موسيقى فيلم "كان ياما كان في غزة " أحد أشكال المقاومة ومشاركتي في العمل دعم للقضية الفلسطينية
أسعى لتقديم موسيقى تنبع من بيئتنا وتخاطب العالم
الموسيقى التصويرية روح العمل وكل فيلم له عالمه الخاص
في كل دورة من مهرجان كان السينمائي، تبرز أسماء لامعة ترسم ملامح السينما العالمية، من خلف الكاميرا أو أمامها، لكن قلة من الفنانين يتركون أثرًا موسيقيًا عميقًا يسكن الذاكرة، كما يفعل الموسيقار التونسي أمين بوحافة، فهو ليس مجرد مؤلف موسيقي للأفلام، بل صانع عوالم سمعية تضيء الصورة وتمنحها عمقًا آخر، بألحانه الراقية، استطاع أن يكون صوته جزءًا لا يتجزأ من الحكاية السينمائية.
وفي مهرجان كان 2025، يسجل "بوحافة" حضوره بثلاثة أفلام عربية من مصر، فلسطين، وتونس، في مشهد يعكس انخراطه في السينما العربية وهمومها، ويؤكد مرة أخرى أن الموسيقى ليست مجرد خلفية، بل خطاب فني قائم بذاته.
وفي حوار خاص لموقع "القاهرة الإخبارية "، تحدث الموسيقار التونسي عن تجربته في مهرجان كان، والجوائز التي حصدها، وعن فلسطين التي تسكن موسيقاه، ورؤيته للدور الحقيقي للموسيقى داخل الأفلام.
روح العمل
يؤكد الموسيقار أمين بوحافة أنه يحرص في كل عمل يقدمه، على تقديم موسيقى مختلفة وجديدة تميزه عن غيره، إذ يقول: "عملت على موسيقى لعدد من الأفلام والمسلسلات المتنوعة، ولكل عمل فني حكايته الخاصة، وشخصياته المميزة، وبيئته المختلفة، والموسيقى بالنسبة لي هي روح العمل، ولهذا يجب أن تنسجم تمامًا مع عالمه، وتعكس مزاجه ومضمونه".
ويضيف: "أسعى دائمًا إلى أن تنبثق الموسيقى من تفاصيل الفيلم ذاته، سواء من خلال التفاعل مع ثقافته المحلية عبر استخدام آلات معينة، أو إيقاعات خاصة، أو مقامات موسيقية تعبر عن البيئة، وفي الوقت نفسه، أحرص على أن تحمل الموسيقى طابعًا عالميًا، فلا تكون مجرد فلكلور تقليدي، بل مزيج متناغم بين الألوان المحلية والآلات العالمية، وهدفي هو أن يشعر المشاهد، مهما كانت ثقافته أو خلفيته، بأنه جزء من عالم الفيلم ويستطيع التفاعل معه بصدق وعمق".
الإلهام
يشير التونسي إلى أن تأليفه للموسيقى التصويرية ينبع من الصورة بكل مكوناتها، إذ يقول: "إلهامي في تأليف الموسيقى ينبع من الصورة بكل مكوناتها؛ من الألوان، إلى طريقة استخدام الكاميرا، وحركتها داخل المشهد، كل ما يظهر على الشاشة يهمني كثيرًا، فهو ما يوجّه إحساسي الموسيقي".
ويضيف: "السيناريو ليس أكثر ما يشدني، لأن أي شخص يقرأ السيناريو يمكنه أن يتخيل الفيلم، لكن الفيلم الحقيقي لا يتجلى إلا من خلال تفاعل عناصره: خيال المخرج، أداء الممثلين، زوايا التصوير، الإضاءة، والمونتاج، الذي أعتبره عنصرًا بالغ الأهمية".
ويرى "بوحافة" أنه يمكن اعتبار السيناريو مجرد مدخل إلى العالم البصري، وليس الركيزة التي يعتمد عليها في بناء رؤيته الموسيقية.
ويؤمن بأن التأثير الحقيقي يأتي من ظهور الشخصيات على الشاشة، عبر أصواتهم وتعبيراتهم، ومن حركة الكاميرا التي تلتف حولهم.
ولم يُغفل "بوحافة" دور ألوان الصورة، إذ أكد أنها تؤدي دورًا بالغ الأهمية، لا سيما وأن الموسيقى التي يصيغها يجب أن تنسجم مع هذه الألوان وتعكس حالتها النفسية والبصرية.
