الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

اتجاهات التصعيد المحتملة بين ترامب ورئيس بنما

  • مشاركة :
post-title
ترامب ورئيس بنما

القاهرة الإخبارية - ضياء نوح

عاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للتلويح مجددًا باستعادة السيطرة على قناة بنما التي أنشأتها بلاده وراح ضحيتها آلاف الأمريكيين، وذلك في خطاب تنصيبه رئيسًا للولايات المتحدة في 20 يناير 2025، في ظل انتقادات متكررة لرسوم العبور ومضايقة البحرية الأمريكية خلال عبور قطعها من القناة، حسب تصريحات ترامب معتبرًا أن القناة باتت تحت سيطرة الصين.

بينما ردَّ الرئيس البنمي خوسيه راؤول مولينو على تصريحات ترامب، مؤكدًا أن القناة ستظل بنمية، واتخذت سلطات الدولة الواقعة في أمريكا الوسطى إجراءات تدقيق في شركة هاتشيسون للموانئ التي تدير موانئ على طرفي القناة.

وتأسيسًا على ما سبق؛ يتناول التحليل التالي دلالات موقف ترامب من قناة بنما واتجاهات التصعيد المحتملة بين واشنطن وبنما سيتي خلال الفترة المقبلة.

دوافع استراتيجية

صاحبت تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول استعادة السيطرة على قناة بنما عدد من الإشارات، يمكن التطرق إليها على النحو التالي:

(*) عقيدة ترامب: رغم عدم كونها جزءًا من السجال الانتخابي، تمثل إثارة ترامب قضية استعادة السيطرة على قناة بنما عقب فوزه بانتخابات 2024 ملمحًا مهمًا من توجهات إدارته الجديدة التي يهدف من خلالها لترسيخ إرثه ضمن القادة التاريخيين للولايات المتحدة، وربما يجذب من خلالها القاعدة التقليدية للحزب الجمهوري، عبر استلهام إرث الرئيس الأسبق رونالد ريجان، ومن هذه الزاوية يبدو أن الشاغل الأكبر للرئيس السابع والأربعين هو التفوق على ريجان باستعادة السيطرة الأمريكية على القناة مستلهمًا تعبيرات تعود لمنتصف القرن الثامن عشر "القدر المتجلي Manifest Destiny" وتدعم سياسة التوسع في أمريكا الشمالية بعضها عبر السياسة الرمزية مثل إعادة تسمية "خليج المكسيك" ليصبح "خليج أمريكا"، وبعضها عبر دعم التوسع الإقليمي مثل ما أبداه الرئيس الأمريكي الجديد من رغبة لضم جرينلاند وكندا.

ومن هذا المنطلق يكتسب البُعد الداخلي لهذه القضية أهمية كبرى، أولها الالتزام الانتخابي بالسيطرة على التضخم عبر خفض رسوم العبور الباهظة على سفن الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يمر عبرها نحو 40% من حركة الحاويات الأمريكية، وتبلغ قيمة التجارة المارة عبر قناة بنما نحو 5% من حجم التجارة البحرية العالمية، وتستحوذ حركة الشحن من وإلى الولايات المتحدة على 72% منها.

ثغرة دارين-مجلس العلاقات الخارجية

كما تشمل أهداف ترامب السيطرة على تدفق المهاجرين عبر "ثغرة دارين Darien Gap" باتجاه الولايات المتحدة الأمريكية، التي قدرتها حكومة بنما في عام 2023 بأكثر من 520 ألف مهاجر، بزيادة تتجاوز ضِعف مستوياتها في عام 2022، بينما تراوحت مستويات المهاجرين قرابة 200 شخص قبل عقد من الزمن، حسب مجلس العلاقات الخارجية.

(*) مواجهة النفوذ الصيني: في ظل انتقادات ترامب لعجز الميزان التجاري مع العديد من الدول وعلى رأسها الصين، تمثل سيطرة الولايات المتحدة على قناة بنما خطوة هامة لتقليص نفوذ الصين على الممر الملاحي الحيوي للتجارة الأمريكية، بسيطرة تحالف هاتشيسون على موانئ على طرفي القناة انطلاقًا من ميناء بالبوا على المحيط الهادئ إلى ميناء كريستوبال على المدخل الشرقي المطل على المحيط الأطلنطي. منذ 1997، إلا أن الحضور الصيني بات أشد تأثيرًا منذ عام 2017 بعد انسحاب بنما من الاعتراف بتايوان مقابل الاعتراف بالصين والانضمام لمبادرة الحزام والطريق، وكذلك بتعزيز سيطرة البر الرئيسي على هونج كونج بموجب قانون الأمن القومي 2020، في مقابل إحجام أمريكي عن الاستثمار في البنية التحتية في بنما لعقود.

