كل يوم في غزة له شأن، تتلاشى فيه آمال وتتجدد جراح، فسكين الاحتلال الذبّاح أضاف إلى جرح القطاع النازف آلامًا جديدة توثّقها فصول هذه الحرب، وفي تطور مأساوي يعكس عمق الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، أُغلق مستشفى كمال عدوان في شمال القطاع، آخر المنشآت الطبية الرئيسية في المنطقة، بعد غارة عسكرية إسرائيلية.
هذا الحدث، اعتُبر ضربة قاصمة للنظام الصحي المتهاوي أصلًا، وأثار موجة من الإدانات الدولية والمخاوف بشأن مصير آلاف المرضى الذين تُركوا دون رعاية طبية.
إغلاق المستشفى
أعلنت منظمة الصحة العالمية، مساء أمس الجمعة، أن مستشفى كمال عدوان في جباليا أُغلق بالكامل بعد تعرضه لغارة إسرائيلية، وأوضحت المنظمة أن الغارة تسببت في إحراق وتدمير الأقسام المركزية في المستشفى، وأسفرت عن إصابة 60 من أفراد الطاقم الطبي بجروح خطيرة و25 مريضًا.
من جهتها، اتهمت وزارة الصحة في قطاع غزة جيش الاحتلال الإسرائيلي بإشعال النار في أقسام حيوية داخل المستشفى، بما في ذلك المختبر وقسم الجراحة.
وفي المقابل، نفت سلطات الاحتلال الإسرائيلية الاتهامات، زاعمة أن الحريق كان صغيرًا ووقع في مبنى فارغ.
تحذيرات أممية
بعد الغارة، أُجبر المرضى المصابون بجروح متوسطة إلى خطيرة على الإخلاء إلى المستشفى الإندونيسي القريب، الذي توقف هو الآخر عن العمل نتيجة الأضرار.
وأعربت منظمة الصحة العالمية، عبر تغريدة على منصة إكس، عن قلقها الشديد إزاء سلامة المرضى الذين باتوا في خطر محدق.
وأكدت المنظمة أن القيود المتزايدة على الوصول والهجمات المتكررة على المنشآت الطبية تعرقل جميع الجهود المبذولة للحفاظ على الحد الأدنى من الخدمات الصحية، واصفة الوضع بأنه "حكم بالإعدام" على آلاف الفلسطينيين الذين يحتاجون إلى الرعاية الطبية.
تبريرات الاحتلال وتحذيراته
وزعم المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي أن العملية في مستشفى كمال عدوان جاءت بناءً على معلومات استخباراتية تشير إلى استخدام المستشفى كمركز عسكري من قِبل حماس، وادعى أن القوات عملت على تسهيل إجلاء المرضى والعاملين بالتنسيق مع السلطات المحلية والمنظمات الدولية لتقليل الأضرار الجانبية.
وأشار جيش الاحتلال إلى أن المستشفى أصبح مركزًا لعمليات حماس، على الرغم من التحذيرات المتكررة لتجنب الاستخدام العسكري للمرافق الطبية.
وأضاف المتحدث لمزاعمه أن قوات الاحتلال الإسرائيلية اعتقلت أكثر من 240 شخصًا، يُزعم أنهم ينتمون إلى تنظيمات إرهابية، حسب ادعائه.
شهادات ومشاهد مأساوية
وحسب "يديعوت أحرونوت" العبرية، فقد وثّقت مقاطع مصورة من داخل غزة سكانًا يسيرون بأيدي مرفوعة، محاطين بالدبابات الإسرائيلية، مضيفة أن هناك رواية أخرى من داخل المستشفى، قيل فيها إن جيش الاحتلال أمر الجميع بإخلاء المنشأة خلال 15 دقيقة، ما أدى إلى فقدان الاتصال بإدارة المستشفى.
وأكدت تقارير فلسطينية أن العملية العسكرية تسببت في حالة من الذعر والفوضى بين المرضى والطواقم الطبية، وأشارت إلى أن المستشفى كان الملاذ الأخير للرعاية الطبية في شمال القطاع.
نداءات دولية
ودعت منظمة الصحة العالمية والمجتمع الدولي إلى وقف استهداف المنشآت الصحية وحماية الخدمات الطبية، وأكدت المنظمة أن تدمير البنية التحتية الصحية في غزة يفاقم من معاناة السكان، مطالبة بضرورة احترام القانون الدولي الإنساني.
وفي الوقت الذي تتواصل فيه العمليات العسكرية، يبقى الأفق الإنساني في غزة قاتمًا، مع غياب أي مؤشرات على تحسن الأوضاع في ظل تزايد الضغوط على النظام الصحي المتهالك.
45484 شهيدًا فلسطينيًا
أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية، اليوم السبت، استشهاد 45.484 فلسطينيًا على الأقل وإصابة 108.090 آخرين، منذ بدء عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023.
وأوضحت الصحة الفلسطينية أن الاحتلال الإسرائيلي ارتكب مجزرتين ضد العائلات في قطاع غزة خلال الـ24 ساعة الماضية، وصل منها إلى المستشفيات 48 شهيدًا و52 إصابة، لافتة إلى أن طواقم الإسعاف والدفاع المدني لا تتمكن من الوصول إلى الضحايا مِمَن هم تحت الركام وفي الطرقات.
وتواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة، لليوم الـ449 تواليًا، عبر شنِّ عشرات الغارات الجوية والقصف المدفعي، مع ارتكاب مجازر ضد المدنيين، وسط وضع إنساني كارثي نتيجة الحصار ونزوح أكثر من 95% من السكان.
قتل طفل كل ساعة
وكشف تقرير لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) عن مأساة إنسانية يعيشها أطفال غزة، حيث تقتل إسرائيل طفلًا في قطاع غزة كل ساعة، ما يعكس حجم الدمار المستمر.
وأضافت الوكالة في بيان صادر عنها، اليوم الثلاثاء: "لا مكان للأطفال، فمنذ بداية الحرب تم الإبلاغ عن استشهاد 14.500 طفل في غزة بحسب منظمة (الأمم المتحدة للطفولة) اليونيسف"، وتابعت: "يُقتل طفل كل ساعة، هذه ليست مجرد أرقام، إنها حياة قُطعت".
اغتيال طبيب العظام الوحيد
في خطوة تعكس وحشية الاحتلال الإسرائيلي، استُشهِد الدكتور سعيد جودة، جراح العظام الوحيد في شمال غزة، برصاص طائرة مُسيّرة إسرائيلية في أثناء توجهه إلى مستشفى العودة في جباليا لعلاج الجرحى.
ووفقًا لبيان صادر عن وزارة الصحة الفلسطينية، جاء استشهاد "جودة" عبر استهدافه مباشرة بصاروخ، وتأتي هذه الجريمة في سياق استهداف ممنهج للطواقم الطبية العاملة في القطاع، إذ بلغ عدد شهداء القطاع الصحي حتى الآن 1057.
وفي وسط واقع مأساوي، يبقى النظام الصحي في غزة في مهب الريح. ومع استمرار التصعيد العسكرية الإسرائيلي، تتصاعد المخاوف من انهيار شامل يُهدد حياة آلاف المرضى، بينما تواصل الأصوات الدولية المطالبة بإنهاء الأزمة الإنسانية وحماية المدنيين الأبرياء.