وقال: "المشاعر التي يحملها المشهد تمثل عنصرًا أساسيًا في عملي، وحين تقتضي الضرورة أن تعانق الموسيقى تلك المشاعر، أحرص على أن تكون صادقة ومتناغمة معها، حتى تكتمل التجربة السينمائية بأقصى درجات التماسك والتأثير".
جوائز النقاد
وعن حصوله على جائزة أفضل موسيقي ضمن قائمة الفائزين بجوائز النقاد للأفلام العربية في دورتها التاسعة وذلك خلال حفل أقيم على هامش الدورة ال 78 لمهرجان كان السينمائي عن فيلم "عايشة"، يقول: "هذه الجائزة تمثل لي الكثير، فهي جائزة مهمة للغاية، وتعد تقديرًا لمسار طويل من العمل الفني".
ويكمل: "هي في الحقيقة ثالث جائزة أحصل عليها؛ فالعام الماضي كانت عن فيلم "بنات ألفة"، وقبلها جائزة أخرى، وكل واحدة منها تحمل إيقاعًا خاصًا في قلبي".
ويضيف: "لكن حين أعمل على موسيقى فيلم، لا تكون الجوائز في ذهني أبدًا. ما يشغلني حقا هو كيف يمكن للموسيقى أن تخدم الفيلم، أن تكون جسرًا حقيقيًا بين الصورة والمشاهد، أن تضيف معنى وشعورًا. وعندما تأتي جائزة في النهاية، فهي بلا شك فرحة عظيمة وفخر كبير".
وتابع: "هذا العام، أشارك في مهرجان كان بثلاثة أفلام، وهو أمر مميّز وفريد بالنسبة لي، الفيلم الأول هو "الأخت الصغيرة" للمخرجة حفصية حرزي، المشارك في المسابقة الرسمية، أما الفيلم الثاني فهو "كان يا ما كان في غزة للأخوين ناصر، وهو فيلم فلسطيني، ويشرفني للغاية أن أكون جزءًا من هذا العمل وأضع بصمتي الموسيقية فيه، أما الفيلم الثالث فهو “عايشة لا تستطيع الطيران”، وهو فيلم مصري يشكل تجربة خاصة بالنسبة لي".
دعم القضية الفلسطينية
وعن مشاركته في الفيلم الفلسطيني "كان يا ماكان في غزة "، يقول: "فيلم “كان يا ما كان في غزة” هو عمل قريب للغاية من قلبي، خصوصًا في ظل ما يحدث الآن في غزة. ما يتعرض له الشعب الفلسطيني اليوم هو إبادة حقيقية، والعالم كله يشاهد في صمت مؤلم ومُخزٍ.
ويؤمن التونسي أن تأليفه للموسيقى الخاصة بهذا الفيلم يُعد شكلًا بسيطًا من التضامن، لكنه يحمل في طياته معاني عميقة بالنسبة له.
ويشير إلى أن مشاركته جاءت كمساهمة متواضعة يقدمها للأخوين ناصر، اللذين يُعدان من أبرز الأصوات السينمائية الفلسطينية، وكذلك كدعم صادق لأهل غزة، والقضية فلسطين التي تظل راسخة في وجدانه ولا تفارق إحساسه.
وتابع، "وجود هذا الفيلم في مهرجان كان السينمائي هو حدث مهم جدا، وسعيد للغاية بأن أكون جزءًا من هذه اللحظة، وأن تصل قصة من غزة إلى هذا المنبر العالمي".
طابع مختلف
وعن مشاركته في مهرجان كان السينمائي على مدار سنوات، يقول: "مشاركتي هذا العام في مهرجان كان السينمائي تحمل طابعًا مختلفًا، كونها المرة الحادية عشرة التي أكون فيها جزءًا من هذا الحدث العالمي".
ويؤكد أن "كان" لم يكن مجرد مهرجان بل منبر للسينما العالمية، حيث تلتقي الرؤى المختلفة وتُعرض أعمال تحمل أصواتًا من كل أنحاء العالم، واصفًا إياه بـ "المكان الذي تحتفظ فيه السينما ببريقها، ويبقى فيه الإبداع والاحترافية في أوج حضورهما".
وأعرب عن فخره بأن يكون حاضرًا في هذا المهرجان بأفلام تنبض بالثقافة العربية وقصصها.