لطالما كان اسم إيلي كوهين رمزًا للتجسس والاختراق في تاريخ الصراعات العربية الإسرائيلية، لكن مع كل ما أُنجز في حياته القصيرة، يبقى مكان دفنه أحد أكثر الألغاز غموضًا في المنطقة.
ووسط اضطرابات سوريا السياسية وسقوط نظام الأسد، تتجدد مساعي إسرائيل لاستعادة رفات الجاسوس الشهير الذي أُعدم في دمشق عام 1965. كيف بدأت القصة؟ وما الذي يجعل مساعي استعادة رفاته قضية مستمرة حتى اليوم؟
إسرائيل تعيد فتح ملف كوهين
وفقاً لصحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، أجرت إسرائيل اتصالات مع مسؤولين سوريين وأطراف إقليمية لتحديد مكان دفن إيلي كوهين، مستغلة الفوضى والاضطرابات في سوريا، ورغم المحاولات الحثيثة على مر السنوات، بما في ذلك اتصالات مع روسيا، لم تحقق هذه الجهود أي نتائج حاسمة.
في عام 2021، كشف رئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن عمليات البحث مستمرة بالتعاون مع روسيا، حيث تركزت الجهود في مخيم اليرموك جنوب دمشق، إلا أن النتائج بقيت غامضة.
جهود سابقة لاستعادة الرفات
نشرت صحيفة "رأي اليوم" تقارير عن قيام جنود روس بعمليات تفتيش في سوريا بالتنسيق مع الجانب الإسرائيلي، كما أُثيرت تقارير في عام 2021 حول قطعة يُعتقد أنها تخص كوهين تم نقلها إلى إسرائيل، لكن مكتب نتنياهو وفق "يديعوت أحرونوت" نفى صحة تلك الادعاءات.
وُلد إيلي كوهين في مدينة الإسكندرية بمصر عام 1924 لعائلة يهودية مهاجرة من حلب، كان يجيد اللغات العربية والإنجليزية والفرنسية، ما أهّله للعب دور كبير في عالم الاستخبارات، بعد هجرة عائلته إلى إسرائيل عام 1949، انضم لاحقًا إلى جهاز الموساد الإسرائيلي.
كان يُعرف في صفوف الموساد الإسرائيلي باسم "العميل 88"، حيث سافر إلى سوريا ليدعي أنه مغترب سوري مهاجر من الأرجنتين، ونجح هناك في بناء سمعته كرجل أعمال ناجح متحمس لوطنه الأصلي سوريا.
التجسس على سوريا
تلقى كوهين تدريبات مكثفة لتأدية دور رجل أعمال سوري مغترب يحمل اسم "كامل أمين ثابت"، سافر إلى الأرجنتين حيث نجح في بناء علاقات مع كبار المسؤولين السوريين، من بينهم أمين الحافظ الذي أصبح لاحقًا رئيسًا لسوريا.
عندما انتقل إلى دمشق، أصبح كوهين مقربًا من دوائر صُنع القرار في الحكومة السورية، ما مكّنه من الحصول على معلومات حساسة عن المواقع العسكرية في مرتفعات الجولان، وهي معلومات اعتُبرت حاسمة في انتصار إسرائيل خلال حرب 1967.
بداية النهاية.. كشف الجاسوس
بدأت الاستخبارات السورية تشك في وجود جاسوس إسرائيلي بعد تسريب قرارات حكومية للإذاعة الإسرائيلية، وقادت التحقيقات إلى منزل كوهين، حيث تم اعتقاله في يناير 1965.
وحُكم على كوهين بالإعدام بعد محاكمة عسكرية، ونُفذ الحكم في ساحة المرجة بدمشق أمام حشد كبير من الجماهير. وصفته السلطات السورية بأنه "أخطر جاسوس إسرائيلي"، بينما يعتبره الإسرائيليون بطلًا قوميًا.
جهود البحث عن الرفات
تمثل استعادة رفات كوهين قضية رمزية لإسرائيل، ففي عام 2018 أعلنت إسرائيل عن استعادتها ساعة اليد التي كان يرتديها كوهين بفضل عملية خاصة نفّذها الموساد، ومع ذلك، لم تتمكن إسرائيل حتى الآن من تحديد موقع رفاته رغم المحاولات المتكررة.
وتشير صحيفة "تايم أوف إسرائيل" إلى أن إسرائيل تستغل سقوط نظام الأسد لإعادة فتح الملف، كما تُجري اتصالات مع أطراف سورية ودولية، بهدف الوصول إلى معلومات دقيقة حول موقع دفنه.
ماذا تبقى من كوهين؟
أعاد مسلسل قصير على منصة "نتفليكس" في عام 2019 تسليط الضوء على حياة إيلي كوهين، ما أثار اهتمامًا عالميًا بقصته، وجسّد المسلسل مدى اختراقه للنظام السوري، وأبرز دوره الحاسم في التجسس.
ولا تقتصر قضية كوهين على الجانب الاستخباراتي فقط، بل تُستخدم كأداة سياسية في النزاع الإسرائيلي السوري. ورغم مرور عقود على إعدامه، لا تزال قضيته حيّة في الذاكرة الإسرائيلية، كمثال للوفاء لمن ضحى بحياته في سبيل وطنه.
يبقى إيلي كوهين لغزًا تاريخيًا وشخصية مثيرة للجدل بين من يعتبره بطلًا قوميًا ومن يراه جاسوسًا خطيرًا. ومع استمرار إسرائيل في البحث عن رفاته، يُطرح السؤال: هل سيُكتب لهذه الجهود النجاح في ظل التغيرات السياسية في المنطقة؟ أم أن مصير كوهين سيبقى طيّ الكتمان، شاهدًا على صراعات لم تنتهِ بعد؟