تتصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة وأوروبا بشكل ملحوظ في الأيام الأخيرة، ففي الحادي عشر من هذا الشهر، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على واردات الصلب والألومنيوم من الاتحاد الأوروبي، مما أثار غضب القادة الأوروبيين الذين تعهدوا بالرد بقوة على هذه الإجراءات، وبالتالي يتزايد احتمال اشتعال حروب تجارية جديدة بين كل من الولايات المتحدة وأوروبا.
وسوف تمتد تداعيات هذه الحروب إلى إقليم الشرق الأوسط الذي تعتمد دوله بشكل كبير على التجارة والاستثمار مع كل من الجانبين الأمريكي والأوروبي، فهناك العديد من المؤشرات التي تؤكد الأهمية الاستراتيجية للعلاقات التجارية لدول إقليم الشرق الأوسط مع كل من الولايات المتحدة، والدول الأوروبية.
في هذا السياق، يُثار تساؤل رئيس: ما الآثار المحتملة للحروب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا على اقتصادات الشرق الأوسط؟
في ضوء ما سبق، يأتي هذا التحليل للإجابة عن هذا التساؤل عبر استعراض النقاط الأساسية التالية:
أضرار مُحتملة
تتعدد التداعيات والآثار السلبية المحتملة للحروب التجارية بين كل من الولايات الأمريكية وأوروبا على دول إقليم الشرق الأوسط، ويأتي في مقدمة هذه الآثار والتداعيات ما يلي:
(*) اضطراب سلاسل التوريد والتجارة في إقليم الشرق الأوسط: العديد من الشركات في الشرق الأوسط تعتمد على استيراد المعدات الصناعية والتكنولوجية من أوروبا وأمريكا، وقد تؤدي التوترات التجارية بين الجانبين الأمريكي والأوروبي إلى زيادة تكاليف استيراد هذه المعدات.
(*) تقلب أسعار النفط والطاقة: أي تباطؤ اقتصادي في كل من الولايات المتحدة وأوروبا نتيجة للحرب التجارية بينهما، قد يؤدي إلى انخفاض الطلب على النفط والغاز، مما يؤثر سلبًا على اقتصادات الدول المنتجة للنفط والغاز.
(*) تغير أنماط الاستثمار والتدفقات المالية إلى دول الشرق الأوسط: قد يصبح المستثمرون الأوروبيون والأمريكيون أكثر تحفظًا في ضخ رؤوس الأموال في مشاريع بالشرق الأوسط؛ بسبب حالة عدم اليقين الاقتصادي، كذلك قد تتجه بعض الدول الشرق أوسطية إلى تنويع استثماراتها، من خلال تعزيز الشراكات مع آسيا أو الدول الناشئة لتقليل الاعتماد على الجانبين الأمريكي والأوروبي.
(*) التأثير على التصنيع المحلي في دول الشرق الأوسط: قد تواجه الدول التي تعتمد على التصنيع وإعادة التصدير، بعض التحديات في الوصول إلى الأسواق الأوروبية والأمريكية إذا تغيرت سياسات التعريفات الجمركية.
(*) التأثير على أسعار العملات ومعدلات التضخم في دول الشرق الأوسط: قد يتسبب استمرار الحروب التجارية بين أمريكا وأوروبا في حدوث أزمة اقتصادية عالمية قد تدفع المستثمرين إلى البحث عن أصول آمنة مثل الذهب، مما قد يؤدي إلى تقلبات في قيمة العملات المحلية في دول الشرق الأوسط، كذلك قد يؤدي ارتفاع التكاليف التجارية إلى زيادة أسعار السلع المستوردة، وبالتالي زيادة معدلات التضخم مما يزيد من الضغوط الاقتصادية في بعض دول الشرق الأوسط.
