الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

"لا أرض أخرى".. شهادة سينمائية ببصمة إسرائيلية على معاناة الفلسطينيين

  • مشاركة :
post-title
أبطال فيلم "لا أرض أخرى" الفائز بالأوسكار

القاهرة الإخبارية - عبدالله علي عسكر

في عالم يضج بالصراعات والنزاعات، يظل الفن وسيلة فريدة لسرد الحقائق وإيصال أصوات المقهورين إلى العالم، ويأتي فيلم "لا أرض أخرى" ليجسد مثالًا قويًا على ذلك، فهو عمل وثائقي مشترك بين مخرجين فلسطينيين وإسرائيليين، يعكس النضال المستمر لسكان قرية "مسافر يطا" في الضفة الغربية المحتلة ضد محاولات التهجير القسري.

ورغم الصعوبات السياسية والتحديات التوزيعية، استطاع الفيلم أن يحقق إنجازًا تاريخيًا بفوزه بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم وثائقي، مثيرًا جدلًا واسعًا حول قضيته المحورية وتأثيره الفني والإنساني.

القصة والسياق السياسي 

عرض فيلم "لا أرض أخرى" لأول مرة في مهرجان برلين السينمائي لعام 2023، حيث نال جائزة الفيلم الوثائقي، وتدور أحداثه حول معاناة الفلسطينيين في مسافر يطا، وهي منطقة تتعرض لهدم المنازل على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي ضمن سياسة توسعية مستمرة.

الفيلم الذي تم تصويره بين عامي 2019 و2023، يوثق بأسلوب بصري مكثّف ما يواجهه السكان من تهديد مستمر بالإخلاء، مستندًا إلى شهادات حية ولقطات واقعية تنقل تفاصيل الحياة اليومية في ظل الاحتلال.

خطاب مؤثر 

خلال حفل توزيع جوائز الأوسكار، صعد المخرج الإسرائيلي المشارك يوفال أبراهام إلى المسرح وألقى خطابًا عاطفيًا أكد فيه أن "الفلسطينيين والإسرائيليين صنعوا هذا الفيلم معًا لأن أصواتهم معًا أقوى"، مشيرًا إلى أن "الدمار الوحشي الذي حلّ بغزة يجب أن ينتهي".

كما دعا إلى حل سياسي عادل يحترم حقوق الشعبين، منتقدًا في الوقت ذاته السياسة الخارجية الأمريكية التي تعيق تحقيق السلام، وفق ما أوردته صحيفة "الجارديان".

على الرغم من الإشادة الكبيرة التي حظي بها الفيلم، إلا أنه واجه صعوبات في التوزيع داخل الولايات المتحدة، حيث لم يتم التعاقد مع موزعين رسميين هناك، ما دفع فريق العمل إلى توزيعه ذاتيًا، ووصف الصحفي أدريان هورتون من صحيفة "الجارديان" الفيلم بأنه "مباشر، وغير مبالغ فيه، ومثير للغضب تمامًا"، في مراجعة منحته خمس نجوم.

في مقابلة مع موقع "Deadline"، صرّح المخرج الإسرائيلي المشارك يوفال أبراهام بأن غياب التوزيع الرسمي للفيلم يعود إلى "أسباب سياسية واضحة"، معبرًا عن أمله في أن يتغير الوضع في المستقبل. ورغم ذلك، تمكن الفيلم من تحقيق نجاح واسع، حيث عُرض في نحو 100 دار سينما مستقلة في الولايات المتحدة، وكانت جميع تذاكره تُباع بالكامل.

منافسة قوية 

دخل "لا أرض أخرى" حفل الأوسكار كأحد أبرز المرشحين، متفوقًا على أفلام وثائقية قوية مثل "حرب البورسلين" و"قصب السكر" و"مذكرات الصندوق الأسود"، ورغم الجدل الدائر حول الفيلم، إلا أنه حقق انتصارًا كبيرًا ليكون شهادة سينمائية على القضية الفلسطينية.

المخرج يوفال أبراهام، الذي نشأ في إسرائيل، تحدث في مقابلات عدة عن رحلته نحو إدراك واقع الاحتلال، مشيرًا إلى أن لحظة حاسمة في حياته كانت مشاهدته لهدم منزل فلسطيني في القدس الشرقية، حيث رأى كيف طُردت العائلة بقوة عسكرية كبيرة، هذه التجربة دفعت به إلى التشكيك في الروايات الرسمية الإسرائيلية، وألهمته للعمل على هذا الفيلم.

وفي مقابلة مع صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، أشار "أبراهام" إلى تجربته الشخصية كيهودي شرقي، حيث كان يُنظر إليه أحيانًا على أنه عربي بسبب ملامحه، ما جعله يعيش جزءًا من تجربة التمييز، كما كشف عن مدى الصعوبة التي واجهها خلال إنتاج الفيلم، وكيف اضطر للعيش في كهوف جنوب الخليل مع فريق العمل لتوثيق الحقيقة.

ردود فعل متباينة 

بعد فوزه بالأوسكار، أثار الفيلم ردود فعل متباينة، في حين اعتبره البعض شهادة حقيقية على معاناة الفلسطينيين، وصفه آخرون بأنه "معادٍ لإسرائيل"، حيث تعرض المخرج يوفال أبراهام لتهديدات بالقتل، كما نُظمت مظاهرات بالقرب من منزل عائلته في إسرائيل، ما اضطره إلى تمديد إقامته في الخارج خوفًا من الاعتقال أو الانتقام، وفق "يديعوت أحرونوت" العبرية.

في بعض القنوات الإعلامية، تم تأطير الفيلم على أنه جزء من "الحرب الإعلامية ضد إسرائيل"، بينما رأى آخرون أنه شهادة تاريخية موثقة حول ما يحدث في الضفة الغربية المحتلة، ما يجعله عملًا وثائقيًا ذا قيمة كبيرة.