رغم مؤشرات التهدئة النسبية في الحرب التجارية بين بكين وواشنطن، تواصل الصين تعزيز سيطرتها الصارمة على صادرات المعادن النادرة، في خطوة تعتبر أداة استراتيجية للضغط على الولايات المتحدة وسط توترات اقتصادية متصاعدة.
وذكرت صحيفة "ساوث تشاينا مورنينج بوست" أن الصين، التي تهيمن على سلاسل إنتاج وتكرير المعادن النادرة عالميًا، تُسبق الولايات المتحدة بنحو 20 عامًا في تقنيات فصل وتكرير العناصر الأرضية النادرة، وخاصة الثقيلة منها. ويُنظر إلى هذه الفجوة على أنها واحدة من نقاط الضعف الجوهرية في الاستراتيجية الأمريكية لمواجهة الاعتماد المفرط على الصين.
إحكام السيطرة
في مارس الماضي، أحبطت الجمارك الصينية في هونج كونج محاولة تهريب 25 طنًا من معدن "الأنتيمون" النادر كانت متخفية داخل معدات طبية متجهة إلى الولايات المتحدة. وتُستخدم هذه المادة النادرة في تصنيع المعدات العسكرية المتطورة وتخضع منذ العام الماضي لقيود تصديرية مشددة، بحسب موقع "أوبزرفر" الصيني.
كما رُصدت محاولة تهريب مشابهة في جنوب الصين شملت منتجًا يحتوي على نسبة مرتفعة من عنصر "البزموت"، الذي لا يُعد من العناصر الأرضية النادرة لكنه مدرج ضمن قائمة المواد الخاضعة للتصاريح التصديرية.
ويقول موقع "أوبزرفر" إن هذه الإجراءات تأتي في سياق حملة وطنية لضبط عمليات التهريب، وتشير إلى أن الصين لن تتراخى في تطبيق الرقابة على صادرات المعادن الاستراتيجية رغم تعليق بعض إجراءاتها غير الجمركية بموجب اتفاق جنيف التجاري المؤقت مع واشنطن.
سلاح الصين
وتشير التقديرات التي نشرتها "ساوث تشاينا مورنينج بوست" إلى أن الولايات المتحدة تعتمد على الصين في تأمين نحو 70% من وارداتها من العناصر الأرضية النادرة، وهي مواد حيوية تدخل في تصنيع الطائرات الحربية، والصواريخ الموجهة، والسيارات الكهربائية، والروبوتات الصناعية.
البروفيسور "وانج شياو سونج" من جامعة الشعب الصينية، أكد أن طائرة واحدة من طراز F-35 تستهلك ما يصل إلى 417 كيلوجرامًا من المعادن النادرة. ووفقًا لتقديرات البنتاجون، فإن مخزونه الاستراتيجي الحالي من المغناطيسات النادرة لا يكفي سوى لـ18 شهرًا.
وأدى تشديد الصين لضوابط التصدير إلى ارتفاع أسعار بعض المعادن النادرة لأكثر من 200%، حيث تجاوز سعر الكيلوجرام في بعض الحالات 3,000 دولار أمريكي. شركات أمريكية كـ"تسلا" أقرت في بياناتها المالية الأخيرة بأن النقص في المغناطيسات النادرة بدأ يؤثر على مشروعات تطوير الروبوتات.
واشنطن في مأزق
رغم امتلاك أمريكا وعدة دول كأستراليا والبرازيل والهند لاحتياطات معتبرة من هذه المعادن، إلا أن الصين تتفوق في قدراتها على استخراجها ومعالجتها. فبحسب وكالة الطاقة الدولية، تستحوذ الصين على 92% من الطاقة الإنتاجية العالمية لتكرير العناصر الأرضية النادرة.
ويُعد منجم "ماونتن باس" في كاليفورنيا الموقع الوحيد النشط حاليًا في الولايات المتحدة، وهو مختص بإنتاج العناصر الخفيفة الأقل قيمة. ولا تمتلك واشنطن حتى اليوم القدرة الفنية أو الصناعية على فصل وتكرير العناصر الثقيلة الضرورية لصناعات الدفاع والطيران.
سباق مع الزمن
بدأت الصين منذ أكثر من عقدين في إعادة هيكلة قطاع التعدين وتطبيق سياسات صارمة للتحكم في تصدير الموارد الاستراتيجية. وفي المقابل، تخلّت الولايات المتحدة بعد الحرب الباردة عن استراتيجيات تخزين المعادن الأساسية، وهو ما خلق فجوة واضحة في القدرة على المنافسة.
في حين يسعى الغرب اليوم إلى تنويع مصادر المعادن من إفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا، يرى خبراء أن تأسيس قدرات محلية للتكرير والمعالجة سيستغرق ما لا يقل عن عشر سنوات، وهو ما يمنح الصين تفوقًا يصعب تقويضه في الأمد القصير.
على الرغم من هذا التقدم، دعا خبراء صينيون إلى عدم الركون إلى التفوق الحالي. وأكدوا على ضرورة زيادة الاستثمار في البحث العلمي وتطوير الكفاءات المحلية لضمان استدامة التفوق في هذا القطاع بالغ الحساسية.
الدكتور "تشين وي تشيانج" من الأكاديمية الصينية للعلوم قال: "يجب أن نكون مستعدين لسيناريوهات معقدة، فحتى الهيمنة قد تُهدّد إذا تجاهلنا التطوير المستمر أو فقدنا السيطرة على سلاسل التوريد في الخارج".