
توالت النجاحات بعد ذلك، أبرزها فيلم Driving Miss Daisy الذي فاز بجائزة أوسكار أفضل فيلم، ورُشّح فريمان عن دوره فيه للمرة الثانية، كما أبدع في أفلام مثل Lean on Me وGlory وThe Shawshank Redemption الذي أصبح من أكثر الأفلام تأثيرًا في التاريخ السينمائي.
وفي عام 2004، توَّج مسيرته بجائزة الأوسكار لأفضل ممثل مساعد عن دوره في فيلم Million Dollar Baby، ليصبح اسمه مرادفًا للجودة والثقل الفني.
يُعد صوت فريمان من أكثر الأصوات تميزًا في العالم، واستُخدم بكثرة في الأفلام الوثائقية والإعلانات لما يحمله من جاذبية وثقة. صوته لم يكن فقط أداة تمثيل، بل علامة تجارية بحد ذاته، منحته قدرة خاصة على تجسيد الأدوار العميقة ذات البعد الفلسفي والإنساني.
التجربة الإخراجية
في عام 1993، خاض تجربة الإخراج بفيلم Bopha! الذي تناول الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، ونال إشادة نقدية واسعة، وعُرف عنه التزامه بالقضايا الإنسانية والعدالة الاجتماعية، سواء من خلال أدواره أو اختياراته الفنية.
في قلب هوليوود
شارك فريمان في سلسلة Batman بدور لوسيوس فوكس، وواصل تقديم أدوار متنوعة في أفلام مثل Se7en، وInvictus، وLucky Number Slevin. ورغم اقترابه من العقد التاسع من العمر، لا يزال يتمتع بحضور طاغٍ وطاقة لا تخبو.
الحياة الشخصية
تزوّج مرتين؛ الأولى من جانيت برادشو (1967–1979)، والثانية من ميرنا كولي لي (1984–2010). ورغم الأضواء، ظل فريمان محافظًا على خصوصيته، مكرسًا وقته للفن والطيران الذي بقي شغفًا شخصيًا له، إذ حصل لاحقًا على رخصة قيادة طائرة، محققًا حلم الطفولة بطريقته الخاصة.
رُشِّح مورجان فريمان لجوائز الأوسكار عدة مرات منها كأفضل ممثل مساعد عام Street Smart (1988)، وأيضا عام 1990 أفضل ممثل رئيسي عن Driving Miss Daisy، وبعدها بخمس سنوات عام 1995 رشح كأفضل ممثل رئيسي عن The Shawshank Redemption ، وفي عام 2005 كأفضل ممثل مساعد عن Million Dollar Baby والتي فاز بها، وفي عام 2010 رشح كأفضل ممثل رئيسي عن Invictus.
مورجان فريمان ليس مجرد نجم سينمائي، بل هو صوت في الذاكرة، ووجه في الضمير الفني العالمي، مسيرته قصة نادرة عن الإصرار والتحول، وعن رجل جمع بين الحلم والانضباط، ليصبح أحد أعمدة الفن السابع في القرن العشرين وما بعده.