انتقد رئيس الوزراء الكندي مارك كارني، قرار بريطانيا دعوة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لزيارة دولة ثانية إلى لندن، معتبرًا أن هذه الخطوة تقوِّض جهود حكومته في مواجهة تهديداته المتكررة بضم كندا كولاية أمريكية.
أزمة الولاية الـ51
أشارت صحيفة "ذا جارديان" البريطانية إلى أنه منذ توليه منصبه في يناير الماضي، كرر الرئيس الأمريكي تصريحاته المثيرة للجدل حول رغبته في تحويل كندا إلى "الولاية الأمريكية رقم 51"، ما أثار غضبًا واسعًا في الأوساط الكندية، ووضع بريطانيا في موقف دبلوماسي صعب يستوجب الموازنة بين مصالحها مع البلدين.
وفي مقابلة مع قناة "سكاي نيوز" البريطانية، عبّر "كارني" عن امتعاضه من مبادرة رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في فبراير الماضي، عندما سلَّم ترامب خلال زيارته البيت الأبيض دعوة من الملك تشارلز للقيام بزيارة دولة ثانية غير مسبوقة إلى لندن.
وبحسب "ذا جارديان"، قال "كارني": "بصراحة، لم يكن الكنديون مرتاحين لهذه المبادرة... خاصة في ظل الظروف الراهنة.. لقد جاءت في وقت كنا نوضح فيه بشكل صريح قضايا السيادة الكندية".
رمز السيادة
أوضحت الصحيفة البريطانية أن الأشهر الأخيرة شهدت سلسلة من الإجراءات الرمزية من قبل الملك تشارلز، الذي يشغل منصب رأس الدولة في كندا كونها مستعمرة بريطانية سابقة، لتأكيد العلاقة المميزة مع كندا.
وأشارت "ذا جارديان" إلى أن هذه الخطوات شملت ارتداء الملك ميداليات كندية، وزراعة شجرة القيقب (الرمز الوطني الكندي)، والإشارة إلى نفسه صراحةً بلقب "ملك كندا".
ومن المقرر أن يحضر الملك تشارلز، الذي لا يزال يخضع لعلاج السرطان، افتتاح البرلمان الكندي في 27 مايو الجاري، في حدث تاريخي يعد الأول من نوعه منذ عام 1977.
وأكد كارني، الذي فاز بالانتخابات الداخلية لحزبه في مارس الماضي، قبل أن يحقق النصر في الانتخابات العامة الكندية الشهر الماضي متعهدًا بالوقوف في وجه ترامب، أن زيارة الملك المرتقبة تمثل خطوة مدروسة في ظل التوترات الحالية.
وقال لـ"سكاي نيوز": "تم التشديد على كل القضايا المتعلقة بسيادة كندا من قبل الرئيس الأمريكي.. لذا فإنها ليست مصادفة، بل هي لحظة تأكيد للكنديين".
التاريخ والاقتصاد
في المقابل، يواجه "ستارمر" معضلة دبلوماسية حقيقية، مع سعيه لتحسين العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، مستغِلًا نقاط القوة البريطانية في التعامل مع ترامب.
ووفق "ذا جارديان"، يشمل ذلك إبراز خبرة بريطانيا الأمنية، والتعهد بزيادة الإنفاق الدفاعي، وتقديم مظاهر الاحتفالات الملكية التي تأتي مع زيارات الدولة.
وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن ترامب، الذي وُلد في إسكتلندا والذي لطالما أعرب عن إعجابه بالعائلة الملكية البريطانية، وافق على اتفاقية تجارية ثنائية محدودة مع لندن هذا الشهر، ما يعزز موقف ستارمر الساعي لتعزيز العلاقات الاقتصادية بعد "بريكست".
وردًا على انتقادات كارني، اكتفى الوزير البريطاني البارز بات ماكفادن بالقول لقناة "سكاي نيوز" إن "على كل دولة أن تقرر كيفية إدارة علاقاتها مع الدول الأخرى"، في موقف يعكس تمسك بريطانيا بحقها في تطوير علاقاتها مع واشنطن بغض النظر عن المخاوف الكندية.
مستقبل العلاقات الثلاثية
ترى الصحيفة البريطانية أن هذه التطورات تضع بريطانيا في موقف دبلوماسي حرج، إذ يتعين عليها الموازنة بين علاقاتها التاريخية مع كندا كإحدى دول الكومنولث، ومصالحها الاقتصادية والاستراتيجية مع الولايات المتحدة.
ويرى محللون سياسيون، أن التصريحات الأخيرة لكارني تعكس مخاوف حقيقية لدى الحكومة الكندية من تأثير تقارب العلاقات البريطانية-الأمريكية على موقف لندن من قضية السيادة الكندية، بحسب "ذا جارديان".
وستمثل زيارة الملك تشارلز المرتقبة إلى كندا نهاية الشهر الجاري اختبارًا حقيقيًا لمستقبل العلاقات بين البلدان الثلاثة، خاصة في ظل استمرار تصريحات ترامب المثيرة للجدل حول ضم كندا، وسيكون على بريطانيا اتخاذ خطوات دبلوماسية دقيقة للحفاظ على توازن علاقاتها مع كلا البلدين، دون الإضرار بمصالحها الإستراتيجية طويلة المدى.
وتشير المعلومات الواردة من مصادر دبلوماسية متعددة نقلتها "ذا جارديان" إلى أن الأشهر المقبلة قد تشهد مزيدًا من التوتر في العلاقات الثلاثية، خاصة مع اقتراب موعد الزيارة المرتقبة للرئيس الأمريكي إلى لندن والتي لم يتم تحديد موعدها بعد.