مكاسب متوقعة
قد تستفيد دول الشرق الأوسط من الحروب التجارية بين أوروبا وأمريكا، خاصة إذا استطاعت هذه الدول توظيف موقعها الجغرافي ومواردها الاقتصادية في تعظيم بعض الفرص المرتبطة بهذه الحروب. ويمكن تحديد أهم المجالات والقطاعات المستفيدة من تلك الحروب في هذه الدول، فيما يلي:
(*) زيادة صادرات الطاقة من بعض دول الشرق الأوسط إلى أوروبا: مع تصاعد التوترات التجارية بين الجانبين الأمريكي والأوروبي، قد تسعى أوروبا إلى تقليل اعتمادها على الولايات المتحدة في الطاقة، وهو الأمر الذي يفتح الباب أمام دول الشرق الأوسط، مثل قطر ومصر والإمارات والسعودية، لزيادة صادراتها من الغاز الطبيعي المسال والنفط، فوفقًا لتقديرات البنك الدولي، قد يرتفع الطلب الأوروبي على الغاز الطبيعي المسال بنسبة 20% بحلول عام 2030، وهو ما يمكن أن تستفيد منه دول الخليج.
(*) زيادة معدلات التجارة والاستثمارات بين دول الشرق الأوسط وأوروبا: إذا فرضت أمريكا تعريفات جمركية على السلع الأوروبية، فقد تبحث الشركات الأوروبية عن بدائل في الشرق الأوسط لتصنيع منتجاتها أو لإعادة التصدير عبر موانئ هذا الإقليم مثل ميناء جبل علي في الإمارات أو ميناء طنجة في المغرب، ويمكن لمصر وتركيا أن تستفيد من زيادة الاستثمار الأوروبي في التصنيع المحلي كبديل عن الإنتاج في الولايات المتحدة.
(*) زيادة دور دول الشرق الأوسط كوسيط تجاري بين الطرفين: يمكن لدول مثل الإمارات وتركيا أن تصبح مراكز تجارية لتسهيل تدفق البضائع بين أمريكا وأوروبا، مما يزيد من حجم التجارة عبر موانئها ومناطقها الحرة، فوفقًا لبيانات 2024، زادت إعادة التصدير في الإمارات بنسبة 12% بسبب دورها كوسيط في النزاعات التجارية العالمية.
(*) زيادة جاذبية دول الشرق الأوسط للاستثمارات الأوروبية والأمريكية: مع تصاعد الحروب التجارية بين الولايات المتحدة وأوروبا، قد تسعى الشركات من الجانبين لنقل إنتاجها إلى دول محايدة، مثل المغرب، مصر، والسعودية، وغيرها للاستفادة من الاتفاقيات التجارية التي تربط هذه الدول بأسواق متعددة، وهو الأمر الذي قد يحفز بعض دول إقليم الشرق الأوسط على ضخ المزيد من الاستثمارات في المناطق الاقتصادية والصناعية واللوجستية الجديد. على سبيل المثال، قد تتجه المملكة العربية السعودية لزيادة استثماراتها في المدن الاقتصادية مثل نيوم، التي يُمكن أن تصبح مركزًا لتصنيع السلع الأوروبية أو الأمريكية الموجهة للأسواق العالمية.
(*) زيادة الطلب على المنتجات الزراعية والصناعية من دول إقليم الشرق الأوسط: إذا فرضت أوروبا أو أمريكا تعريفات وقيودًا متبادلة على بعض المنتجات، فقد تستفيد بعض دول الإقليم الزراعية مثل مصر والمغرب من تصدير المزيد من السلع الغذائية إلى أوروبا، وقد تستفيد دول الخليج من زيادة الطلب على المنتجات البلاستيكية والبتروكيماويات في أوروبا، لتعويض النقص الناتج عن تراجع الصادرات الأمريكية من هذه المنتجات.
وفي النهاية، يُمكن القول إنه رغم أن دول إقليم الشرق الأوسط ليست طرفًا مباشرًا في الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، فإن تداعياتها قد تنعكس على اقتصادات هذا الإقليم من خلال تأثيرها على أسعار الطاقة، وسلاسل الإمداد والتجارة، والاستثمار، وأسواق المال. ويتوقف مدى تأثير هذه التداعيات على مدة استمرار هذه الحروب، وهو الأمر الذي يتبين معه حاجة دول هذا الإقليم، وتحديدًا الدول العربية، إلى تنويع اقتصاداتها، والبحث عن أسواق بديلة مثل آسيا وإفريقيا، وزيادة التعاون الاقتصادي فيما بينها لتقليل تأثير تلك الحروب، فإذا تمكنت تلك الدول من استغلال بعض الفرص المرتبطة بالحروب التجارية بين الولايات المتحدة وأوروبا عبر زيادة الاستثمارات، فإنه يُمكن زيادة معدلات النمو الاقتصادي لتلك الدول.