شارك الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، في 9 مايو 2025، باحتفالات روسيا بالذكرى الثمانين لعيد النصر في الحرب العالمية الثانية على النازية، تلبية لدعوة نظيره فلاديمير بوتين، في سادس زيارة للرئيس المصري إلى روسيا الاتحادية منذ توليه مقاليد السلطة في يونيو 2014.
وعلى مدى السنوات الإحدى عشرة الماضية، تطورت العلاقات بين البلدين مدفوعة بالتفاهم العميق بين الرئيسين عبدالفتاح السيسي وفلاديمير بوتين على تعزيز فاعلية النظام الدولي متعدد الأطراف، والتي أفضت لتوقيع اتفاقية شراكة إستراتيجية بين البلدين وتعزيز جميع مجالات التعاون الاقتصادي والتجاري والعسكري إلى جانب انضمام مصر لتجمع "بريكس".
وتأسيسًا على ما سبق؛ يتناول التحليل التالي أبعاد زيارة الرئيس المصري إلى روسيا، ودلالات مشاركته في احتفالات عيد النصر.
رسائل التوقيت
منذ تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي مقاليد السلطة، حرصت مصر على بناء سياسة خارجية متوازنة، ويمكن استعراض رسائل الزيارة على النحو التالي:
(*) تعزيز العلاقات التاريخية: تمثل العلاقات مع روسيا الاتحادية ومن قبلها الاتحاد السوفييتي بُعدًا رمزيًا مهمًا في السياسة الخارجية المصرية، فمن ناحية يمتلك البلدان تاريخًا ممتدًا من الصداقة منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية في 1943، وبرزت موسكو داعمًا رئيسيًا لمصر في فترات التحول إلى النظام الجمهوري ومنها الموقف الداعم لمصر بوجه العدوان الثلاثي 1956، ووصولًا لبناء المشروعات القومية الكبرى وفي مقدمتها تمويل وتصميم السد العالي في أسوان.
وعلى الرغم من ضعف ميزان التبادل التجاري بين البلدين إلا أن بصمات موسكو تظل واضحة في العديد من المشروعات الكبرى في مصر، وجدد اتفاق إنشاء محطة الضبعة للطاقة النووية ثقة القاهرة في التكنولوجيا الروسية لبناء أول مشروع للطاقة النووية في البلاد.
ومن ناحية أخرى، يعكس حرص الرئيس المصري على حضور المناسبة الوطنية الأهم في التاريخ الروسي المعاصر، تأكيدًا على التزام القاهرة بتعزيز علاقات الشراكة الإستراتيجية مع موسكو التي تمثل قطبًا دوليًا مهمًا وشريكًا أساسيًا في المنظومة الدولية متعددة الأطراف، في إطار سياسة التوازن الإيجابي التي تتبعها مصر في التعامل مع القضايا الدولية بما يحقق المصالح القومية العليا ودون الانخراط في سياسة أحلاف مع طرف ضد طرف آخر، خاصة أنها جاءت في ختام زيارة خامسة للرئيس المصري إلى اليونان شهدت توقيع إعلان الشراكة الإستراتيجية بين البلدين وتأكيد التزام القاهرة بعلاقات حسن الجوار مع أثينا والاتحاد الأوروبي عبر تعزيز الروابط المشتركة والتعاون في مشروعات الطاقة والربط الكهربائي ومكافحة الهجرة غير النظامية.
كما يعكس توقيت المشاركة رسالة بالغة الأهمية في البناء على زخم الدور الإيجابي المصري في جهود تسوية الحرب الروسية الأوكرانية في إطار المبادرة الإفريقية لتسوية الحرب، وفي مرحلة حاسمة لجهود التسوية السلمية التي تبذلها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وما أشار إليه الرئيس الصيني شي جين بينج خلال لقائه بنظيره الروسي في 8 مايو 2025 من أهمية التوصل لـ"اتفاق سلام عادل ومستدام وملزم تقبله جميع الأطراف المعنية"، ما يعني وجود توافق دولي على وقف التصعيد ومواصلة المحادثات الرامية لإنهاء الحرب رغم استمرار الصراع وتباين رؤى روسيا من جهة وأوكرانيا وأوروبا من جهة أخرى.