قناة بنما

وتستحوذ بنما على أهمية استراتيجية للولايات المتحدة وأمنها القومي وتزداد تلك الأهمية مع بروز مخاوف اضطراب سلاسل الإمداد عقب تفشي جائحة كوفيد-19 والحرب الروسية الأوكرانية، إلى جانب استفادة بكين من المنطقة الحرة في كولون في الالتفاف على العقوبات الأمريكية لحرمانها من الوصول إلى التكنولوجيا الحرجة وبصفة خاصة الرقائق المتقدمة والاستثمار في البنية التحتية الحيوية للاتصالات والملاحة البحرية، ما يجعلها ثغرة وتهديدًا حيويًا للأمن القومي الأمريكي.

وفضلًا عن الأبعاد الاقتصادية والتجارية والأمنية سالفة الذكر، تعد السيطرة المحتملة للصين على الملاحة عبر الممر المائي الرابط بين المحيطين الأطلنطي والهادئ تهديدًا استراتيجيًا لحركة البحرية الأمريكية وتدفق الإمدادات لقوات واشنطن وحلفائها في مواجهة اندلاع الصراعات في شرق آسيا وبصفة خاصة إذا لجأت الصين لضم تايوان بالقوة العسكرية.

اتجاهات التصعيد

تأسيسًا على ما سبق، يمكن التنبؤ بمسار التصعيد وفق السيناريوهين التاليين:

(&) المسار التوافقي: بموجبه يتوصل البلدان لصيغة اتفاق جديد يعزّز موقف الولايات المتحدة على صعيد إدارة الممر المائي أو منح سفنها المارة امتيازات تجارية مقابل خفض بصمة الصين والشركات المرتبطة بها في إدارة موانئ القناة، إضافة إلى تشجيع الاستثمار الأمريكي في مشروعات البنية التحتية الخاصة بتطوير القناة التي تقدر بنحو 8.5 مليار دولار خلال السنوات السبع المقبلة.

يعزّز من ذلك المسار رغبة الحكومة البنمية في تجنب الصدام مع الولايات المتحدة ومواجهة التحديات التي اعترضت عمليات قناة بنما نتيجة للجفاف الذي خلفته ظاهرة النينو عامي 2022 و2023، ورغبة ترامب في الاحتفاظ بمعاملة تفضيلية على صعيد رسوم المرور إلى جانب سحب الاستثمارات الصينية في البنية التحتية الحيوية بالممر الملاحي الاستراتيجي.

(&) المسار الصراعي: وفي هذا المسار قد يختار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذهاب لعملية عسكرية للسيطرة على قناة بنما على غرار التدخل العسكري في 20 ديسمبر 1989 بمشاركة 27 ألف جندي أمريكي خلال عهد الرئيس جورج بوش الأب بهدف الإطاحة بالجنرال مانويل نوريجا. وقد يستند ترامب للحق الذي احتفظت به بلاده في اتفاقيتي كارتر-توريخوس 1977، قبل انقضاء الإدارة المشتركة للقناة في 1999، بالحق في استخدام القوة العسكرية للدفاع عن "حياد" قناة بنما.

وقد يدفع بذلك المسار رغبة ترامب في حسم سريع لهذا الملف ما يعطي زخمًا لخططه في التوسع الإقليمي التي تشمل جرينلاند، إلا أنه يخاطر بتعزيز التهديدات المتعلقة بتدفق المهاجرين، وإضعاف موقف الولايات المتحدة في صراعات أخرى حول العالم.

وإجمالًا؛ على الرغم من اعتبارها الشريك التجاري الأول لبنما بقيمة 12 مليار دولار، إلا أن تراجع دور الاستثمار الأمريكي في البنية التحتية دفع الحكومة البنمية للانفتاح على الاستثمارات الصينية الضخمة في البنية التحتية، وهي نقطة الضعف الرئيسية للولايات المتحدة في مواجهة الصين. وفي المقابل تدفع الحكومة البنمية لتهدئة مخاوف الولايات المتحدة على الصعيد الأمني في مواجهة الهجرة غير النظامية وتجارة المخدرات باعتبارها أهم حليف للولايات المتحدة في أمريكا الوسطى. ومن المرجّح أن يتجه الطرفان لاتفاق جديد وشامل يتضمن تعزيز الاستثمارات الأمريكية في بنما ومراعاة التخوفات الأمنية لواشنطن من سيطرة الصين على طرفي الممر الملاحي لقناة بنما.