الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

جراحات تحت القصف.. طبيب أمريكي يروي أهوال المجازر بمستشفيات غزة

  • مشاركة :
post-title
أجرى أطباء غزة 100 عملية جراحية خطيرة في يوم

القاهرة الإخبارية - عبدالله علي عسكر

في أماكن يتقاطع فيها صوت الطائرات مع صراخ الجرحى، ويصير صوت الأنين هو اللغة الوحيدة المفهومة، هناك من يقرر أن يدخل طواعيةً إلى الجحيم لا لإنقاذ نفسه، بل لإنقاذ أرواح لا يعرف أسماءها.

فيروز سيدواها، جرّاح الصدمات الأمريكي القادم من كاليفورنيا، واحد من هؤلاء الذين لم تكن زيارتهم إلى غزة مجرد مهمة طبية، بل شهادة على عصر، وعلى حرب لا تزال تعيد تعريف الوحشية يومًا بعد يوم، فما شهده في مستشفى ناصر في خان يونس (جنوبي القطاع)، وما رواه لمجلة "+972" العبرية، يكشف وجهًا آخر للدمار.

عندما يصبح المريض هدفًا

في مساء الثالث والعشرين من مارس، وبينما كان الطبيب المتطوع فيروز سيدواها في طريقه إلى قسم الجراحة بمستشفى ناصر في خان يونس، سمع دوى انفجار قريب ناتج عن غارة جوية إسرائيلية استهدفت القيادي في حماس إسماعيل برهوم، الذي كان يتلقى العلاج داخل المستشفى، لم تقتصر الخسائر على الهدف المعلن، بل امتدت إلى مريض فيروز نفسه، فتى يبلغ من العمر 16 عامًا يُدعى إبراهيم، استُشهِد وهو على سريره.

قال فيروز بأسى: "كان من المفترض أن يغادر المستشفى في ذلك اليوم، أجرينا له جراحة في القولون وأعدناه إلى الجناح.. كان يتحسن، لم أتصور قط أن يُقتل مريض تحت رعايتي، في سريره"، وتابع: "لو لم أكن في وحدة العناية المركزة حينها، لكنت الآن في عداد القتلى".

ورفض الطبيب الأمريكي التبرير الذي ساقه جيش الاحتلال الإسرائيلي، مؤكدًا: "أحد أقدس مبادئ القانون الإنساني هو أن الجرحى غير المشاركين في القتال يُعتبرون محميين".

فيروز سيدواها جرّاح الصدمات الأمريكي الذي يشارك في علاج المصابين بغزة
من رسائل التضامن إلى خط النار

علاقة فيروز بغزة بدأت برسالة، ففي أكتوبر 2023، شارك مع أكثر من مئة طبيب أمريكي في توقيع رسالة مفتوحة إلى الرئيس الأمريكي ونائبته، دعوا فيها إلى وقف الحرب وإنهاء شحنات السلاح الأمريكي إلى إسرائيل، بناءً على ما عاينوه خلال تطوعهم في غزة، وبعد أسابيع وقّع أكثر من مئة طبيب إسرائيلي رسالة تضامن مماثلة.

في مارس 2024، عاد فيروز إلى غزة في مهمة تطوعية جديدة مع فريق من منظمة "ميدجلوبال"، ليستقر هذه المرة في مستشفى ناصر، وبالرغم من تاريخه الطويل في العمل في مناطق الكوارث مثل أوكرانيا وهايتي، أكد أن غزة تمثل حالة استثنائية من الدمار: "حتى في أوكرانيا، حيث زرتها ثلاث مرات منذ الحرب الروسية، لم أتعرض قط لخطر القصف المباشر كما يحدث في غزة".

مجازر وجراح لا تُشفى

كانت المهمة الثانية لفيروز في ظروف أصعب، خاصة بعد ما وصفه بـ"مجزرة رمضان" في 18 مارس، عندما قصفت إسرائيل نحو 100 موقع في وقت واحد خلال وجبة السحور، ما أدى إلى استشهاد أكثر من 400 فلسطيني، بينهم 174 طفلًا.

يتذكر الطبيب تلك الليلة قائلًا: "في غضون ست ساعات فقط، عالجنا نحو 130 مصابًا، وأجريت تسع عمليات جراحية، ست منها فورًا، ونصفها كان لأطفال"، وأضاف: "في الولايات المتحدة، لا أجري هذا العدد من جراحات الأطفال في عام كامل".

وعن فوضى الطوارئ، تحدث عن نظام الفرز الطبي الذي يُقسّم الجرحى حسب حالتهم، الأخضر للجرحى الخفيفين، الأصفر لمن يمكنهم الانتظار، الأحمر للحالات الحرجة، والأسود لمن لا أمل في نجاتهم، وقال بأسى: "في غزة، لا يمكن وصم طفل بالعلامة السوداء، لذا، هناك منطقة مخصصة للأطفال ليموتوا فيها، إلى جانب أسرّتهم وأحبائهم".

في تلك الليلة المشؤومة، كان على فيروز أن يُبلغ أحد الآباء بأن ابنته لن تنجو، موضحًا: "كانت تتنفس بصعوبة شديدة، والدماغ مصاب بالشظايا، لا يوجد جراح أعصاب، قلت له بالإشارة فقط: آسف، لن تنجو، لا أعرف إن كان قد فهم، لكنه أخذها بين ذراعيه ورحل".

نداءات بلا صدى

يعرف فيروز أن وجوده في غزة قد يكلفه حياته، لكنه يرى أن المخاطرة واجب أخلاقي، وقال: "هذا أكثر الأماكن عنفًا التي زرتها في حياتي، وربما الأكثر عنفًا في العالم خلال الستين عامًا الماضية.. إذا أرادت إسرائيل قتلك، فستفعل ولن يُحاسبها أحد، حتى حكومتك".

وروى أن موظفة من السفارة الأمريكية اتصلت به بعد القصف للاطمئنان، فقال لها: "هل يمكنكِ أن تطلبي من الإسرائيليين التوقف عن قصف مستشفى ناصر؟"، فردت: "هذا ليس من اختصاصنا".

ورغم هذا الإحباط، لا يشعر فيروز بالندم، قال: "ربما أكثر ما فعلته نفعًا هنا هو أن أُقتل مع أحد مرضاي، ليُدرك العالم أن لا أحد يجب أن يُقتل على سريره في مستشفى".

100 عملية في يوم

رغم القصف والمجازر، يرى فيروز في الطواقم الطبية المحلية أملاً لا ينضب، قائًلا: "هم أبطال، أجروا أكثر من 100 عملية في يوم واحد، هذه الكفاءة لم أرَ مثلها في أي مكان، حتى في نيويورك بعد أحداث 11 سبتمبر".

ويُرجِّح أن وجوده كطبيب أمريكي يردع إسرائيل أحيانًا عن استخدام القنابل الثقيلة، "فقتل الأجانب سيبدو سيئًا للغاية أمام الإعلام"، لكنه يضيف: "هناك أجزاء من الإنسان يمكن فقدها، وأخرى لا.. الروح والضمير والنفس إن لم تتمكن من النظر إلى نفسك في المرآة، فلا تستحق الحياة أن تُعاش".