في قلب واشنطن، يولد مشروع قانون جديد بطموحاتٍ ضخمة وأعباء ثقيلة، وهو مشروع "ترامب الكبير"، الذي يعد خليطًا متفجرًا من التخفيضات الضريبية، وتشديدات الهجرة، وزيادات في الإنفاق الدفاعي، إذ يطمح الجمهوريون إلى تمريره كضربة استباقية سياسية قبل موسم الانتخابات، لكن، يظل المشروع محاصرًا داخل دهاليز الكونجرس، ومهددًا بالانهيار أمام واقع الانقسامات الحزبية والتعقيدات التشريعية.
مشروع ترامب الكبير
في ظل انشغال الكونجرس الأمريكي بصياغة مشروع قانون يعتبره الرئيس الأمريكي دونالد ترامب "الصفقة الكبرى"، تدور النقاشات السياسية واللجان النيابية في سباق مع الزمن لإقرار حزمة تشريعية تشمل خفض الضرائب، وتقليص الإنفاق الاجتماعي، وتعزيز التمويل لأغراض الأمن القومي والهجرة، ومع ذلك، يقرّ الجمهوريون أنفسهم، وعلى رأسهم النائب جيسون سميث، رئيس لجنة الضرائب في الحزب الجمهوري، بأن المشروع "متعثر" وأن الطريق أمامه مليء بـ"المطبات"، بحسب وكالة "أسوشيتد برس".
وبينما يسعى رئيس مجلس النواب، الجمهوري مايك جونسون، إلى تمرير الحزمة قبل "يوم الذكرى"، تشير التقديرات الواقعية إلى إمكانية تجاوز هذا الموعد، وخاصة أن العديد من اللجان الأساسية لم تنهِ عملها بعد.
تمويل ضخم للجدار الحدودي
وتعد واحدة من أكثر القضايا حساسية في المشروع هي التي تتعلق بالهجرة، حيث تولت لجنتان متخصصتان -الأمن الداخلي والقضائية- صياغة مشروعات قوانين تهدف إلى تشديد الإجراءات بشكل غير مسبوق.
ويقترح مشروع لجنة الأمن الداخلي، بحسب "أسوشيتد برس"، تخصيص 46.5 مليار دولار لبناء جدار حدودي يمتد لـ700 ميل، مع إضافة 900 ميل من حواجز الأنهار، وعدد من التحصينات الأخرى، وتشمل الخطة أيضًا 4 مليارات دولار لتوظيف 3000 عنصر جديد في حرس الحدود، و5000 ضابط جمارك، فضلًا عن 2.1 مليار دولار مخصصة لمكافآت التوقيع والاحتفاظ بالموظفين، ما يرفع إجمالي الإنفاق المقترح إلى 69 مليار دولار.
أما اللجنة القضائية، فقد أعدّت مشروع قانون بتكلفة 110 مليارات دولار، يتضمن فرض رسوم قدرها 1000 دولار على طالبي اللجوء، في سابقة هي الأولى في تاريخ الولايات المتحدة، إضافة إلى رسوم متعددة أخرى، مثل 3500 دولار لرعاة الأطفال غير المصحوبين بذويهم، و2500 دولار غرامة عند التغيب عن المحكمة، و1000 دولار للأفراد المفرج عنهم بشروط.
وتهدف هذه الإجراءات ترحيل مليون مهاجر سنويًا، مع توفير مراكز احتجاز تستوعب 100 ألف شخص، وتعيين 10 آلاف ضابط ومحقق إضافي في جهاز الهجرة والجمارك.
إنفاق عسكري غير مسبوق
الشق الدفاعي من المشروع جاء من لجنة القوات المسلحة، التي تجاوزت توقعات الإنفاق الأولية البالغة 100 مليار دولار، لتقر مشروع قانون بقيمة 150 مليار دولار لوزارة الدفاع.
ووفقًا للوكالة، يتضمن المشروع 25 مليار دولار لمبادرة أطلق عليها اسم "القبة الذهبية لأمريكا"، وهي درع صاروخية مضاد يُعَدُّ من أبرز مشاريع ترامب الأمنية، و21 مليار دولار لإعادة تعبئة مخزون الذخيرة، و34 مليار دولار لتوسيع الأسطول البحري وبناء مزيد من السفن، و5 مليارات دولار لتعزيز أمن الحدود، و9 مليارات دولار لتحسين جودة حياة الجنود، بما يشمل السكن والرعاية الصحية وزيادة الرواتب.
وبهذه الميزانية الضخمة، يعكس المشروع توجهًا نحو تصعيد الإنفاق الدفاعي في وقت تسعى فيه الولايات المتحدة إلى إعادة تموضع استراتيجي عالمي، لا سيما في مواجهة تحديات الصين وروسيا.
خطة جديدة وشروط أقسى
يتضمن مشروع قانون لجنة التعليم والقوى العاملة مراجعة جذرية لسياسات قروض الطلاب، ويهدف إلى توفير 330 مليار دولار من خلال تقليص مزايا البرامج الحالية.
الخطة الجديدة تقتصر على نموذجين فقط للسداد، الأول خطة قياسية تدفع خلالها الأقساط شهريًا لمدة تتراوح بين 10 إلى 25 عامًا حسب المبلغ المقترض، والثاني خطة "مساعدة السداد" التي تعتمد على دخل المقترض، ولكن بشروط أشد صرامة، إذ سترتفع الدفعات الدنيا للطبقات ذات الدخل المنخفض، كما سيتم منح الإعفاء من الدين بعد 30 عامًا من السداد، بدلًا من 20 أو 25 عامًا كما في السابق.
وتبدأ الخطة الجديدة في يوليو 2026، كما يتضمن المشروع إلغاء القواعد التي وُضعت في عهد الرئيس جو بايدن، والتي كانت تتيح للمقترضين شطب ديونهم في حال تعرضهم للاحتيال من قبل الجامعات أو في حال أُغلقت المؤسسات التعليمية بشكل مفاجئ.
انقسام حزبي حاد
رغم تقدم بعض اللجان، لا تزال لجان حيوية مثل الزراعة والطاقة والتجارة والوسائل والطرق لم تتخذ أي إجراءات فعلية، وتُصادق اللجان على مشروعاتها وفق التصويت الحزبي، حيث يحظى الجمهوريون بالأغلبية، فيما يقاطعها الديمقراطيون.
وبمجرد اكتمال مشروعات اللجان، سيتم دمجها في "مشروع قانون واحد كبير وجميل"، كما وصفه ترامب، عبر لجنة الميزانية في مجلس النواب، ليتم عرضه للتصويت، وإذا نجح في المرور، سينتقل إلى مجلس الشيوخ، الذي سيصوغ نسخته الخاصة، قبل الاتفاق على الصيغة النهائية بحلول الرابع من يوليو.
لكن الديمقراطيين، وعلى رأسهم زعيم الأقلية في مجلس النواب حكيم جيفريز، وصفوا المشروع بأنه "أجندة جمهورية متطرفة"، مؤكدين استعدادهم الكامل لمواجهته.