(*) بحث التعاون الثنائي: تضمنت الزيارة عقد مباحثات ثنائية رفيعة المستوى بقيادة الرئيسين المصري عبدالفتاح السيسي والروسي فلاديمير بوتين حول التعاون الإستراتيجي بين البلدين والقضايا الدولية ذات الاهتمام المشترك.
وتعد القاهرة الشريك التجاري الأول لروسيا في القارة الإفريقية، إذ ارتفع حجم التبادل التجاري في 2024 إلى 6.6 مليار دولار، مقارنة بنحو 5.6 مليار دولار في 2023، حسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر.
وانعكس إدراك أهمية العلاقات الثنائية ومستوى التفاهم المشترك بين الزعيمين في عدد الزيارات المتبادلة في الفترة من يونيو 2014 إلى مايو 2025، إذ زار الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي روسيا 6 مرات من بينها زيارتان رسميتان لتعزيز العلاقات الثنائية و4 زيارات لحضور فعاليات القمة الروسية الإفريقية بنسختيها الأولى والثانية، والمشاركة في قمة قازان لتجمع بريكس وهي الأولى منذ توسعها بانضمام مصر والإمارات وإثيوبيا وإيران، انتهاءً بحضور احتفالات عيد النصر بمشاركة وحدة من الشرطة العسكرية المصرية في 9 مايو 2025.
كما تبادل الرئيسان عبدالفتاح السيسي وفلاديمير بوتين 23 اتصالًا هاتفيًا خلال 11 عامًا، بمعدل اتصالين سنويًا، وتكثفت المباحثات بين الزعيمين عامي 2016 و2023 لتبلغ 4 مكالمات هاتفية سنويًا، بينما انخفضت تلك المباحثات الهاتفية في عام 2019 الذي شهد اتصالًا واحدًا فقط.
(*) منصة للمباحثات الدولية: عزز الحضور الواسع لعدد من زعماء وقادة دول العالم في احتفالات عيد النصر فرصة إجراء مباحثات ثنائية بين الرئيس المصري ونظرائه، وعلى رأسهم الرئيس الصيني شي جين بينج، لاستعراض جهود تطوير العلاقات الثنائية إلى جانب تبادل الرؤى في عدد من القضايا الإقليمية والدولية التي تتصدر الاهتمامات المصرية ومنها الوضع في الشرق الأوسط، باعتبار القاهرة ركيزة أساسية في جهود تخفيف النزاعات وإرساء الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
وتأتي في مقدمة القضايا التي تناولتها محادثات الرئيس المصري مع الزعماء المشاركين، جهود خفض التوترات الإقليمية وتسوية الحرب على غزة وفق اتفاق 19 يناير 2025، والترويج للخطة العربية الإسلامية لإعادة إعمار القطاع وقطع الطريق أمام أي مسارات لتهجير الفلسطينيين كليًا أو جزئيًا من قطاع غزة تحت مسمى "التهجير الطوعي"، وإعادة ضخ المساعدات الإنسانية لوقف تدهور الأوضاع الصحية لسكان القطاع، كما تشمل تعزيز التعاون مع القوى الدولية الشريكة في مسار حل الدولتين سعيًا لضمان حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وبناء دولته المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967.
وتقع الدبلوماسية الرئاسية في صلب الجهود المصرية لخفض التصعيد الإقليمي، انطلاقًا من تحركات الرئيس عبدالفتاح السيسي في الآونة الأخيرة بين جيبوتي في منطقة البحر الأحمر والقرن الإفريقي إلى اليونان في شرق المتوسط، وانتهاءً بروسيا ولقاء عدد من زعماء العالم.
وإجمالًا؛ عكست مشاركة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في احتفالات عيد النصر في روسيا نجاح القاهرة في بناء سياسة خارجية متوازنة تنحاز للمصالح القومية في تعزيز الانخراط الإيجابي في المجتمع الدولي لدعم خطط التنمية في الداخل المصري والتمسك بالنظام الدولي متعدد الأطراف وعدم الخضوع للاستقطابات الدولية، لتعزيز دورها الرائد في بناء السلام وتحقيق الأمن والاستقرار الإقليميين.