في خطوة أثارت موجة من الجدل القانوني والسياسي، وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمرًا تنفيذيًا يقضي بعدم منح الجنسية للأطفال المولودين في الولايات المتحدة من المهاجرين غير المسجلين.
هذا القرار، الذي وصفته صحيفة "واشنطن بوست" بأنه محاولة "لإعادة تفسير التعديل الرابع عشر للدستور الأمريكي"، يهدد بتغيير جذري في مفهوم المواطنة في البلاد، وقد يفتح الباب لنزاعات قانونية طويلة الأمد.
ما هي المواطنة بالولادة؟
تعد المواطنة بالولادة أحد الحقوق الأساسية المكفولة بموجب التعديل الرابع عشر للدستور الأمريكي، الذي تم التصديق عليه عام 1868، إذ ينص بند المواطنة في التعديل على أن "جميع الأشخاص المولودين أو المجنسين في الولايات المتحدة، والخاضعين لولايتها القضائية، هم مواطنون للولايات المتحدة والولاية التي يقيمون فيها".
كان الهدف من هذا التعديل، الذي أُقر في فترة إعادة الإعمار بعد الحرب الأهلية، هو ضمان المساواة في الحقوق وحماية الأفراد من التمييز، وقد تم تثبيته قانونيًا في قضية تاريخية عام 1898، عندما حكمت المحكمة العليا بحق طفل وُلد في الولايات المتحدة لأبوين مهاجرين في الحصول على الجنسية.
أمر تنفيذي مثير للجدل
أعلن ترامب، من خلال أمره التنفيذي الجديد، أن الحكومة الفيدرالية لن تعترف بجنسية الأطفال المولودين في الولايات المتحدة إذا لم يكن والداهم من المقيمين الشرعيين، ويدخل هذا القرار حيز التنفيذ خلال 30 يومًا، مانعًا الوكالات الفيدرالية من إصدار وثائق رسمية لهؤلاء الأطفال.
يعتبر هذا الأمر جزءًا من أجندة ترامب المتشددة في مجال الهجرة، التي تهدف إلى تقليص حقوق المهاجرين وإعادة تعريف الهوية الوطنية، وأثار القرار ردود فعل حادة، حيث وصفته منظمات حقوقية مثل الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية (ACLU) بأنه "هجوم مباشر على القيم الدستورية الأمريكية".
تعديل دستوري
يشير الخبراء القانونيون إلى أن الأمر التنفيذي يتعارض مع النص الصريح للتعديل الرابع عشر، الذي يعتبر الأساس القانوني لحق المواطنة بالولادة، وقد أوضحوا أن أي محاولة لإعادة تفسير هذا الحق تتطلب إما تعديلًا دستوريًا أو حكمًا من المحكمة العليا.
إن عملية تعديل الدستور معقدة للغاية، حيث تتطلب موافقة ثلثي أعضاء الكونجرس وتصديق 38 ولاية، لذلك، يُرجح أن تُحاول إدارة ترامب الدخول في معارك قانونية لإعادة تفسير التعديل الرابع عشر عبر المحاكم، ومع وجود أغلبية محافظة في المحكمة العليا، تزداد احتمالية تغيير تفسير هذا الحق.
مواقف متباينة حول القرار
فيما أثار القرار معارضة واسعة من جانب المنظمات الحقوقية وخبراء القانون، عبّر مؤيدو ترامب عن دعمهم لهذه الخطوة، وحسب "إيه بي سي نيوز" يعتقد هؤلاء أن المواطنة بالولادة ليست مذكورة بوضوح في الدستور وأن المحكمة العليا قد تعيد النظر في هذا الحق.
من ناحية أخرى، أظهرت استطلاعات الرأي رفضًا شعبيًا واسعًا لهذا الإجراء. في استطلاع أجرته مؤسسة "كوينيبياك"، أعرب 63% من الأمريكيين عن تأييدهم للحفاظ على حق المواطنة بالولادة.
ويمثل قرار ترامب خطوة جريئة قد تعيد تشكيل مفهوم المواطنة في الولايات المتحدة، لكنه يواجه عقبات قانونية ودستورية كبيرة، مع تزايد الجدل حول هوية الأمة ومستقبل الهجرة، تظل الأيام المقبلة حاسمة في تحديد ما إذا كان هذا القرار سيصمد أمام التحديات القانونية والسياسية أم أنه سيصبح فصلًا آخر في معركة ترامب المثيرة للجدل.