عاد مئات الآلاف من النازحين الفلسطينيين إلى منازلهم في شمال قطاع غزة، ليجدوها تحولت إلى أنقاض، جراء القصف الإسرائيلي الوحشي طيلة الشهور الـ15 الماضية.
وذكرت صحيفة "الجارديان" البريطانية، أن رحلة العودة المريرة لشمال غزة، تؤكد تمسك النازحين بأرضهم وهزيمة محاولات التهجير الإسرائيلية المتواصلة.
ونقلت الصحيفة عن النازح عبد العزيز -24 عامًا- لدى عودته إلى الشيخ رضوان في شمال غزة: "الآن أستطيع أن أعود أخيرًا إلى الشمال. كل هذه المعاناة تبدو محتملة إلى حد ما مع الأمل في أن تنتهي الحرب. كل ما أستطيع قوله هو الحمد لله. سيتلاشى الإرهاق الناجم عن المشي الطويل إلى لا شيء بمجرد أن أضع قدمي أخيرًا في منزلي".
وشمال غزة هو المنطقة الأكثر تضررًا في القطاع المدمر، والحشود الضخمة التي كانت تسير على طول شاطئ البحر الأبيض المتوسط تعلم أنها تعود إلى أرض قاحلة.
رائد سعيد صبح -25 عامًا- نزح 5 مرات في أثناء الحرب، كان يعلم أن منزله قد دمر، لكنه أراد أن يقبل الأرض التي كان عليها. وقال للجارديان: "أعلم أنني سأعود إلى مكان يبدو كالجحيم بسبب الدمار الذي يحيط به. رغم كل شيء عدنا إلى غزة متحديين الاحتلال! أشعر وكأنني في الجنة! سأقيم خيمة فوق أنقاض منزلي الذي كان قائمًا ذات يوم".
وكان "صبح" ينتظر مع آلاف آخرين في البرد القارس في ليلة من ليالي يناير، خارج نقطة التفتيش الساحلية التي أغلقت لأكثر من عام الطريق إلى الشمال، حيث يُسمح للناس بالعبور سيرًا على الأقدام.
وفي السابعة صباح أول أمس الاثنين، انفتحت نقطة التفتيش وبدأ النازحون بالخروج منها، وتوافدوا على كل الطرق المؤدية إلى الشاطئ، وكانت الفرحة مختلطة بالحزن، وكان الجميع منهكين بالفعل قبل أن يبدؤوا مسيرتهم الطويلة نحو الشمال.
وكانت المسافة إلى مدينة غزة تقترب من عشرة كيلومترات، حيث كان المسافرون إلى الشمال يأملون في العثور على سيارات أو عربات دراجات نارية لنقلهم. لكن الطرق المدمرة كانت خالية من المركبات، لذا أجبروا أنفسهم على مواصلة الرحلة سيرًا على الأقدام.
وتعتقد الأمم المتحدة أن ما يصل 70% من جميع المباني في غزة قد دمر، منذ أكتوبر 2023، وأن الأضرار كانت أسوأ بشكل غير متناسب في الشمال.
ونقلت صحيفة "التليجراف" البريطانية عن إسلام العطار من بيت لاهيا: "لم نجد منزلًا قائمًا في الشمال". وكان الشاب البالغ من العمر 30 عامًا قد سار لمدة 10 أميال للعودة إلى منزله بعد أشهر من العيش البائس على الكفاف في مواقع مختلفة بجنوب غزة، إذ أصيب أفراد مجموعته بأمراض متعددة، بما في ذلك التهاب الكبد.
وقال العطار: "حملنا خيمتنا معنا لأننا نعلم أن جيش الاحتلال قام أيضًا بتجريف أراضينا، لكننا عدنا إليها لأننا لا نستطيع الابتعاد عنها".
وذكرت "التليجراف" أن التعليق الأخير لإسلام يجسد الروح الساحقة التي تسيطر على العائدين إلى شمال غزة، شعور لا ينفصم بالارتباط بالأرض، مهما أصبحت ظروف المعيشة مستحيلة.
وكانت صابرين لوشين، 50 عامًا، من السكان العائدين إلى مدينة غزة، هذا الأسبوع، بعد أن نزحت أكثر من 15 مرة بالجنوب. وقالت: "وصلت منزلي فوجدته متضررًا بشدة، لكنني سأقيم خيمة هنا، وسأعيش في غرفة من الركام ولن أغادر الشمال".
ويقدر خبراء أن هناك الآن 42 مليون طن من الأنقاض في غزة، التي يجب إزالتها كجزء من جهود إعادة الإعمار التي ستكلف أكثر من 80 مليار دولار، وفق الصحيفة البريطانية.
وتأتي إعادة إعمار غزة كجزء من المرحلة الثالثة من اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، الذي دخلت مرحلته الأولى حيز التنفيذ، 19 يناير الجاري. ولا يمكن أن تبدأ المرحلة الثالثة إلا بعد التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار، وإعادة جميع المحتجزين المتبقين، وانسحاب جيش الاحتلال بالكامل من غزة.