تشهد السياحة الكندية إلى الولايات المتحدة انخفاضًا حادًا غير مسبوق، منذ عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، ويتوقع خبراء القطاع السياحي استمرار هذا التراجع طوال فترة رئاسته، في حين يرجع ذلك، إلى سلسلة من العوامل السياسية والاقتصادية، بما في ذلك التصريحات العدائية والتعريفات الجمركية الجديدة ومخاوف العبور الحدودي، بحسب ما تشير صحيفة "بوليتيكو".
انهيار السياحة الكندية وخسائر بالمليارات
تتوقع مؤسسة "توريزم إيكونوميكس" المتخصصة في التحليلات السياحية انخفاضًا بنسبة 20% في السفر من كندا إلى الولايات المتحدة، هذا العام، ما سيكلف الاقتصاد الأمريكي خسائر تقدر بنحو 3.4 مليار دولار مقارنة بالعام الماضي.
وتكشف بيانات إدارة الجمارك وحماية الحدود الأمريكية انخفاضًا بنسبة تُقارب 12% في عدد المسافرين عبر الحدود الشمالية، فبراير الماضي، مقارنة بنفس الشهر من عام 2024، مع توقعات بأن تكون النسبة أعلى لشهر مارس.
وأظهرت شركات السياحة الكندية أرقامًا صادمة تعكس حجم الأزمة، إذ سجلت مجموعة "ترافيل جروب" في فانكوفر انخفاضًا بنسبة 90% في الحجوزات المستقبلية، بينما اضطرت شركة "ترافاك تورز" في أوتاوا إلى إلغاء جميع رحلاتها إلى الولايات المتحدة حتى يوليو المقبل، وتراجعت أعمال "ميبل ليف تورز" في كينجستون بنسبة تتراوح بين 70% إلى 80%.
أسباب المقاطعة الكندية
وتشير "بوليتيكو" إلى تتعدد أسباب هذا التراجع الحاد في السياحة الكندية، بدءًا من تصريحات ترامب العدائية تجاه كندا، خاصة قوله إن "كندا تعمل فقط كولاية أمريكية" وتهديده بضم أراضيها، ما أثار استياءً واسعًا دفع العديد من الكنديين إلى تبني موقف مقاطعة للسياحة في الولايات المتحدة.
وأسهمت الحرب التجارية والتعريفات الجمركية الجديدة في تفاقم الوضع، إذ فرض ترامب رسومًا بنسبة 25% على السلع الكندية غير المشمولة باتفاقية التجارة القائمة، ما خلق حالة من عدم اليقين الاقتصادي وأثار مخاوف الكنديين من تداعيات هذه السياسات على الأسعار وقيمة العملة.
وتزايدت أيضًا مخاوف السياح الكنديين من احتمال تعرضهم للاحتجاز على الحدود من قبل مسؤولي الجمارك الأمريكية، خاصة بعد تقارير عن احتجاز أوروبيين وكنديين على المعابر الشمالية والجنوبية.
الضحية الأولى للأزمة
تأثرت المناطق الحدودية بشكل مباشر وسريع من تراجع الحركة السياحية الكندية، ففي منطقة "نورث كانتري" بولاية نيويورك، التي تشترك في مئات الأميال من الحدود مع كندا، كشف استطلاع حديث أن 66% من الشركات هناك تعاني بالفعل انخفاضًا في الحجوزات الكندية لهذا العام.
وعلق جاري دوجلاس، رئيس والمدير التنفيذي لغرفة تجارة "نورث كانتري" في تصريح لصحيفة "بوليتيكو": "نشعر بشكل خاص ونقدر إحساس الإيذاء كما لو كان مع عائلة المرء، ليس فقط لأسباب اقتصادية، لكن لأن اتصالنا بين الشعوب يحظى بتقدير عميق هنا".
من رحلات ممتعة إلى مصدر للقلق والتوتر
تحدثت كريستين جيري، مؤسسة شركة "ميبل ليف تورز"، لـ"بوليتيكو" عن التحول الذي طرأ على مشاعر السياح الكنديين تجاه زيارة الولايات المتحدة، قائلة: "كانت الرحلات إلى الولايات المتحدة دائمًا تجربة سعيدة، سواء كنا نذهب إلى ميرتل بيتش أو فلوريدا أو بوسطن أو كيب كود. أما الآن فتحولت إلى مصدر للقلق والتوتر والعصبية، الناس يتساءلون: هل سأكون آمنًا؟ والبعض يقول صراحة: لن أدعم ذلك الرجل".
وأضافت "جيري" أنها تتوقع استمرار هذه الأزمة طوال فترة رئاسة ترامب، أي "أربع سنوات"، متمنية أن تكون مخطئة لأن ذلك "مدمر" لعملها، لكنها أشارت إلى أن "هناك الكثير من القلق" بين الكنديين.
جهود أمريكية لاستعادة السياح الكنديين
في محاولة لاستعادة ثقة السياح الكنديين، أطلقت العديد من المدن والولايات الأمريكية التي تعتمد اقتصاداتها بشكل كبير على السياحة، حملات ترويجية موجهة خصيصًا للكنديين، إذ أطلقت مؤسسة "فيزيت كاليفورنيا" غير الربحية رسالة تؤكد للزوار المحتملين: "أنتم مرحب بكم ومحترمون في كاليفورنيا"، وتخبر مؤسسة "فيزيت لودرديل" الكنديين أنهم "دائمًا بين الأصدقاء" في مقاطعة بروارد بفلوريدا.
وزوّدت غرفة التجارة في "نورث كانتري" الشركات المحلية بلافتات "مرحبًا بالكنديين" وأدوات أخرى للترحيب.
وتعتمد هيئة السياحة والمؤتمرات في مدينة نيويورك على حملتها التسويقية العالمية تحت شعار "مع الحب والحرية، مدينة نيويورك"، وصرّح أندرو ريجي، المدير التنفيذي لتحالف الضيافة في المدينة: "أعتقد أن الناس في كندا وأوروبا يعرفون عمومًا أن مدينة نيويورك هي مكان ترحيبي للناس من جميع أنحاء العالم، لكن الأمر سيتطلب استثمارًا لتذكير الناس بأننا محليًا نريدكم هنا، وستحظون بتجربة رائعة بغض النظر عما قد يكون عليه خطابنا الوطني".