الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

نجت من النيران وخسرت عائلتها.. "ورد" أحدث ضحايا الطفولة المسروقة بغزة

  • مشاركة :
post-title
ورد الشيخ خليل الناجية من مجزرة مدرسة فهمي الجرجاوي

القاهرة الإخبارية - طه العومي

وسط ركام القصف ولهيب النيران، هرعت الطفلة ورد الشيخ خليل (5 أعوام)، حافية القدمين ومذهولة، بحثًا عن النجاة وعن عائلتها –والدتها وأشقائها– في مدرسة فهمي الجرجاوي بمدينة غزة؛ هذه المدرسة، التي لجأت إليها ورد وعائلتها من حي الشجاعية هربًا من الموت، تحولت بفعل صواريخ الاحتلال الإسرائيلي إلى مقبرة جماعية، شهدت واحدة من أبشع المجازر بحق المدنيين.

كانت ورد وعائلتها يقيمون في مدرسة فهمي الجرجاوي، التي كانت تؤوي مئات العائلات النازحة بعد تدمير منازلهم في حي الشجاعية شرق مدينة غزة؛ اختار والدها، جلال الشيخ خليل (47 عامًا)، المدرسة بحثًا عن الأمان بعيدًا عن القصف والدمار، لكن الأمان في غزة بات سرابًا.

في تلك الليلة العصيبة، قصفت طائرات الاحتلال محيط المدرسة دون أي إنذار مسبق، فاندلع حريق هائل غطى الدخان سماء المنطقة، وتعالت صرخات النساء والأطفال. استشهدت هبة الشيخ خليل، والدة ورد، حرقًا وهي تحتضن صغيرتها أمل (3 أعوام). كما استشهد إخوة ورد: عبد الرحمن (18 عامًا)، ومحمد (14 عامًا)، وماريا (13 عامًا)، وسلوان (11 عامًا)، في اللحظة ذاتها، وتحولت أجسادهم إلى أشلاء متفحمة.

نجا الوالد جلال بأعجوبة، لكنه اليوم يرقد في العناية المركزة، يصارع من أجل البقاء، لا يعلم حتى اللحظة أن معظم أفراد عائلته استشهدوا، وفي كل مرة يستفيق من غيبوبته يسأل عنهم، فيجيبه الأقارب، "إنهم بخير، لكنهم في مكان آمن"، ويبدو فعلًا أنهم كذلك.

"مأساة لا توصف"

يروي إياد الشيخ خليل (55 عامًا)، عم ورد، لوكالة الأنباء الفلسطينية "وفا"، تفاصيل المشهد بالقول إن الجثامين كانت متفحمة بالكامل، لدرجة أنهم لم يتمكنوا من التعرف على الضحايا إلا عبر بقايا الملابس أو ملامح جزئية، يقول بأسى: "دفناهم جميعًا في اليوم ذاته.. ستة من بيت أخي، كانت مأساة لا توصف".

ويضيف: "هذه ليست المأساة الأولى لنا، إذ استُشهد شقيقي الأكبر رياض، وابني علاء، بتاريخ 6 أبريل الماضي، أثناء تسوقهم في شارع النخيل بحي الشجاعية، كما أُصيب أولادي وسيم (27 عامًا) ومحمود (16 عامًا) في القصف ذاته، ودُمّرت كل بيوت العائلة، وأصبحنا نازحين نقيم في خيام غرب مدينة غزة، بلا مأوى ولا أمل".

صمت الطفولة المسروقة

رغم سنها الصغيرة، تدرك ورد حجم الكارثة، تسأل باستمرار عن والدتها وإخوتها، لكنها لا تبكي، بل تهمس - ماما وأخوتي في الجنة - تعاني من أرق دائم، لا تنام إلا حين يغلبها التعب، وتبدو صامتة أكثر مما ينبغي لطفلة في عمرها نتيجة الصدمة والذهول.

 يقول عمها: "ورد لم تعد كما كانت، صمتت، وهدأت، وفي عينيها عشرات الأسئلة وما زالت تعيش الصدمة"، وفي لحظات نادرة، تقترب ورد من لعبة صغيرة احتفظت بها منذ نزوحهم الأول، وتضمها إلى صدرها، كأنها تعوّض بها حضنًا غائبًا.

جرائم متواصلة 

لم تكن مدرسة فهمي الجرجاوي الأولى، ولن تكون الأخيرة، ضمن سلسلة الجرائم الإسرائيلية بحق المدارس والملاجئ.

منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف" قالت إن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة أسفر عن استشهاد وإصابة أكثر من 50 ألف طفل فلسطيني منذ 7 أكتوبر2023.

وعلى مدار نحو 20 شهرًا من الإبادة في غزة، استهدف الاحتلال عشرات مراكز الإيواء، بينها مدارس وجامعات وساحات مستشفيات ومناطق صنفها الجيش الإسرائيلي على أنها آمنة، مما أسفر عن استشهاد وإصابة آلاف الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وفق بيانات رسمية.

قصة ورد ليست استثناءً، بل واحدة من آلاف القصص التي لا تصل إلى عناوين الأخبار، ولا تحرك ضميرًا في عواصم القرار، هذه الطفلة، التي مشت حية بين ألسنة النار، صارت رمزًا حيًا لمعاناة أطفال غزة، طفولة مسروقة، نجاة بدون حياة، ومستقبل مفقود.