الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

على شفا هاوية نووية.. مخاوف من حرب شاملة بين الهند وباكستان

  • مشاركة :
post-title
مخاوف من حرب شاملة بين الهند وباكستان

القاهرة الإخبارية - عبدالله علي عسكر

بدأت تهب رياح الحرب فوق جبال الهيمالايا، وتدق طبول التوتر على ضفتي الحدود بين الهند وباكستان، ومع كل طلقة تُطلق عبر الخط الفاصل، تزداد الأرض احتقانًا، ويتردد صدى الخوف في وديان كشمير المضطربة، وفي لحظة متوترة كتلك، يصبح العالم كله متفرجًا على مسرح قد يشهد، في أي لحظة، اشتعال حرب بين قوتين نوويتين لا تزال بينهما جراح مفتوحة منذ عقود.

نيران متصاعدة

تستمر التوترات القصوى بين الهند وباكستان منذ الهجوم الدموي الأخير على السياح الهنود في كشمير الأسبوع الماضي، ما أثار قلقًا عالميًا من احتمال انزلاق الأمور إلى حرب شاملة، وشهدت الليلة الماضية تسجيل حوادث متكررة من تبادل إطلاق النار الخفيف بين القوات الهندية والباكستانية على الحدود المتنازع عليها، للّيلة الثالثة على التوالي.

واتهم الجيش الهندي نظيره الباكستاني بفتح نيران الأسلحة الصغيرة للاستفزاز، وأكد أن قواته ردت بـ"شكل مناسب وفعّال"، ولم تصدر باكستان إعلانًا رسميًا بشأن تبادل إطلاق النار خلال هذه الليلة، كما لم تتوفر معلومات مؤكدة حول وقوع إصابات.

اندلعت هذه التوترات في أعقاب الهجوم الإرهابي الذي وقع الثلاثاء الماضي، وأسفر عن مقتل 26 شخصًا، معظمهم من السياح الهنود، في أعنف هجوم تشهده البلاد منذ هجمات مومباي عام 2008.

وقع الهجوم في وادي بيساران الهادئ، على بُعد نحو خمسة كيلومترات من مدينة باهالجام السياحية الشهيرة، وتشهد المنطقة موسم الذروة السياحي في هذا الوقت من العام، حيث تتدفق أعداد كبيرة من الزوار بعد تراجع أعمال العنف في كشمير خلال السنوات الأخيرة.

رئيس الوزراء الهندي مودي
جذور النزاع

تُعد كشمير، الواقعة في قلب جبال الهيمالايا، منطقة ذات غالبية مسلمة مقسمة بين الهند وباكستان، كلا البلدين يدعي السيادة الكاملة على الإقليم، رغم أن كل منهما يسيطر فقط على جزء منه، في القسم الهندي، تخوض نيودلهي منذ عام 1989 حربًا ضد تمرد مسلح، راح ضحيته عشرات الآلاف من المدنيين والمقاتلين وعناصر الأمن.

وتتهم الهند جارتها بتمويل ودعم الجماعات المسلحة الناشطة هناك، وهي اتهامات تنفيها باكستان بشدة.

واندلعت التوترات في أعقاب مزاعم الحكومة الهندية بأن إسلام آباد كانت وراء الهجوم الأخير بدعم وتمويل الإرهابيين، واتهمت اثنين من المشتبه بهم الثلاثة الذين حددتهم في الهجوم الأخير بأنهم باكستانيون، وأنهم أعضاء في تنظيم "لشكر طيبة"، المصنف إرهابيًا من قِبل الأمم المتحدة، وعلى الرغم من إعلان جماعة "مقاومة كشمير" مسؤوليتها عن الهجوم، تؤكد مصادر هندية أنها مجرد فرع للمنظمة الباكستانية.

رغم عدم تقديم نيودلهي أدلة دامغة على تورط إسلام آباد، إلا أنها سارعت باتخاذ إجراءات عقابية، منها إغلاق معبر الحدود الرئيسي، وأمرت بطرد المواطنين الباكستانيين من أراضيها، وعلقت معاهدة مياه نهر السند الموقعة عام 1960، ما يهدد اقتصاد باكستان المعتمد جزئيًا على تلك الموارد الحيوية.

وردّت باكستان بإغلاق مجالها الجوي أمام الطائرات الهندية، ووقف التبادلات التجارية، وإلغاء التأشيرات للمواطنين الهنود، كما اعتبرت أن أي مساس بتدفق مياه نهر السند عملٌ عدائي بمثابة إعلان حرب.

رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف
تصعيد إعلامي ودبلوماسي

بدا أن الهند شرعت في حملة دبلوماسية مكثفة "لبناء قضية" تبرر هجومًا مرتقبًا على باكستان، وكشفت صحيفة "نيويورك تايمز" أن نيودلهي استدعت دبلوماسيين من مئة بعثة أجنبية لإطلاعهم على الوضع، وأجرى رئيس الوزراء ناريندرا مودي اتصالات هاتفية مع أكثر من اثني عشر زعيمًا عالميًا.

في هذه المحادثات، ركّز المسؤولون الهنود على اتهام باكستان بدعم الإرهاب دون تقديم أدلة واضحة، مكتفين بذكر إشارات إلى بيانات استخباراتية جُمعت عبر تقنيات التعرف على الوجه، وعلاقات مشتبه بها بين الإرهابيين وإسلام آباد.

ورغم خطورة الموقف، فإن القوى الكبرى تبدو منشغلة بأزمات دولية أخرى، وذكرت "التايمز" أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لم يعين بعد سفيرًا لدى الهند بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على عودته إلى البيت الأبيض، بينما أرسل نائبه جيه دي فانس مؤخرًا في زيارة رسمية.

أما إيران والمملكة العربية السعودية فقد عرضتا الوساطة، مع اقتراح وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي تنظيم حوار مباشر بين الجانبين.

النزاعات السابقة تلوح في الأفق

يستعيد كثيرون في الهند وباكستان ذكريات التصعيد العنيف عام 2019، عندما قُتل 44 من أفراد قوات الأمن الهندية في كشمير، ما دفع الهند إلى شن غارات جوية داخل الأراضي الباكستانية، حينها، أسقطت باكستان طائرتين هنديتين وأسرَت طيارًا، أطلقت سراحه لاحقًا في خطوة تهدئة.

اليوم، يبدو الوضع مهيأً لتكرار السيناريو، وربما بشكل أكثر خطورة، ففي رسالة واضحة، نشرت البحرية الهندية صباح الأحد تسجيلات لسفينة حربية تطلق صواريخ في بحر العرب، مؤكدة أن التدريبات تستهدف الحفاظ على جاهزية القوات لشن "هجمات دقيقة وبعيدة المدى".

كما نقلت صحيفة "ذا إنديان إكسبريس" عن مسؤول حكومي أن الرد العسكري قادم لا محالة، مع مناقشة طبيعة العملية المرتقبة.

وبحسب تقديرات دانييل ماركي، الباحث بجامعة جونز هوبكنز الأمريكية، فقد تسعى حكومة مودي هذه المرة إلى رد "مذهل" ومفاجئ، محذرًا من أن "التصعيد المتبادل قد يخرج سريعًا عن السيطرة".

هدمت الهند 9 منازل لمشتبه بهم في الإرهاب كجزء من العملية الأمنية التي أجريت في المنطقة
كشمير تحت قبضة أمنية

على الأرض، تكثف قوات الأمن الهندية عملياتها في كشمير، حيث اعتقلت مئات الأشخاص منذ الهجوم، وأعلنت السلطات نشر صور المطلوبين الثلاثة وعرض مكافآت لمن يدلي بمعلومات تساعد في اعتقالهم.

كما تم تدمير منازل عدد من المشتبه بهم المتورطين في الهجوم أو في أنشطة إرهابية أخرى، وفق مصادر في الشرطة المحلية تحدثت إلى وكالة "فرانس برس"، مشيرة إلى أن تسعة منازل دُمرت حتى الآن.

في تصريحات إذاعية صباح الأحد، شدّد رئيس الوزراء مودي على أن منفذي الهجوم وداعميهم أظهروا "يأسًا شديدًا"، واتهمهم بمحاولة تدمير ما وصفه بـ"الازدهار الاقتصادي والنمو السياحي غير المسبوق" الذي شهدته كشمير مؤخرًا.

وخاطب الهنود قائلًا: "أستطيع أن أشعر بأن دم كل هندي يغلي من الغضب بعد رؤية صور الهجوم الإرهابي"، في إشارة إلى التوتر الشعبي الداخلي الذي يعزز الضغوط عليه لاتخاذ رد فعل حاسم.